• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شهر رمضان.. شهر الربح لا الخسارة

أ. رضي منصور العسيف

شهر رمضان.. شهر الربح لا الخسارة

◄الإنسان في هذه الحياة إمّا أن يكون رابحاً أو خاسراً، ولا يوجد حالة وسطية بينهما، وحين يقول ربنا: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر/ 1-2)، فإنّه يعني بذلك الإنسان الذي لم يأخذ بعوامل الربح من إيمان بالله، والعمل الصالح والتواصي بالحقّ والصبر، كما ذكرتها سورة العصر.

وإنّ مَن يعي هذه الحقيقة، فإنّه يبقى مجاهداً لأن يربح الحياة، ويستفيد من كلّ الفرص المتاحة له، حتى لا يخسر، ولا يدرج اسمه ضمن قائمة الفاشلين في الحياة.

ولعلّ شهر الله، هو أثمن فرصة للربح وللنجاح في هذه الحياة، ولعلّه المحطة التي يتزوّد منها الإنسان ما يفيده، ويؤهّله لأن يخوض صراع الحياة، ويربح فيه، ولعلّه الجسر الموصل للآخرة، والفوز فيها بجنّة الرضوان. ولكن السؤال الذي أحبّ إثارته هنا هو: كيف يمكننا أن نربح في هذا الشهر الفضيل؟

والإجابة على هذا تكمن في النقاط التالية:

أوّلاً- ضرورة الوعي:

حين نتملك جوهرة نفيسة، ولكن لا نعي قيمتها، فإنّنا ربّما نبيعها بأبخس الأثمان!! والسبب في ذلك هو جهلنا لقيمتها، كذلك بالنسبة لشهر رمضان، فمن يعي أنّه شهر مغفرة، ورحمة، وأنّ الإنسان في ضيافة الله، وفيه تفتح أبواب الرحمة، وتغلق أبواب النيران… وغيرها، كما فصّلها رسول الله (ص) في خطبته الشهيرة، مَن يعي هذه الأُمور، فإنّه يسعى لأن يستفيد من هذا الشهر الكريم.

كذلك علينا أن نعي فلسفة الصوم، فلماذا شرّع الله الصوم، ولماذا هذا الجوع، والعطش؟ وما الحكمة في ذلك؟ حين نعي هذه الفلسفة، والتي منها خلق شخصية قادرة على خلافة الأرض (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً) (البقرة/ 30)، والصوم هو طريق لصناعة هذا الخليفة، فهو يزوّده بالتقوى، التي هي من أهم الشروط الواجب توفرها في الخليفة، وهذه الحكمة تتكرر في سائر التشريعات الإسلامية، كالصلاة والحجّ، والصدقات وغيرها.

من هنا، فإنّ ضرورة وعي شهر رمضان من الأُمور المطلوبة للفوز والربح في هذا الشهر المبارك.

ثانياً- ضرورة تنظيم الوقت:

لا شكّ أنّ كلّ فرد منّا قد قرأ هذه الآية (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) (البقرة/ 184)، والتي جاءت في سياق الحديث عن شهر رمضان والتشريعات الخاصّة به، إنّ شهر رمضان هو فترة زمنية محدّدة، وتنقضي بصورة أسرع من البرق، حين لا نخطّط لها التخطيط السليم.

لذا، فإنّ ضرورة تنظيم الوقت هو من الأُمور الواجبة لكي نستفيد من كلّ لحظة من لحظاته، ومَن لا يقوم بهذا التخطيط المسبق، سيجد نفسه بعد هذه الأيّام لم يكتسب أيّ شيء، ما عدا أنّه أتعب نفسه وأجهدها بالجوع والعطش، لأنّه لم يعِ الفلسفة الأُولى، ولم يخطّط لأن يكتسب أكبر قدر ممكن من الإيجابيات في هذا الشهر.

يقول الإمام عليّ (ع) في وصيته الأخيرة لأهل بيته: «ونظّم أمرك»، حيث إنّ التنظيم لا يختصّ بجانب واحد من جوانب الحياة، بل يتعدّى ذلك لأن تكون حياتنا مصطبغة بصبغة (التنظيم)، وعلى رأسها تنظيم الوقت، وبالخصوص أنّنا في معركة (هدر الوقت)، وهناك أعداء يرغبون في سلبنا أعزّ وأثمن أوقاتنا.

