• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شباب مهووسون بعمليات التجميل

شباب مهووسون بعمليات التجميل

◄اختلفت مقاييس الجمال عمّا كانت عليه في الماضي، وأصبح الجميع في حالة بحث دائم عنه، حتى أصبح الجمال صناعة، سواء أكان في الملابس أم الماكياج أم في الجراحات التجميلية، التي انتشرت وتوسعت، وتعددت كوارثها وحوادثها.

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، هو: لماذا يصر الشبان على الإقبال على هذه العمليات المكلفة كثيراً وغير الآمنة أحياناً؟

يعترف نبيل حسين (يعمل في مجال السياحة)، بأنّه مهتم جدّاً بعمليات التجميل، بل يواظب على زيارة مراكز التجميل في فترات متقاربة، وذلك للاهتمام بالشعر والبشرة والأظفار ويقول: "عملي في مجال السياحة، أجبرني على الاهتمام الزائد بمظهري، وذلك بحكم أنّني واجهة لبلدي، أمام السائحين الأجانب. قبل ذلك، لم يكن يخطر في بالي أن أفعل هذا، ولكن بعد أن التحقت بهذه المهنة اتضح لي أنّ هذا الأمر ضروري، سواء أكان للنساء أم الرجال".

- ضرورات المهنة:

ومثله تماماً ماهر عبدالرحمن (رجل أعمال)، الذي يقول: "لا أشعر بالرضا إلّا إذا اهتممت بنفسي، من رأسي حتى أخمص قدمي. فأنا أعتقد أنّ هذه المراكز تساعد الشخص منّا على الاهتمام بنظافته الشخصية، ولكنّ بطريقة سليمة ومدروسة، وعلينا جميعاً أن نهتم بنظافتنا الظاهرية مثل الداخلية تماماً، وعملي في مجال البزنس يحتم عليّ أن أظهر في أبهى صورة، وألا أصدّع رأسي باختيار التسريحة أو الحلاقة المناسبة لشعري، أو المرطِّبات الملائمة لبشرتي، خاصّة بعد الحلاقة، حيث أذهب إلى مركز التجميل، وهم هناك يقومون باللازم. إضافة إلى ذلك يعلّمونني بعض الإرشادات للاهتمام بالبشرة والشعر والأظفار".

ويرى محسن عبدالجواد (طبيب) أنّ أكثر رواد مراكز التجميل هم الشبان، ورجال الأعمال، لأنّ الشبان هم أكثر فئات المجتمع اهتماماً بمظهرهم الخارجي، مثلهم رجال الأعمال بحكم عملهم، "أمّا الأشخاص العاديون وأنا واحد منهم، فلا نذهب إلى مثل هذه المراكز، إلّا في المناسبات الشخصية، وأحياناً بالنسبة إليَّ عندما يكون لديَّ مؤتمر خارج البلد، فاضطر وقتها إلى الذهاب لمثل هذه المراكز، لكي يوفِّروا عليَّ هناك عناء تجربة بعض الشامبوهات أو الكريمات، وانتظار نتيجة ليست مضمونة بدرجة كبيرة".

وتعتقد رباب فوزي (موظفة) أنّ الرجال الذين يهتمون بزيارة مراكز التجميل بصورة منتظمة "يهدفون إلى تجديد شبابهم بصبغ الشعر الأبيض وضد الوجه، وترهلات البطن والردفين، حتى يجذبوا الفتيات الجميلات، ويشعروا بأنّهم مازالوا قادرين على لفت انتباه الجنس الناعم إليهم. فأنا لي جار، على الرغم من تخطيه الخمسين عاماً، إلّا أنّه يواظب بانتظام على زيارة مراكز التجميل لكي يظل شاباً دائماً".

