• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حقوق الإنسان ضرورة لتنظيم علاقات المجتمع

عمار كاظم

حقوق الإنسان ضرورة لتنظيم علاقات المجتمع


إنّ الحقوق والواجبات حقيقتان اجتماعيتان لهما جذورهما الراسخة في حياة كل إنسان منذ العهود السابقة وحتى هذا اليوم، حيث أصبحت حقوق الإنسان هي شعار القرن الحادي والعشرين، الشعار والطريق الأمثل لتقدم البشرية، ورمز تطلعاتها لتحقيق المستقبل الزاهر، فلو توغلنا في الحق وتعاريفه، لوجدنا أنفُسنا أمام نظريات وآراء متنوعة، تطرح سؤالاً واحداً: هل إنّ كلمة الحقّ مجرد اصطلاح ظهر نتيجة العادات والممارسات، أم هو شعور داخلي - نفسي ينبع من الكينونة، ومن واقع الحياة التي تستكمل به شروط استمرارها؟ أم هو هبة من عالم ما وراء الطبيعة؟ تعتبر كلمة الحقّ من كلمات التذكير؛ مثل العدل والصواب والخطأ، وتشير كلمة الحقّ في معناها العام إلى جملة من المعايير التي تهدف إلى تنظيم العلاقات البشرية، وتأمين المصالح الإنسانية، وقد اختلف العلماء عند محاولتهم وضع تعريف شامل للحقّ، وهكذا يمكن القول بأنّ الحقّ يرتبط بالمجموعات البشرية ومفاهيمها ويتطوّر بتطورها، ويظل دائماً أمراً اجتماعياً محدداً بجملة من المعايير والقوانين، وهو بذلك ليس مقولة إنسانية مجردة، وإنّما هو تعبير تاريخي وضرورة ملحة لتنظيم علاقات المجتمع، إنّ مبدأ القهر ومبدأ حرّية الإنسان لا يلتقيان أبداً، ومن أجل ذلك تم تشريع قوانين حقوق الإنسان التي كانت أمراً لابدّ منه، لأنّ تلك القوانين - وبالخصوص القانون الدولي - تسعى لكبح جماح القوّة وغطرستها ومنع استفحال سيطرتها وهيمنتها بدون حقّ، فكانت تلك التشريعات درعاً واقياً وحصناً يحمي حقوق الأفراد التي طالما نراها تنتهك في كثير من أرجاء العالم.

كما جاء الإسلام في دعوته إلى وحدة الأديان في مصدرها وفي جوهرها، وإلى الإيمان بجميع الرُّسل بلا تفريق بينهم ولا تعصب، إنّما يدعو جميع الشعوب إلى وحدتها الإنسانية الكبرى، على أساس عقيدة موضوعية جامعة، إنسانية عالمية، تتوحّد فيها وتتساوى على قاعدة وحدة القيم الأساسية والأخوّة الإنسانية والتعاون على البرّ. إنّها عقيدة هادفة إلى تحرير الإنسانية من استغلال بعضها البعض، وإلى تأهيلها لرسالتها العلمية الكونية التي حملت مسؤوليتها الخالدة، والتي لا سبيل إلى القيام بها إلّا بعد التحرر من الاستغلال والاستعباد ومن تبديد الطاقات من أجل منافع ذاتية أو في صراعات عنصرية أو طبقية تدمرها، فهي دعوة إلى الوحدة العالمية والأخوّة الإنسانية التي تستمد حيويتها من عقيدة إنسانية موضوعية ذات شريعة عالمية متوازنة القيم، لا تتجزأ فيها الحرّية والعدالة ولا تتنافران، فلا حرّية بلا عدالة، ولا عدالة بلا حرّية، ولا يستعبد فيها الأفراد باسم الجماعة، ولا المجموع لصالح بعض الأفراد.

إنّ الشريعة الإسلامية كان لها السبق المطلق في إرساء دعائم حقوق الإنسان في وقت السلم وفي وقت الحرب على حدٍّ سواء، فلقد أعلنت الشريعة الإسلامية المكانة السامية للإنسان في هذا الكون: (وَلَقَدْ كَرِّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَملْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلنَاهُمْ عَلَى كَثيرٍ مِّمَّنْ خَلقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70). (وَإِذ قَالَ رَبُّكَ للِمَلائِكةِ إِنَّي خَالِقٌ بَشراً مِّن صَلصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسنُونٍ فَإِذا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدينَ فَسجَدَ المَلائِكَةُ كُلُّهمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (الحجر/ 28-31). وأرست الشريعة الإسلامية مبدأ المساواة بين البشر على أُسس وطيدة. فالقرآن الكريم يقرر المبدأ العام: (إِنَّ أَكْرَمكُمْ عِندَ الله ِأَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13). ويقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا أيّها الناسُ، إنّ رَبَّكم واحدٌ، كُلُّكم لآدم وآدم من تراب، إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فَضْلٌ إلّا بالتقوى. أَلاَ هل بَلَّغْت؟ اللهم فاشهد. أَلاَ فليبلغ الشاهدُ منكم الغائبَ». وكفلت الشريعة الإسلامية مبدأ المساواة أمام القانون: (إِنَّ اللهَ يأْمُرُكمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلى أَهْلهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَينَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ) (النِّساء/ 58). (وَلاَ يَجرِمنَّكُمْ شَنآنُ قَومٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْربُ لِلتَّقْوَى) (المائدة/ 8). ويكفل الإسلام الحرّية الدينية، فلكلّ إنسان الحرّية في اختيار العقيدة التي يؤمن بها: (لاَ إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ) (البقرة/ 256). وقد أعلنت الشريعة الإسلامية حرّية الفكر، ودعت الإنسان إلى التأمّل الدائب وإعمال العقل الذي يقود الإنسان إلى الهداية وإلى الطريق القويم: (أَفَلمْ يَسِيُروا فِي الأَرضِ فَتكُونَ لَهُم قُلوبٌ يَعْقلُونَ بِهَا أَوْ أَذَانٌ يَسْمعُونَ بِهَا فإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلكِن تَعْمَى القُلوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحجّ/ 46).

ختاماً، إنّ الإسلام ينطلق من اعتقاد راقٍ في نظرته إلى الإنسان، حيث جعل الله عزّ وجلّ الإنسان خليفة في الأرض، لعمارتها، وإقامة أحكام شريعته فيها، قال عزّوجلّ: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ) (الأنعام/165). وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة/30). وإنّ الإنسان موضع التكريم من الله عزّوجلّ الذي حباه بذلك التكريم، ومنحه إياه فضلاً منه تعالى.

ارسال التعليق

Top