لنكن ممّن ينظّم وقته، لنجعل لنا أوقاتاً لقراءة القرآن، والدُّعاء، وزيارة الأصدقاء، والأرحام، والمطالعة، والتعرُّف إلى أخبار العالم، لنصع برنامجاً شخصياً نشعر من خلاله بأنّنا نستفيد من كلّ دقيقة، بل من كلّ ثانية.

ثالثاً- لا.. للروتين:

جاء في الحديث: «مَن تساوى يوماه فهو مغبون».

حين تجري الأُمور على وتيرة واحدة، فإنّنا نصاب بالملل والسأم، وربّما نرفض التعامل مع هذا البرنامج المقترح، لذا علينا حين نخطّط لبرامج معيّنة نهدف منها الاستفادة من شهر رمضان، أن نكسر الروتين، وذلك عبر التجديد.. ليكن لدينا في كلّ يوم عمل جديد، وأن نحدث تغييراً في مسيرتنا اليومية نجعلها تختلف عن الأمس.

رابعاً- نعم .. للتنويع:

أرأيت حين تتكرّر الأطعمة، كيف يرفضها الإنسان؟ لكن حين تتنوّع، فإنّه يقبل عليها بكلّ شهية، وهكذا هي برامج شهر رمضان حين تتنوّع، فإنّها لا تشعر المرء بالملل.

وإنّي أنصح الأصدقاء بأن ينوّعوا في (مجالس شهر رمضان الخطابية)، وأن لا يحدّدوا من مجالسهم، بل عليهم أن يذهبوا إلى جميع المناطق، ففي كلّ منطقة برنامجاً مغايراً عن برنامج المنطقة الأُخرى.

والتنويع يفيد الإنسان، وذلك من حيث تزويده بالخبرة، وخصوصاً إذا كان ممّن يحمل الهمّ الاجتماعي، ولديه مشروع معيَّن (ثقافي، اجتماعي) فإنّه من خلال هذا التنويع يصقل من تجربته، وينمّيها.

خامساً- تثقف بالثقافة الإسلامية:

شهر رمضان هو في حقيقته شهر الروحانيات، فهو شهر الدُّعاء، وهو شهر القرآن بل هو ربيع القرآن، لذا علينا أن لا ندع هذا الشهر دون قراءة القرآن كاملاً، ودون قراءة الأدعية المخصوصة، هذا على الصعيد الروحي.

أمّا على الصعيد الثقافي، فلا بدّ من تحديد أحد الكُتُب وقراءته من ألفه إلى يائه. وفي هذا الجانب أقول إنّ علينا أن لا ندع أحد الأيّام يمرّ علينا دون أن نقرأ، حتى ولو كانت صفحة واحدة، ولنحدّد وقتاً معيَّناً للقراءة، وأن نحرص عليه أشدّ الحرص، ونحارب من أجله.

وتذكّر أنّ القراءة هي غذاء العقل، ومَن يقرأ اليوم، فإنّه يعيش حياته واعياً، بخلاف الذين نصبوا العداء للقراءة، فإنّهم يغلقون منافذ الوعي من عقولهم، ويحكمون عليها بالإعدام.

سادساً- إيّاك ومجالس البطّالين:

وهي الديوانيات التي تمتاز بالسخرية، والغيبة، ولعب (الدومنة) أو مشاهدة التلفاز… هي مجالس فارغة، تقتل عقل الإنسان، تسلبه روحه، وتجعله يخسر هذه الفرصة الذهبية.

ابحث عن مجالس الوعي، مجالس الذِّكر، مجالس المؤمنين، وأكثر من الاتصال بها، وكن عضواً نشطاً فيها، كن فاعلاً في صناعة أجواء إيمانية، فهذه رسالة المؤمن.

مسك الختام:

هذه مجموعة من الأفكار من وحي التجربة، ولعلّها للمؤمنين مجرد تذكرة، وفي حقيقة الأمر، إنّنا مطالبون بالتذاكر يوماً بعد آخر، لنسأل بعضنا بعضاً، ولنوصي بعضنا بعضاً حتى نربح في هذا الشهر الكريم.►

 

منقول عن «شبكة مزن الثقافية»

ارسال التعليق

Top