ويقول مراد عبدالجليل (مهندس): "لا أقصد مراكز التجميل هذه، إلّا للأمر الشديد القوي، كإصابة بشرتي ببعض البقع والكلف، فأُضطر إلى الذهاب لإزالتها، أمّا غير ذلك من تغيير في الأنف أو الشفتين، فلا أقبله، وإلّا فما الفرق بين الرجل والمرأة؟ ففي الماضي كنّا نذهب للطبيب لكي يعالج مثل هذه الأُمور، أمّا الآن، في ظل سرعة الحياة والتطوّر، أصبحت هذه التخصصات، بالنسبة إلى التجميل، لها أماكنها المتخصصة، بخلاف المستشفيات التي كانت تقوم بالمهمّة نفسها. وفي النهاية أرى أنّ الشكل الخارجي مهم، ولكنّ الأهم هو الاهتمام بالداخل مثل الخارج تماماً، فلا نهتم بجانب من دون الآخر، وعلينا أن نُحدث بعض التوازن لكي تستقيم الأُمور وتعتدل".

- الرجال ينافسون النساء:

أمّا هادي فاروق (ليسانس حقوق)، فيقول: "في الماضي كانت الفتاة أو السيِّدة، هي التي تهتم بمظهرها بطريقة مبالغ فيها، أمّا الآن أصبح هناك بعض الرجال، الذين يشاركون المرأة في ذلك، لا وينافسونها تنافساً شديداً، لأنّ طبيعة العصر فرضت ذلك. فكلّ شاب يريد أن يكون محط انتباه الفتيات، من حوله، وأقصر طريق للوصول إلى ذلك الهدف، هو زيارة مركز تجميل، الذي يقوم له باللازم من دون عناء، ولكن ليس معنى الاهتمام بالمظهر، هو ما يجعلنا نحكم على الشخص الذي يرتاد هذه المراكز بطريقة غير لائقة، ونتهمه بالسطحية وعدم تحمّل المسؤولية، فالاهتمام بالمظهر شيء جيِّد وجميل، ولكن بشرط عدم المغالاة والمبالغة في ذلك".

"اختلفت مقاييس الجمال عن الماضي". بهذه العبارة افتتحت نوال إبراهيم (موظفة) حديثها: "في الماضي، كان يُنظر إلى الشخص ويُقدَّر بحسب تربيته وثقافته، أمّا الآن، فقد اختلفت هذه المعايير كثيراً، بسبب (هوجة) الموضة في الشعر والملابس، فكان من الطبيعي أن يرتاد الرجال مراكز التجميل، مثلهم مثل النساء بسبب مشاركتهنّ في هذه الاهتمامات، إضافة إلى انتشار (هوجة) مسابقات الجمال، فأخذ الشبان يواظبون على ارتياد مثل هذه المراكز، حتى يضمنوا الفوز في مثل هذه المسابقات".

يقول نادر كريم (محاسب)، إنّ "هوس القيام بعمليات التجميل، أصبح يراود العديد من الرجال، في هذه الأيّام، فوالدي على الرغم من بلوغه سن 55 عاماً، إلّا أنّه خضع لعمليات شد الوجه ليبدو شاباً. ولأنّ تلك العملية تحتاج إلى التكرار فقد بدأت الآثار السلبية لهذه الجراحات تظهر على وجهه، حيث تسبّب ذلك في إصابته بالاكتئاب والميل إلى العزلة، لخجله من الاحتكاك بالناس. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار تلك العمليات، إلّا أنّ الرجال والنساء، يُقبلون عليها، بشكل كبير. وأنا عن نفسي، قمت بإجراء عملية لتصغير أنفي وبعدها بفترة خضعت لجراحة زرع شعر في رأسي. فقيام الرجال بالجراحات التجميلية قد تدفعهم إليه مواقف اضطرارية مثل تعرّض وجه الرجل للتشوه أو الحرق، هنا لابدّ أن يذهب للطبيب لإصلاح تلك العيوب".

- بسبب زوجتي:

أمّا نبيل محسن (مهندس معماري) فيقول: "لدى زوجتي رغبة دائمة في أن تراني جميلاً، ما يدفعها إلى أن تطلب مني باستمرار الذهاب إلى صالونات الحلاقة، للقيام بأحداث القصّات والتعرف إلى أحدث الموضات في الملابس والإكسسوارات، خاصّة أنّ الجمال صحّي وضروري، للنساء والرجال على حدٍّ سواء، كما أنّني عندما أفعل ذلك أشعر بارتياح شديد، ما يجعلني أتغلب على أي حالة نفسية أمرّ بها، كما أنّ الاهتمام بجمالي، هو نوع من النظاقة الشخصية، التي لابدّ من أن أسعى إليها. وبناء على رغبة زوجتي قمت بتصغير أنفي وإزالة اللحمية لأنّ صوتي وأنا نائم كان يسبب لها الأرق والملل، كما أنّ عملي يحتم عليَّ الاهتمام والعناية بمظهري، حتى أقدر على جذب ثقة الناس".

