حثّ القرآن الكريم على ذكر الله دائماً وفي كلّ مكان، في ساحة القتال والشدة، وفي حالة الرخاء، وفي بيوت الله، وفي المناسك، وفي الخلوة مع النفس، وأثناء السعي في الحياة. وأشار إلى أنّ كثرة ذكر الله تفيد رسوخ المعنى المذكور في النفس، واستقراره في الضمير، وثبوته في الذهنِ، فتنقطع الغفلة وينقطع النسيان.
إنّ ذكر الله يبعث في النفس شعوراً بالطمأنينة والتواضع والشفافية، ويجعل للإنسان هدفاً أسمى من التطلّعات الدنيوية كجمع المال والأولاد والتفاخر والاستعلاء. وقد حثّ القرآن المؤمنين على ذكر الله، خوفاً من عقابه، وذكراً لنِعمه وآلاءه. وحقيقة الخوف من الله هو خوف الإنسان من أعماله السيِّئة التي توجب إمساك الرحمة وانقطاع الخير منه تعالى.
إنّ قاعدة الاتصال بالله عزّوجلّ هي القلب.. فإذا كان القلب سليماً، مؤمناً، كان الاتصال بالخالق متواصلاً، متيناً قوياً... وإذا زاغ القلب عن ذكر الله، لم يبقِ من القاعدة الإيمانية للإنسان أرضاً يستند عليها، فيزيغ قلب الإنسان عن الهدى إلى الضلال.
وبين القشعريرة والاطمئنان، وبين الوجل والسكون، يتقلّب المؤمن بين الرجاء والأمل، بين رحمة الخالق وبين عدالته، بين القشعريرة لذكر الله وذكر العذاب، وبين الطمأنينة لرحمة الله ورأفته.
إنّ التفكّر في خلق الله سبحانه، والتفكّر في أركان الكون الواسع الرحيب، والتوكل على الله، وقيام الليل، والصلاة والدُّعاء في كلّ موقع، ما هي إلّا حالات متعدّدة من ذكر الله. وإنّ النظر في آيات السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار يورث المؤمنين ذكراً دائماً لله فلا ينسونه في أي حالٍ من الأحوال، وإنّ التفكر في خلق الله والتأمّل في آياته هو مفتاح العبادة الحقيقية.
وقد أمر القرآن المسلمين باستقبال الكعبة المشرفة كقبلة لا لأسباب تاريخية، بل لأنّها تمثِّل رمزاً له معنى.. هذا المعنى هو توجه قلب المؤمن وعقله إلى بيت الله، ليعيش في ضميره ذكر الله في قيامه وقعوده وفي عمله واستراحته، في خلواته وفي احتكاكه مع الناس.
وقد نهى القرآن عن الغفلة ونسيان ذكر الله، لأنّ الغفلة تعني انغلاق البصيرة أمام رؤية حقائق الإيمان وواقع الوجود، ولذلك حذّر القرآن من مغبّة نسيان ذكر الله، ودعا إلى تذكّر الخالق في كلّ مجالات الحياة. وقد اعتبر القرآن الكريم نسيان ذكر الله استثناءاً قابلاً للتصحيح.
وعندما يرتكب المؤمن سيِّئة ما، سرعان ما يتحرك دافع الشعور الإيماني ليوقظه من غفوته فيتذكّر الله سبحانه، ويتذكّر تلك العلاقة الحميمة التي تربطه به، فترجع إليه بصيرته التي يرى بها حقائق الإيمان والوجود.
وأكّد القرآن على الثبات في مواقف الشدة والابتلاء، وذِكر الله، لأنّ اللحظات القاسية في عمر الإنسان، تعصف بكلّ المبادئ والأفكار التي يحملها، ولا يحفظه من ضياع مبادئه ومعتقداته غير الاستعانة بخالقه العظيم وتوكله عليه..
وأشار القرآن على المؤمنين بأن لا تلهيهم أموالهم ولا أولادهم عن ذكر الله، لأنّ الاشتغال بزينة الحياة الدنيا يوجب الإعراض عن ذكره تعالى.
أمّا التسبيح فهو تنزيه الخالق عن كلّ ما يليق بساحة قدسه، وهو الثناء الذي تقدّمه كلّ موجودات الكون له. فهو منزّه عن الاعتقادات الباطلة والأعمال السيِّئة، كاعتقاد المشركين بوجود شركاء مع الله، وهو محمود في جميع ما خلقه ودبّره في السماوات والأرض. وعلى جميع المخلوقات التذلل لمقام ربوبيته وعدم الاستكبار عن الخضوع له سبحانه، وتسبيحه، وحمده.
ويقرر القرآن أنّ الإنسان عبد ومملوك مطلق لله، وأنّ الخالق مالك مطلق لكلّ الوجود، فعلى الإنسان أن يذكر الله ذكراً يليق بساحة عظمته وكبريائه، وهذا هو الطريق الذي ينتهي إلى كمال العبودية للخالق العظيم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق