• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تجاهل المضايقات الصغيرة

تأليف: د. إبراهيم بن حمد (الرئيس التنفيذي لشركة دار المعرفة للتنمية البشرية)

تجاهل المضايقات الصغيرة

◄هل اختبرت مشاعرك بالضيق وعدم الراحة في بعض أيامك التي تعتبرها عادية. أحياناً نشعر بالامتعاض والضيق ولا ندري ما الأسباب. وأحياناً نعرف أنّ الامتعاض والضيق سببه أمر صغير، أو مضايقة صغيرة ولكنّنا لا نستطيع أن نتخلص من تأثير هذه المضايقة.

يخبرنا علماء النفس بأنّ هناك نوعان رئيسيان من الشخصية الإنسانية نوع A وهو النوع الحار، السريع، الحساس، صاحب الطموحات الكبيرة والعمل الدؤوب. إنّه نمط يحب أن يطبخ أموره على نار مشتعلة ويعطي الانطباع بأنّه نشيط وفاعل ومتحرك وقلق. والنوع الثاني من انماط الشخصية هو B وهو النوع الهادئ مع ميول إلى البطء ويعطي انطباعات بأنّه غير فاعل وبارد. وتفيد الدراسات بأنّ النمط الأوّل أكثر عرضة للأمراض والقلق وذلك لارتفاع نسبة الأدرينالين في جسمه، وأنّ النمط الثاني أقل عرضة للأمراض والتأثر بالضغوط، وبين هذين النمطين اللذان يمثلان طرفي نقيض في الميول والاتجاهات النفسية تتنوع الشخصيات الإنسانية الأخرى حسب مزجها لبعض سمات النمطين أو قربها من كلّ واحد من هذين النمطين.

وقد دلت الدراسات الحديثة بأنّ النجاح في العمل والحياة ممكن لكلا النمطين من الشخصية، على الرغم من الانطباع السائد بأنّ نمط A أكثر نجاحاً وتحقيقاً لأهدافه في الحياة. هل تعرف إلى أي نوع تميل؟ هل أنت من نوع A أو B؟ إنّ الوصول إلى تركيبة متوازنة بين النمطين يقدم شخصية نموذجية تتخلص من سلبيات النمطين وتعزز الإيجابيات.

ما علاقة هذين النمطين من الشخصية بتجاهل المضايقات الصغيرة في الحياة؟ لقد دلت الدراسات النفسية بأنّ نمط A يتأثر كثيراً بالمضايقات الصغيرة وربما أفسدت عليه يومه وجعلته قلقاً متوتراً ومتضايقاً. وفي كثير من الأحيان بسبب صغر هذه المضايقات وعدم تذكرها تورث لديه مشاعر غامضة بعدم التوازن وعدم الراحة، فهو يعيش يومه متضايقاً ولا يعرف الأسباب. وفي أحيان أخرى تكون هذه المضايقات طافية على السطح ويمكن تذكرها على الرغم من أنّها صغيرة تافهة ولا تستحق الاهتمام.

وقد وجدت من دراساتي وأبحاثي وخبراتي في الحياة أنّ التفكير الإيجابي "مهما كان نمط شخصيتك" له تأثير عظيم على تحقيق السعادة والنجاح والتخلص بالضرورة من المضايقات الصغيرة، بل النظر إلى هذه المضايقات بأنها جزء لا يتجزأ من الحياة المثمرة. ما رأيك بهذه الآية الكريمة، يقول سبحانه وتعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (فصّلت/ 34)، أي تصرف بطريقة حسنة وإيجابية في المواقف الحياتية، وكن إيجابياً في تعاملك ونظرتك للأمور.. (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصّلت/ 34)، كن إيجابياً في الحياة إلى درجة أن يكون تعاملك مع عدوك كما تعامل صديقك العزيز.. (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصّلت/ 35)، إنّ طريقة التعامل الإيجابي في الحياة لا يوفق إليها إلا الإنسان الحليم الصبور.. وإنّ الهداية لمثل هذا السلوك الإيجابي في الحياة يمثل حظاً عظيماً لا يظفر به إلّا القليل من البشر.

إنّ الإيجابية في الحياة لها تأثير عظيم على الطريقة التي تفكر بها. ويرى ذلك في نتائج دراسة مطولة استمرت لثمان سنوات لرتشارد وايزمان Richard Wiseman وجاءت في كتابه: "عامل الحظ" حيث قام الباحث باكتشاف الفروق بين الناس الذين يعتبرون أنفسهم محظوظين، والناس الذين يشعرون عكس ذلك. فوجد أنّه ليس هناك في الواقع شيء اسمه حظ. إنّها الطريقة التي تفكر بها فقط وتمثل التركيبة النفسية لكلّ واحد من الاثنين، فالمحظوظ متفائل دائماً ويفسر الأمور بإيجابية والغير محظوظ عكس ذلك. وقد سأل الباحث المجموعتين "المتفائلين والمتشائمين" كيف يشعر الواحد منهم لو كان في بنك وتعرض لجريمة سطو واجتياح للبنك وأصيب في يده. المتشائمون قالوا: هذه كارثة عظيمة ونهاية حزينة تدمر الحياة، أما المتفائلون فقالوا: أنّهم محظوظين لأنّهم لم يقتلوا.