ويقول مصطفى راضي (مساعد مخرج): "الرجل يسعى إلى التجميل، لمحاربة الشيخوخة ولكي يعيد لبشرته نضارتها، كما أنّ الثقافة الغربية تسللت إلى البيوت الشرقية، وغيرت مفاهيم كثيرة، فلم يكن مألوفاً أن يتجمّل الرجل، وإنّما ظل الجمال فترة طويلة مقصوراً على المرأة، حتى إنّ مقاييسه اختلفت من زمن إلى آخر، وذلك حسب خليفة الشخص وثقافته. وما يحدث الآن من تواصل الحضارات جعل النساء والرجال معاً يبحثون عن الجمال، وذلك لتحقيق القبول الاجتماعي، ولكنّ الغريب في الأمر أنّ الشبان أصبحوا يقومون بحركات غريبة، كأن يربي الشاب شعره ثمّ يقوم بربطه على هيئة ذيل حصان، ولقد شاهدت تلك المظاهر مع ابني، عندما وجدته يصبغ شعره باللون الأخضر، كنوع من (الروشنة) من وجهة نظره. فالرغبة في التجمّل من جانب الرجل شيء ضروري ومهم، مادام ذلك يحقّق الفائدة للجميع، ولا يسبّب ضرراً للآخرين".

* صناعة الجمال:

يَعتبر الدكتور محمّد خطاب، أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس، أنّ مقاييس الجمال الحالية، تختلف عمّا كان سائداً في الماضي: "فكان معظم الفنانين والرسامين يضعون معايير عدّة للجمال، ويقبلها الباقون. ولكنّ مع بداية القرن العشرين، بدأت الفن السابع والسينما في الظهور فاختلفت نسب الجمال، وأصبح الجميع في حالة بحث دائم عنه، بمقاييس مختلفة، نتيجة ظهور الممثلات ونجوم الإعلام والثقافة، فأصبح العبء كبيراً على صناعة الجمال، سواء أكان ذلك في الملابس أم الماكياج أم الجراحات التجميلية، التي ساعد على انتشارها تعدّد المراكز التي تقدِّم تلك الخدمات، بشكل خلق نوعاً من الهوس لدى العديد من الرجال في تقليد النساء. لذلك لم يُعدّ غريباً أن نرى الرجل يقوم بإجراء عمليات تجميل، وقد تعدى الخمسين، بشد وجهه ليصير شاباً، ومكتمل اللياقة. وقد انتقلت عدوى الجراحات التجميلية إلى الشبان فصار الواحد وهو في سن العشرين، يبحث عن الشياكة والجمال، وهذا لا يفرضه المجتمع بالطبع. ويتطلب قيام الرجال بالجراحات التجميلية التوازن حتى لا يحقّق الرجل ضرراً لنفسه، فهوس الرجال بالجمال، مثل النساء، يخلق نوعاً من الخلل الاجتماعي".

وعن وجهة نظر الدِّين في القضية، يقول الشيخ شوقي عبداللطيف رئيس الإدارة المركزية لشؤون الدعوة في وزارة الأوقاف: "إذا كان التجمّل الذي يقوم به الرجل ضرورياً لتجميل منظر قبيح أو إخفاء بعض التشوهات الواضحة في الوجه، فلا بأس من إجرائها، بشكل لا يغير طبيعة الوجه الذي خلقه الله. أمّا إذا كان الغرض من عملية التجميل تصغير الأنف وتكبيره، وغير ذلك من العمليات التي تغير خلق الله فهذا غير مقبول، وإن كان الاهتمام بالمظهر لا يرفضه الإسلام للمرأة أو الرجل، لكن القيام بذلك بشكل مُغالى فيه، غير مقبول من وجهة نظر الدِّين الإسلامي. فشدُّ الرجل وجهه ليبدو شاباً، هي عملية تحسين مؤقتة وسرعان ما يعود لطبيعته الأولى".►

ارسال التعليق

Top