د. سمير يونس
قديماً غار أبناء نبي الله يعقوب من أخيهم النبي يوسف (ع) والقصة مسجلة في كتاب الله الكريم، وفيها دروس وعبر للدارسين، وكذلك لما قصّ يوسف على أبيه (ع) ما رآه في الرؤيا، حذره والده من كيد إخوته، قال تعالى: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يوسف/ 4-5).
والغيرة صفة موجودة في الإنسان، وهو مفطور عليها، لكنها صفة محمودة إذا وجدت باعتدال، فإذا ما زادت على حد الاعتدال أو نقصت عنه أو تلاشت صارت من الصفات المذمومة غير المقبولة، وسببت لصاحبها عنتاً ونكداً وكدراً.
ويُعرف علماء النفس والتربية الغيرة عند الطفل بأنّها: "حالة انفعالية، مركبة من حب التملك، والشعور بالغضب، تصاحبها تغيرات وظيفية "فسيولوجية" داخلية وخارجية، يشعر بها الطفل – عادة – عند إحساسه بفقدان الامتيازات التي كان يحصل عليها أو ينتظرها، وخاصة عند ظهور مولود جديد، أو عند اهتمام الأبوين بأحد الأبناء على حساب الآخر".
- أسباب الغيرة:
ثمّة أسباب متعددة تؤدي إلى غيرة الطفل، منها ما يرتبط به شخصياً، ومنها ما يرجع إلى ممارسات الوالدين، ومنها ما يرتبط بالضروف الأسرية المحيطة بالطفل، ومن أهم هذه الأسباب:
1- شعور الطفل بنقص شيء ما، كإحساس بعيب شكلي، أو بحاجته إلى الملابس أو المال أو الألعاب، أو ما شابه ذلك من أغراض.
2- مرور الطفل بمواقف فشل أو إحباط؛ كانخفاض معدله الدراسي، أو عدم إنجازه ما يكلف به من عمل.
3- أنانية الطفل الغيور، فمثل هذا الطفل يرغب في أن يحظى باهتمام من الوالدين أكبر وأفضل مما يناله أخوه، فإن لم يجد ذلك وقعت الغيرة.
4- قدوم طفل جديد، وخاصة إذا حظي باهتمام أكبر من والديه والمحيطين به.
5- سخرية الوالدين من الطفل.
6- قسوة الوالدين في تعاملهما مع الطفل.
7- المقارنة بين الأبناء والمفاضلة بينهم، فبعض الآباء والأُمّهات يفضلون الذكور على الإناث، والكبار على الصغار، أو العكس، وبعضهم يقارن بين المستويات الدراسية للأبناء، ويفاضلون بينهم، ويعيِّرون ذوي المستويات الدراسية المنخفضة، وهذا كله يؤدي إلى الغيرة.
8- كثرة الثناء على إخوة الطفل أو أخواته على مسمع منه، وإظهار محاسنهم وتميزهم وإهماله.
- كيف تكتشف غيرة طفلك؟
للغيرة أعراض يمكن من خلالها أن نتعرف طبيعة الطفل من حيث الغيرة، وأهم هذه الأعراض، زيادة طلبات الطفل، لأنّه يريد أن يجذب انتباه الوالدين إليه، وخاصة عندما يراهما مشغولين بالطفل الأصغر، أو يحملانه ويدللانه، وقد يميل إلى العنف والعدوانية في سلوكه مع أخيه، وربما تظهر الغيرة في صورة ما يسميه علماء النفس بـ"النكوص"، ويعني ارتداد الطفل الغيور إلى مراحل سنية مبكرة، فيسلك سلوك الطفل الصغير، بهدف لفت الأنظار إليه، ومن ذلك أن يضع إبهامه في فمه، أو يمص أصابعه، أو يحبو على الأرض، أو يتبول ويتبرز على نفسه.
ومن أعراض الغيرة أيضاً أن يذكر الطفل الغيور عيوب أخيه، وأن يدعو الأبوين إلى إهماله وعدم الاهتمام به، أو يشكو إهمالهما والاهتمام بأخيه، أو يبكي، أو يتمارض حتى يدفعهم إلى الاهتمام به.
- علاج الغيرة:
السؤال الأهم الآن هو: كيف نعالج الغيرة لدى أطفالنا؟
1- سدّ حاجات الطفل التي يشعر بأنّها تنقصه، فإن كان به عيب شكلي أكدنا له أنّه ليس الوحيد، وأن ذلك يمكن أن يدفعه للنجاح في الحياة، بل ربما يصل إلى النبوغ والشهرة، ومن المفيد هنا أن نحدثه عن نجاحات الكثيرين من البشر الذين يعانون الإعاقات الجسمية والعيوب الشكلية ونجحوا في حياتهم، وكانوا من النابغين الموهوبين المشهورين.