هل هناك وصفة لتعزيز الجانب الإيجابي في شخصياتنا والتخلص تبعاً لذلك من المضايقات الصغيرة التي تفسد علينا يومنا؟ قد يكون من الصعب إعطاء وصفة تناسب مختلف الأنماط الشخصية ولكن الأفكار التالية ستكون مفيدة للغاية.

1- تجاهل المضايقات الصغيرة، غض الطرف عن الأمور التافهة الصغيرة التي قد تسبب لك الإزعاج والضيق. إنّ استراتيجية الإهمال أو التغافل سمة من سمات الحكماء والعقلاء والذين ينظرون إلى الآفاق البعيدة في علاقاتهم مع الآخرين.

2- تعلم فن التنازل، اعرف متى يجب عليك أن تتنازل في بعض المواقف، ومتى يجب ألا تتنازل. كثيراً ما تدخلنا علاقاتنا مع الآخرين وخاصة القريبين منا إلى الكثير من المواقف التي تكون نتيجتها الحتمية الخسارة لجميع الأفراد. والمحصلة الأخيرة عندما نفيق لأنفسنا لا يعدو الموقف أكثر من سوء فهم، أو خطأ غير مقصود أو مضايقة صغيرة لا تستحق هذا الجهد والوقت، أو مشاعر سلبية لم نستطع أن نتحكم بها. هل تستطيع أن تفكر دائماً بطريقة إيجابية وأن تتبع أسلوب "الربح للجميع" في أي موقف وعلاقة ومشكلة.

3- عندما تتأكد بأنّك أمام مشكلة "وليست مضايقات عرضية صغيرة" واجه هذه المشكلة، وكن صريحاً وواضحاً وتلقائياً ولكن بأدب واحترام للطرف الآخر. إنّ مواجهة المشكلات أوّلاً بأوّل وإيجاد الحلول المناسبة لها "أو تركها إذا كانت من النوع الذي يحله الزمن" استراتيجية مهمة للشعور بالفاعلية والراحة النفسية.

4- لا تأخذ الأمور على محمل شخصي دائماً. بعض الناس لديهم حساسية مفرطة: فإذا تحدث أحدهم في المجلس وصدرت منه بعض التعليقات أو الانتقادات العامة ظن أنّه يعنيه، وإذا كان في علاقة ظن أنّه الطرف الضعيف أو الضحية، وإذا نصحه أحد ظن أنّ ذلك انتقاد مباشر لشخصيته.. إلخ. إنّ الحساسية المفرطة من هذا النوع تضخم المضايقات الصغيرة وتجعلها تسيطر على حياة الإنسان.

5- هل تستطع أن تجرب أسلوب "ثوب للعمل" و"ثوب للحياة الخاصة" تلبس كلّ واحد من هذين الثوبين في الوقت المناسب. فإذا خرجت من منزلك في الصباح تخلص من ثوب حياتك الخاص "المشاكل والمضايقات والتحديات التي لديك" اتركها في هذا الثوب والبس ثوبك الجديد إلى العمل ناسياً كلّ شيء عن ثوبك الأوّل. ثوبك الجديد مع بداية اليوم يركز على العمل والإنتاج والإبداع والروح الإيجابية. وعند نهاية يوم العمل إنزع هذا الثوب الذي تلوّث بالعديد من المشكلات والتحديات والمضايقات والإحباطات بسبب الرئيس والزملاء والعملاء والمراجعين، انزعه قبل أن تخرج من المكتب والبس ثوبك الجديد "ثوب الحياة الخاصة" الثوب الذي يجب أن يأخذك لزوجتك وأولادك بروح جديدة ناسياً هموم العمل ومضايقاته.. إلخ. إنّ هذه الفكرة بالطبع فكرة نظرية فقد يكون من الصعب التخلص من هموم المنزل في العمل أو هموم العمل في المنزل ولكن التفريق بينهما يورث الكثير من الهدوء والتجديد والراحة النفسية كلّ يوم.

6- كلنا يعرف بأنّ هناك مضايقات في الحياة "صغيرة وكبيرة" وهذه القائمة تصغر وتكبر بقدر من تنظر إليها، ولكن أليس هناك نعم كثيرة وهناك أيضاً الكثير من الأمور الإيجابية في العمل والحياة. هل تستطيع أن تكتب قائمة بالأعمال الإيجابية "التي تجعلك سعيداً ومرتاحاً وتوفر لك الكثير من المتعة" في حياتك الخاصة، وقائمة أخرى تكتب فيها نفس الشيء في محيط العمل. إن تركيزنا أحياناً على أمور ومضايقات صغيرة يفوت علينا الفرص العظيمة للاستمتاع بالحياة من حولنا. ولا شك أنّ حياة الإنسان، بفضل الله سبحانه وتعالى، مليئة بالأشياء الجميلة "التي لا تكلف مالاً" للمتعة والسعادة والراحة النفسية.

اكتب قائمتك الشخصية "الأشياء التي تستمتع بعملها في المنزل وفي الحياة الخاصة" وحاول ممارسة ما تستطيع من هذه القائمة. وكذلك اكتب قائمة بالأشياء التي تستمتع بعملها في المكتب وتؤدي إلى شعورك بالرضى وتوثق علاقاتك مع رؤسائك ومرؤوسيك وزملائك ولها أثر كبير في رفع مستوى أدائك وتحقيق نجاحك وتميزك.►

 

المصدر: كتاب دروس ثمينة في تحقيق التميز والنجاح في الحياة

ارسال التعليق

Top