• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

زينب «عليها السلام».. نموذج رسالي رائد

عمار كاظم

زينب «عليها السلام».. نموذج رسالي رائد

من خلال السيدة زينب (عليها السلام)، نستطيع أن نعرف دور المرأة المسلمة في ساحة الصّراع التي امتزج فيها جانب المأساة إلى جانب الجهاد، وامتدّ الجهاد بعد كربلاء من خلالها، فاستطاعت أن تتحدّث مع الّذين صنعوا مأساة كربلاء بما لم تأتِ الفرصة بنظيرٍ له..
فزينب (عليها السلام) في ولادتها، عاشت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حنانه وعاطفته على أبناء عليّ وفاطمة (عليهما السلام)، وكانت أنفاسه تتنفَّس في أنفاسها، وعاشت طفولتها الأولى في أحضانه وفي أجوائه، كما عاشت في بيت هو بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في معنى الحبّ والرعاية والرّسالة والتّقوى، لأنّ بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) كان بيته، ولأنّه كان يعيش في عمق عقل علي وفاطمة، وفي نبضات قلبيهما، وفي تطلعات روحيهما، لأنهما صناعته، فلقد صنع لهما العقل بعقله، وصنع لهما القلب بقلبه، وصنع لهما خطّ السير بسيره، ولذلك اندمج عليّ وفاطمة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). ففي ذكرى السيِّدة زينب (عليها السلام)، نريد أن تعيش المرأة في حياتنا بعدما أُريد لها أن تكون على هامش الحياة، وأن تعيش الضّعف في مواقفها ومواقعها وعقلها وروحها، وأن تبتعد عن المسؤوليّة وعن ساحة الصّراع.. إنّ زينب تقول للمرأة المسلمة، تعالي إليّ، فقد انطلقت من خلال أمّي التي كانت القمّة في الموقف الحقّ، ومن خلال جدّتي التي كانت المرأة التي أعطت رسول الله كلّها؛ عقلها وروحها وعاطفتها ومالها وجاهها، وكلّ شيء، حتى بقيت فقيرة معه.
أنا زينب الّتي أحمل تاريخ حركة المرأة في ساحة الصّراع، من أجل الحقّ في كلّ تاريخي.. أنا زينب الّتي أريد أن تنطلق مسيرة المرأة المسلمة من أجل أن تقف مع الحقّ في أصعب المواقف، وأن تتمرَّد على كلّ قساوة المأساة في مواقع الصّبر، وأن تبقى مع الإسلام كلّه فكراً وكلمةً وحركةً وموقفاً.. فهذا هو نداء زينب للمرأة المسلمة، وعلى المرأة المسلمة أن تستجيب لهذا النّداء، بأن لا تعتبر أنَّ إسلامها يمثّل تخلّفها، وأنّه يعزلها عن الحياة، وأنّه يجعلها تعيش في زاويةٍ مغلقة. هذه هي زينب (عليها السلام) في كبريائها الإسلامي، وهذه هي زينب في عظمتها الروحيَّة الإيمانيّة، وهذه هي زينب في ثقافتها القرآنيّة، وهذه هي زينب في بلاغتها الأدبيّة، وهذه هي زينب في مواقفها البطوليّة. علينا أن نرتفع إلى هذا المستوى الّذي يمثِّل هذه المرأة المسلمة الصَّابرة الواعية المتحدِّية القويّة الّتي أعطتنا شرعيَّة أن تقف المرأة المسلمة لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. فزينب (عليها السلام) هي من هذه النَّماذج النّسويّة الّتي تمثّل هذه القيمة الإسلاميّة الرّساليّة الرّائدة في عالم النساء، ونحن نعرف من خلال القرآن، أنَّ الله يضرب المثل بالمرأة الصَّالحة للرّجال وللنّساء معاً، لأنَّ القيمة الروحيَّة أو الأخلاقيَّة عندما تتمثّل في المرأة ـ كما تتمثَّل في الرّجل ـ فهي القيمة الإنسانيّة المتحركة في خطِّ الإسلام، والَّتي يحتاجها الرّجال والنّساء معاً. إنّنا بحاجة إلى أن نستعيد ذكراها دائماً فهي نموذج رسالي رائد، هي صورة المرأة المجاهدة الشّجاعة الواعية المسلمة التي عاشت في الصّراع كأقسى ما يكون الصّراع، وبقيت على الخطّ المستقيم في درب الحقِّ ودرب العدل.

ارسال التعليق

Top