د. فتحي يكن*
◄من جليل ما اختصّ الله به شهر رمضان، أن جعل فيه ليلة هي خيرٌ من ألف شهر، قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (سورة القدر)، وقال: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان/ 3-4).
فليلة القدر – التي تقع في العشر الأخير من شهر رمضان.. وترجيحاً في السابع والعشرين أو التاسع والعشرين منه – هي الليلة التي اصطفاها الله تعالى بنزول كتابه من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا.. ولبدء تنزلها على رسوله محمد (ص)، فعن أبي سعيد الخدري أنّه قال: "اعتكفنا مع رسول الله (ص) في العشر الأوسط من رمضان، فقال: "إني أُريت ليلة القدر، ثمّ أنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيت أن أسجد في ماء وطين من صبيحتها" (رواه البخاري، ومسلم، وابن ماجة).
- في العشر الأواخر:
وكان رسول الله (ص) حريصاً على تلمس كل أسباب الخير وبخاصة في العشر الأخير من رمضان (المحضن الزمني) لليلة القدر، فقد حدّثت عائشة – رضي الله عنها – فقالت: "كان النبي (ص) يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد غيره" (رواه ابن ماجة).
وفي موضع آخر قالت – رضي الله عنها –: "كان النبي (ص) إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله" (رواه ابن ماجة)، وفي رواية البخاري: "إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجدّ، وشد المئزر".
- فضلها وقدرها:
ويشير رسول الله (ص) إلى فضل ليلة القدر فيقول: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدّم من ذنبه" (رواه البخاري).
أما عن تسمية الليلة بليلة القدر، فلعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنّه تعالى يقدِّر فيها ما يكون من الآجال والأرزاق، وكل المقدّرات الأخرى في العام الذي يليه، قيل للحسين بن الفضل: أليس قد قدّر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: نعم، فقيل له: فما تعني ليلة القدر؟ سوق المقادير إلى المواقيت، وتنفيذ قضاء المقدور.
قال ابن عباس: ذكر رسول الله (ص) رجلاً من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه ألف شهر، فعجب رسول الله (ص) لذلك، وتمنى ذلك لأمته، فقال: "يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعماراً وأقلها أعمالاً"، فأعطاه الله تبارك وتعالى ليلة القدر، فقال: "ليلة القدر خير من ألف شهر، التي حمل فيها الإسرائيلي السلاح في سبيل الله لك ولأمّتك إلى يوم القيامة".
قال الشعبي: "هي ليلة سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً ولا أذى"، وقال: "هي تسليم الملائكة على أهل المساجد من حين غياب الشمس إلى أن يطلع الفجر، يمرّون على كل مؤمن ويقولون: "السلام عليك أيها المؤمن".
وقال عطاء: "هو سلام على أولياء الله وأهل طاعته حتى مطلع الفجر".
وقال ابن عباس: "في تلك الليلة تُصفّد الشياطين، وتُغل عفاريت الجن، وتُفتح فيها أبواب السماء كلها، ويقبل الله فيها التوبة لكل تائب".
- صفتها:
وفي صفة ليلة القدر قال رسول الله (ص): "ليلة القدر ليلة بلجة، لا حارة ولا باردة، ولا سحاب فيها ولا مطر، ولا ريح، ولا يرمى فيها بنجم، ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها" (رواه الطبراني في الكبير).
وقال (ص): "ليلة القدر ليلة سمحة، طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء" (شُعب الإيمان للبيهقي).
وزاد الزيادي: "كأن فيها قمراً يفضح كواكبها"، وقال: "لا يخرج شيطانها حتى يضيء فجرها".►
*كاتب لبناني
ارسال التعليق