• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

زواج العازب بالمطلقة أو الأرملة.. لِمَ لا؟

تحقيق: إشراقة النور

زواج العازب بالمطلقة أو الأرملة.. لِمَ لا؟
شئنا أم أبينا، ثمّة نظرة عامة تحصر فرص المطلقة أو الأرملة في الزواج الثاني بمن سبق له الزواج مثلها. في حين لا تنحصر خيارات الرجل المطلق أو الأرمل في هذا النطاق الضيّق، بحيث يبدو وكأن تجربة الزواج السابق قد قللت من أسهم المطلقات والأرامل في بورصة المطلوبات للزواج.. فهل هذا صحيح، وما الأسباب؟ مع ارتفاع نسب الطلاق، خصوصاً بين الصغيرات في السن، أصبح طابور المطلقات والأرامل في ازدياد. لكن، مَن سيتزوج بأرملة أو مطلقة، في ظل وجود عقليّة ترى وجوب أن ترتبط هذه الفئة بمن هُم في مثل وضعها، أي أن يرتبط المطلق والأرمل بمطلقة أو أرملة فقط، وتستنكر أن يكون لهنّ نصيب مع العازب؟   - مستحيل: "لإعتبارات نفسية واجتماعية"، يجد صالح البريكي (صاحب عمل حر، عازب) أنّ فكرة زواجه بمطلقة أو أرملة هي فكرة "مستحيلة". يقول: "لا أستطيع أن أتخيّل نفسي زوجاً لامرأة كانت لغيري، ولا أستطيع أن أضمن ألا تكون هناك بقايا ذكريات رجل آخر، سواء أكانت حلوة أم مُرّة عالقة في ثنايا عقل وقلب هذه الزوجة". إضافة إلى ذلك كله، يتحدث صالح عن الرأي التقليدي لأسرته حول زواج ابنهم العازب بمن سبق لها الزواج، لافتاً إلى أنّه يعلَم تمام العلم "موقفهم السلبي الحاسم في هذا الشأن". يضيف: "لست مضطراً إلى خوض هذه التجربة، فهناك كثير من العازبات المنتظرات للزواج، فلماذا لا أختار مِن بينهنّ مَن تُوافقني؟". أما أحمد أزهري (موظف، عازب يبلغ من العمر 27 عاماً)، فيعترف بصراحة، بأنّ المطلقة والأرملة لن تكونا من ضمن قائمة فتاة أحلامه مستقبلاً، إذ إنّه يستبعد أن يرتبط بامرأة "صاحبة تجربة". ويفسّر أحمد رفضه هذا قائلاً: "إنّه إضافة إلى أنّ الفكرة لا تنسجم مع قناعاتي، فمن الطبيعي عند تفكير العازب في الزواج، أن يبحث في محيطه عن فتاة، يكون هو أوّل رجل في حياتها". مُؤكداً "أنّ في إمكان الأرمَل والمطلق أن يطرق باب هذا الخيار، وأعتقد أن ظروفهما المشتركة ستُساعد على إنجاح هذه الزيجة".   - أوّل فرحة: لكن، هل يختلف موقف الأهل حيال زواج ابنهم بمطلقة أو أرملة عن موقف الشباب أنفسهم؟ تُبدي فوزية مفلح عبيدات (ربة منزل، وأم تبلغ من العمر 66 عاماً)، بعض التردد قبل أن تُعلن عن موقفها الرافض لزواج ابنها العازب بمطلقة في حال رغب في ذلك. تقول: "بالطبع، أنا لا أستطيع أن أقف في طريق اختياره، لكني أفضّل أن يتزوج ببنت لم يسبق أن تزوجت من قبل". تضيف: "أريد أن أفرح بزواجه لأوّل مرّة، ولا شيء يُجبره على أن يبدأ حياته مع امرأة جرّبت الزواج".   - فوارق الخبرة: التحفظات القليلة التي يُبديها جميل مهدي (أب لأربعة أولاد وبنت)، لا تتعلق أبداً بشعوره بنواقص أو مشاكل تعانيها المطلقة أو الأرملة، بقدر ما تعود إلى خشيته "من أن تؤدّي الفروق في الخبرة الزوجية بين العازب والمطلقة إلى فشل هذه التجربة مستقبلاً". يؤكد مهدي، أنّ تحفظه لن يُراوح مكانه حتى لو كانت المطلقة هي ابنته شخصياً وتَقدّم لها عازب. يقول: "حينها، سأشرح لابنتي أن مثل هذه الزيجة قد لا تكون مناسبة لها". بَند التكافؤ في الظروف والخبرات، هو أكثر ما يركّز عليه مهدي، إذ إنّه يراها "من أهم عوامل نجاح الزواج"، يتابع قائلاً: "أنا لا أقلل أبداً من قيمة المطلقة أو الأرملة، ولكنّي أجد أن زواجها بصاحب تجربة مثلها سيعطيها فرصة أكبر لإنجاح علاقتها بالزوج الثاني".   - ليست وصمة: في المقابل، وعلى النقيض من الآراء السابقة، يجد أيمن حسين (مهندس عازب)، أنّ الطلاق والترمّل "ليسا وصمة" تجعله يرفض الارتباط. يقول جازماً: "إذا قابلتُ امرأة سبق لها الزواج، واكتملت فيها الصفات التي أريد، فلن أتردد في الارتباط بها". ويُهاجم أيمن "العقلية الشرقية المتعارف عليها، والعادات الاجتماعية البالية" حسب وصفه "التي لا تُرحّب بالزواج من هذه الشريحة من النساء، على الرغم من براءتهنّ من ذنب الطلاق أو وفاة الزوج". يؤكد "أنّ من حق مَن سبق لها الزواج أن تجد فرصة أخرى، وليس شرطاً أن ترتبط بمطلق أو أرمل، إنما لابدّ أن تُعطى الفرصة لتوسّع من دائرة اختياراتها لدى العزّاب، حتى تستطيع أن تجد مَن يصلح لها". "ما المانع من الزواج بامرأة انتهت حياتها الزوجية بالطلاق أو الترمل، إذا وجد فيها الشاب مواصفات أحلامه؟ "سؤال يطرحه محمد عبدالعظيم السيد (موظف، متزوج)، انطلاقاً من إيمانه "بأحقية المطلقة والأرملة في عيش حياتها بصورة طبيعية". وإذ يستنكر "النظرة القاصرة للزواج من هذه الفئة"، يكشف أنّه شَرَع جدّياً ذات يوم في الارتباط بإحدى المطلقات "لكن ظروفاً حالت دون ذلك". يضيف: "أرفض أن تُطلق الأحكام الجائرة على امرأة، لمجرد أن ظروفاً حدثت خارج إرادتها، سواء أكان موت الزوج أم فشل حياتها الزوجية السابقة".   - ظلم: من ناحيتها، ترى نيفين رمضان (موظفة، عازبة)، "أنّ هناك ظلماً يطال المرأة التي جرّبت الزواج، ليس فقط من ناحية تجنب الارتباط بها ولكن أيضاً، من جانب النظر إليها على أنها أقل من الفتاة العازبة". تقول: يظهر ذلك بوضوح في المهر المنخفض الذي يُقدّم لها، مقارنة بالفتيات اللواتي لم يسبق لهنّ الزواج"، مؤكدةً "أن هذا الأمر خاطئ ولا أساس له من الصحة". فمن وجهة نظر نيفين "أنّ مسألة تكاليف الزواج يجب أن تكون سيّان في الحالتين، ولا فرق في ذلك بين مطلقة وأرملة أو فتاة لم يسبق لها الزواج، ففي جميع الحالات يجب ألا يُتخذ من الحالة الاجتماعية للعروس ذريعة لتقديم مهر يقل عن مهر مثيلاتها".   - البيئة: عند التطرق إلى زواج العازب بالمطلقة أو الأرملة، لا تستطيع لمياء اعوينات (موظفة، عازبة) أن تفصل بين عقلية الشاب والبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها، وبين إمكان زواجه بمن سبق لها الزواج، تقول: "بسبب العادات والتقاليد، هناك مَن يقف أمام عقبة الظنون الخاطئة بشأن التجارب السابقة للمرأة مع الزواج، ويضعها على اللائحة السوداء. ولكنّ آخرين بوعيهم وتَحضّرهم قد يمضون في مشروع الزواج بالأرملة أو المطلقة، وهم يؤمنون بأن ما حدث من الماضي ليس وصمة على جبينها ولا يهمهم سوى الحاضر، ومدى إخلاص الشريكة ووفائها لتجربتها الجديدة". وتُوافقها الرأي ليلى شاكر (مُصففة شعر، عازبة)، التي ترى أن "هناك صفات معيّنة تتعلق بالأخلاق الكريمة والسمعة الطيبة، إذا توافرت في مَن سبق لها الزواج، فليس من العدل أن يرفضها العازب فقط لمجرد ظروفها تلك، فهي ظروف يمكن أن تتعرض لها أي امرأة". تقول: "علينا ألا ننسى أنها أيضاً إنسانة لها أحاسيس ومشاعر وآمال وطموحات حَيّة، ولم تُقبر مع تجربتها السابقة".   - عامل نفسي: وبالإنتقال إلى أهل التخصص، فإنّ أهم الأسباب التي تقف وراء عُزوف كثير من الشبّان عن الارتباط بالمطلقة، في اعتقاد الاستشاري الأسري خليفة المحرزي، "يرجع في المقام الأوّل إلى العامل النفسي"، حيث يشير إلى أنّ "البعض لا يقبل أن يتزوج بإنسانة مَسّها غيره وجالسها وعاشرها". يشير إلى أنّ "العامل الثاني يكشف عن أنّ هناك فكراً مترسخاً لدى كل الشباب يقول، إنّ الزوج لا تنسى أبداً أوّل يَد لمستها أو ضمّتها. أما العامل الثالث، فهو خوف الشاب من أن تبدأ الزوجة في المقارنة بينه وبين مَن سبقه إليها من ناحية المعاشرة والأخلاق والكرم وغير ذلك". يضيف: "للأسف، المجتمع حتى يومنا هذا ينظر إلى المرأة المطلقة بصورة قاصرة، فالكثير من أفراد المجتمع يعتقدون أنّ المرأة المطلقة غير صالحة للزواج، لأنّها فشلت في تجربتها الأولى ويحمّلونها مسؤولية ذلك الفشل، بل إنّ البعض قد يتجاوز هذا الأمر إلى اتهامها في سمعتها وسلوكها، متجاهلين أنّ الطلاق في حالات كثيرة يقع بسبب الزوج، إمّا لطباعه وأخلاقه السيئة، أو لفشله في استيعاب زوجته واحتوائها عاطفياً واجتماعياً.   - نادر واستثنائي: ويشير المحرزي إلى أنّه "عندما يفكر أي شاب في الزواج وتكوين أسرة، فإنّه في الأساس يفكر في الارتباط بفتاة بكر، وفي مرحلة عُمرية أقل من عمره، وهذا هو التفكير السائد لدى كثير من الشبّان". يضيف: "لكن، في ظروف استثنائية، ربما يجد الشاب أنّ الصفات التي يريدها في شريكة حياته تتوافر في سيّدة سبَق لها الزواج من قبل"، لافتاً إلى أنّه "في هذه الحالة، قد تلقى فكرة الارتباط بالمطلقة قبولاً لدى هذا الشاب، خاصة في حالة موافقة الأهل على هذا الزواج. ولكن الحقيقة، أنّ مثل هذا الزواج يظل استثنائياً ونادر الحدوث".   - مواصفات: ويكشف المحرزي عن "أنّ الأساس في الزواج يقوم على مبادئ عديدة، تتمثل في معايير حُسن الاختيار والتوافُق النفسي والعاطفي بين الطرفين، إضافة إلى الرضا العام حول الاختيار، وما يرتضيه المجتمع ومباركته لهذا الارتباط". يوضح "أنّ من أهم المواصفات التي يبحث عنها كل من الشاب والفتاة في شريك حياته: حُسن الدين والخلق والتربية الصالحة والنّسَب الصالح، فإذا توافرت هذه الشروط في أي فتاة، حتى إن كانت لها تجربة زواج سابقة، انتهت إمّا بالطلاق أو وفاة الزوج، فلا مانع من الارتباط بها بغض النظر عن تجربتها السابقة، لأنّ أخلاقها وتربيتها السليمة تجعل ألف شاب وشاب يفكرون في الارتباط بها، ولا ينظرون إلى أنّ لها تجربة زواج سابقة". مؤكداً "أنّ الأهم هو الدين والأخلاق، وإذا ما توافر هذان الشرطان في الفتاة، فإنّها بلا شك ستكون زوجة صالحة يرغب أي شاب في الارتباط والزواج بها، وتكون شريكة حياته في مستقبله". ويعقد المحرزي المقارنة بين المطلقة والأرملة، شارحاً "أنّ ما يُقال عن المطلقة وعن عدم تحمّلها مسؤوليّة فشل تجربتها الأولى في الزواج، يُقال أيضاً عن الأرملة ولكن من منطلق آخر، حيث قد يتشاءم البعض من الارتباط بها بسبب تجربتها الأولى". يقول: "إنّ من الخطأ الكبير ومن العيب أيضاً، أن يرفض الرجل الارتباط بالمطلقة أو الأرملة بسبب التشاؤم منها". يضيف: "إنّ الشاب الواعي والمتفهّم للأمور جيِّداً، هو من يبحث عن مواصفات الدين والأخلاق والتربية في شريكة الحياة، بصرف النظر عمّا إذا كانت لها تجربة زواج سابقة، فالمرأة ليست المسؤولة دائماً عن فشل العلاقة الزوجية". ويُعرب عن اعتقاده، بأنّ "النسبة الأكبر من أسباب الطلاق والانفصال بين الزوجين، تعود إلى سوء الاختيار وليس لسوء الأخلاق، ومن ثمّ فمن الممكن أن يجد الشاب في فتاة مطلقة أو حتى أرملة ضالته، حيث تتوافر فيها مواصفات الدين والأخلاق والتربية الحسنة". يختم المحرزي قائلاً: "شخصياً، لا أرى عيباً في فكرة الارتباط بالمطلقة أو الأرملة، إذا كانت امرأة صالحة وعلى دين وخُلق"، مُشيراً إلى أن "تجربة زواجها الأولى لا تنتقص من شأنها على الإطلاق، فهي أمور ترجع في الأوّل والأخير إلى النصيب وقَدر الله تعالى".   - ثقافة مجتمع: في السياق ذاته، يشير أستاذ علم الاجتماع في "جامعة الشارقة"، الدكتور نايف البنوي، إلى أنّ "الجذور الأساسية لتحفظ العازب على الزواج بمطلقة، تعود إلى ثقافة المجتمع الشرقي ومفاهيمه حول الطلاق، والذي لا ينظر إليه كحَل بيد الزوجين اللذين استحالت الحياة بينهما، وتلافياً لمشاكل أكثر تعقيداً يمكن أن تحدث تحت ظل هذا الارتباط، إنما يعتبره بمثابة مشكلة، المتسبب الوحيد فيه المرأة، باعتبارها فاشلة ولم تستطِع وقوع المرأة أسيرة ثقافة مجتمع لا يُحبّذ زواج المجرّبة". ويُذكّر البنوي "بوجود كمية من الأقوال والأمثال، التي تؤكد مفهوم أنّ الرجل يطمع في أن يكون أوّل رجل في حياة المرأة، بينما المرأة تطمع في أن تكون آخر امرأة في حياة رجل". مؤكداً أنّه " عند تفكير العازب في الزواج بمطلقة، فإنّ كثيراً من المفاهيم الاجتماعية المغلوطة تقف عائقاً بينه وبين تحقيق هدفه. ومن هذه المفاهيم، الخشية من كون المطلقة قد كسرت حاجز الخوف من الطلاق. بالتالي، فإنّها لن تبذل أي جهود للتمسّك بحياتها الزوجية الجديدة، فتتخلّى عنها مع أول منعطف خلاف بينها وبين زوجها الثاني". يضيف البنوي: "إلى ذلك، يتجنّب بعض العزّاب الارتباط بمطلقة بسبب الآثار النفسية والاجتماعية، حيث يخشون من أن تدفع التجربة التي خاضتها المرأة في الزواج الأوّل، إلى أن تكرّر الظروف نفسها مرّة أخرى، إضافة إلى مقارنتها الدائمة بين الزوجين الأوّل والثاني، ما يجعل احتمال الغيرة وارداً، وهو في حَدّ ذاته يُعتبر سبباً كفيلاً بأن يفشل زواجها الثاني". أمّا بالنسبة إلى الأُمّهات اللواتي يرفضن زواج أبنائهنّ بمطلّقات، فيوضح د. البنوي "أنهنّ ينطلقن أيضاً من النظرة التي تُحمّل المرأة مسؤولية الطلاق، ويَعتبرن أن ذلك حدث بسبب عيب فيها، وبأن مَن تفرّط في بيتها مرّة يمكنها التفريط فيه مرات، كما أنّ الأُم تعتبر أن زواج ابنها العازب فرحة خاصة بها، يجب أن يتم بين طرفين لم يسبق لهما الزواج". يقول: "لكن هناك جملة من الظروف المجتمعة، كالتحضّر والوعي والتعليم وخروج المرأة إلى العمل، أسهمت في تحسّن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، وغيّرت بعض المعايير والمفاهيم، ما دفع الرجل إلى البحث عن شريك وليس عن زوجة فقط". لذلك، يشير إلى أنّه "بات من الممكن أن تكون المطلقة أو الأرملة ضمن خياراته، بل إنّ الرجل العصري ربما يفضّلها، لأنّها قد تكون أكثر حرصاً على الحياة الزوجية من غيرها، إذ إنها تصطحب معها جميع خبراتها الإيجابية لإنجاح حياتها الجديدة معه".

ارسال التعليق

Top