2- أن نغرس في الطفل الثقة بنفسه، وأن نعرفه بنجاحه، ونفهمه أنّ الفشل لا يعني توقف الحياة، وإنما يعني إعادة المحاولة حتى النجاح، وأنّه إن كان قد فشل في تحقيق هدف ما، فإنّه سينجح – إن شاء الله تعالى – في تحقيق أهداف أخرى، فعليه أن يحاول مرات أخرى.
3- إشعار الطفل بأنّه مقبول في الأسرة، وأن تفوق أخيه لن يؤدي أبداً إلى ضعف حبنا له.
4- تجنب مقارنته بإخوته، والحذر من إظهار ضعفه وعجزه وإبراز قوتهم وتميزهم، وإبعاده عن مواقف المنافسة غير المتكافئة، لأن ذلك يولد الغيرة ويضخمها.
5- أن نغرس فيه حب الآخرين، وخاصة إخوته، وأخواته، ووالديه، ونوضح له السلوك الصحيح، ونعوده أن له حقوقاً وعليه واجبات، وذلك بتعليمه دستور الأسرة، وأن ينشأ من الصغر على تجنب الأنانية وحب الذات والفردية.
6- دفع الطفل لممارسة الأنشطة التي يحبها مع إخوته، ورفاقه، وخاصة الأنشطة الجماعية.
7- عند قدوم طفل جديد لا تُظهر اهتمامك به أمام أخيه؛ لأنّه حينذاك سيشعر بأن حبك له سينتقل إلى أخيه المولود الصغير، فإن شعرت بغيرة طفلك من أخيه المولود الجديد فلا تزجره ولا تعنفه، لأن ذلك يزيد من غيرته، بل حدد له أدواراً يساعد بها المولود الجديد – وذلك في حدود قدراته – وأثْنِ عليه ثناء معتدلاً، واشكره على ما يقوم به، وأشعره بالمسؤولية، فإن ذلك يحقق له الشعور بذاته وبقيمته، داخل الأسرة وشجعه دائماً.
ومن المهام التي يمكن أن يؤديها الطفل الغيور مع أخيه أو ينشد لأخيه الصغير النشيد الذي سمعه وهو صغير حتى ينام، فمثل هذا الأمر يولد حباً وحناناً لدى الأخ الغيور نحو أخيه.
8- تركيز الوالدين على مفاهيم الحب والطاعة والرفق بحسب مستواه، فذلك يساعده على فهم ذاته والآخرين، ويغرس في قلبه الحب والحنان تجاه أخيه بشكل طبيعي دون إجبار.
9- استثمار الوقت الذي يكون فيه الطفل الغيور حزيناً، أو غضبان، وذلك في إشعاره بسوء الحزن والغضب ومضار هذا الشعور، وأن هذا الأمر يشعر به أخوه أحياناً كما هو الشعور، وأن هذا الأمر يشعر به أخوه أحياناً، كما هو يشعر به، فإن ذلك يرقق قلبه تجاه أخيه.
10- لدى كل طفل طاقة إن استثمرها الوالدان أمكنهما علاج مشكلة الغيرة، ومن ذلك أن يحضر ملابس أخيه، وأن يرتب لعبه، وأن يدخل عليه السرور، على أن نشجعه فور إنجازه لأي مهمة من هذه المهام.
11- يستحسن أن نساعد أخاه الأصغر على تقديم هدية له، فمن هدي رسولنا الكريم (ص): "تهادوا تحابوا".
12- تخصيص الوالدين وقتاً للعب مع الطفل الغيور.
13- حذر الوالدين من إبعاد الطفل حالة التواجد مع أخيه، فمثلاً من الأمور المسببة للغيرة، والمؤججة لها، أن يقول الأب لابنه في أثناء تواجده بغرفة معه، ومعهما أخوه: اذهب والعب في الغرفة الأخرى ودعني أجلس مع أخيك.
- الغيرة من الطفل المولود:
تخطئ كثير من الوالدات عندما يهملن تهيئة الطفل لاستقبال أخيه المولود الجديد، ويؤخرن ذلك حتى يولد، في حين أن تهيئة الأُم لطفلها في هذا الشأن تبدأ من مرحلة الحمل.
ويمكن للأُم أن تهيئ طفلها الكبير لاستقبال أخيه الصغير، ووقاية الكبير من الغيرة بما يلي:
أ- في أثناء الحمل وقبل دخول المستشفى:
1- حدثي طفلك عن المولود القادم، وأتيحي له فرصة أن يتحسسه، بعد أن تحدثيه عن إيجابيات وجوده معه كأخ، سيلعب معه، ويتحدثان معاً ويكون كل منهما عوناً للآخر، ومصدر إيناس وسعادة.
2- وضحي له كم تبذلين من معاناة في أثناء الحمل والولادة، حتى يشعر بقيمة المولود الجديد، وأنّه أتى بعد تعب ومعاناة، حتى يحافظ عليه ويحبه.
3- شجعي طفلك الكبير على مساعدتك في تحضير غرفة المولود وأغراضه.
4- إذا كنت ستنقلين طفلك الكبير إلى مكان آخر – سواء بتغيير الغرفة أم السرير – فيجب أن يتم ذلك قبل حلول المولود الجديد بشهور، حتى لا يشعر الطفل الكبير بأنّ المولود الصغير هو الذي احتل مكانه، وتسبب في إبعاده.
5- إذا كنت ستلحقين طفلك برياض الأطفال، فلا تجعلي ذلك متزامناً مع قدوم المولود الجديد، حتى لا يظن الطفل الكبير أنّ المولود الجديد تسبب في إبعاده عن البيت.
6- قبل دخولك المستشفى أخبري طفلك بأنك رتبت أموره مع من سيرعاه في أثناء غيابك عنه بالمستشفى، وأنك دائماً ستتصلين به، وأنك رتبت أنّه سيزورك في صحبة والده كل يوم، وسيأتي ليسلم على أخيه المولود الجديد ويقبّله، لأنّه يحبه.
7- شاهدي مع طفلك الكبير "ألبوم" صور الأسرة، وحديثه عن ميلاده، وعن السنة الأولى من عمره هو أو أحد إخوته الكبار.
ب- بعد مغادرة المستشفى:
1- من البداية عندما تتحدثين عن المولود الجديد أو تشيرين إليه قولي: "طفلنا الرضيع"، ولا تقولي "طفلي الرضيع"، لتشعري أخاه الأكبر بأنّه طفل الأسرة، وأنّه أخوه، وأنّ الطفل الرضيع لن ينتزع من أخيه أية امتيازات، فكلاهما محبوبان من قبلك وأفراد الأسرة جميعاً.
2- عند عودتك إلى البيت – ومن أول لحظة – احرصي على أن تجلسي فترة زمنية مشبعة مع طفلك الأكبر، واجعلي شخصاً آخر يحمل المولود الجديد بدلاً منك، حتى تشعري طفلك عملياً ومن اللحظة الأولى، أنّه لا يزال هو المقرَّب إليك، وأن وجود أخيه الرضيع لا يشكل عليه أيّة خطورة، ولن يقلل من حبه للأكبر، ورعايتك له.
3- اطلبي من بعض زوّارك المقرَّبين إليك أن يهتموا بطفلك الأكبر، وأن يقدموا له بعض الهدايا، وأن يطلبوا منه فتح هذه الهدايا بنفسه.
4- ركِّزي اهتمامك بالطفل الأكبر، وخصصي له وقتاً كل يوم – ساعة على الأقل – يمكن توزيعه على مرتين، وأن يمكث معه الأب فترة مساوية، وكذلك إخوته وأخواته أو الجد والجدة، وغير هؤلاء من الأقارب، وبخاصة خلال الشعور الأولى من وجود المولود الجديد، ولا سيما في الشهر الأوّل.
5- كوني كريمة في حنانك على الطفل الأكبر، وإذا طلب منك أن تحمليه وأنتِ ترضعين أخاه فاستجيبي له، وبادري بالتحدث معه في أثناء الرضاعة، وإن جلس على حجرك في أثناء الرضاعة فلا تصديه ولا تبعديه.
6- احذري الصراخ والقسوة عندما تطلبين من الطفل الأكبر الهدوء من أجل أخيه المولود، فقد يؤدي ذلك إلى حنق الطفل وغيظه وغيرته من المولود.
7- لا تلومي طفلك الأكبر لانشغاله باللعب أو مشاهدة الكرتون وتركه رعاية المولود.
8- لا تلعبي مع المولود دون إشراك أخيه الأكبر، فدائماً العبي معهما لعبة جماعية أو ثلاثية.
9- اجعلي الطفل الأكبر يتحسس المولود برفق في أثناء وجودك، وتجنبي تحذيرك له بقولك: "لا تلمس المولود"، ولكن لا تسمحي له بحمله وذلك بإفهامه آثار ذلك.
10- عندما يداعب الطفل الأكبر أخاه المولود فيبتسم الأخير، اجذبي نظر الأكبر إلى أنّ المولود سعيد به، لذلك هو يبتسم لأنّه يحبه، وأنّه يستطيع أن يجعل المولود يضحك.
11- لا تنتقدي طفلك الأكبر إذا قلّد أخاه الرضيع في البكاء أو استخدام المصاصة، فهذا أمر مؤقت.
12- عند صدور سلوك عنيف من ابنك الأكبر تجاه المولود تدخلي لإبعاده عنه ولكن برفق، دون أن تعاقبيه، ولكن حدثيه دائماً عن الرحمة بالصغير، وتجنب إيذائه، لأنّه مخلوق ضعيف، أنّه أخوه الذي يحبه.
*أستاذ المناهج وأساليب التربية الإسلامية المساعد
ارسال التعليق