◄هذا السؤال العميق لا يحتاج إلى إجابة واحدة، وليس له سبب واحد أيضاً سيما وأنّ القراءة بالنسبة للفرد بمثابة العين التي يتطلع من خلالها على الحياة ويرى ما فيها من أشياء جميلة وزاهية، ويعرف كل ما يجري في الحياة من أُمور حسنة أو سيِّئة وعن طريقها يدرك متاهات الحياة ومجاهلها، ويأخذ منها ما يفتح أمامه سبل الخير والنجاح والتقدُّم والرقي، كما يدفعه إلى تجنُّب ما يقوده إلى الجهل والظلام والفقر والضياع، لأنّ القراءة بحد ذاتها تعتبر لصاحبها سلاحاً قوياً يحميه من غول الجهل وظلام الدمار، وتكون له عوناً على التغلب على الزمن، كما أنّ القراءة مفتاح الشخصية للفرد.
وإذا بحثنا عن السبب الأساسي أو الأسباب الأساسية في قلبة الإقبال على القراءة، فإنِّي أرجعها أوّلاً إلى ضعف التنشئة التربوية على حب المطالعة، وذلك لأنّ الطفل إذا عوَّد وعُلم ورُبي على شيء حسن منذ الصغر، نشأ على حب هذا الشيء، وتعوّد عليه، وأصبح بالنسبة له عادة لا يمكنه الإستغناء عنها أو تركها، لأنّ العادة أو التعوّد على الشيء يشب مع الطفل، وكثيراً ما نرى ونسمع عن بعض العادات أو الصفات الحسنة التي يُعود عليها الطفل منذ صغره، فيشب عليها متعلقاً بها، لاسيما إذا لقي مَن يدفعه إليها ويشجعه عليها، وفي مجتمعنا مع الأسف الشديد خاصة في السنوات الماضية لم تكن القراءة ذات أهميّة عند الكثيرين، ولم يدرك البعض أهميّة القراءة وفوائدها، والحفظ لدى الطلاب والطالبات، اللهمّ إلا مَن لديه هواية القراءة، ولم تكن هناك كتب متوفرة، وفي متناول اليد ليحصل عليها هاوي القراءة، ولم تكن هناك مكتبات منتشرة، ولا مجلات وجرائد متنوعة، لقد كان مجال القراءة محدوداً لا يستطيع الجميع التواصل إليه ولم تكن هناك وسائل إعلام تحث على القراءة.
ثانياً: لم يكن التعليم يهتم بمفهوم القراءة أو يدرك مدى فائدتها، فكانت حصة التعبير عبارة عن عناصر تكتب على السبورة أو تقال شفهياً من قبل المعلم، ويترك للطالب التعبير عن موضوع بعينه دون الإشارة إلى أنّ القراءة هي سرّ قوّة التعبير وتنوير الفكر وتوسيع المدارك وتحسين الخط والقوة في الأسلوب وجمال السبك والعبارة... إلخ.
ولم تكن هناك مكتبات موجودة في المدارس، وإن وجدت ففي المدارس العليا والكبيرة وبشكل يعد على الأصابع، لم يكن هناك تشجيعاً لدفع الطالب للقراءة الدائمة وحثّه عليها، هذا بالإضافة إلى أنّ من عادة الطلاب تضييع الوقت في اللعب خارج البيت. والدليل على ذلك أنّ الكتاب العربي عندما يطبع منه المؤلف ثلاثة آلاف نسخة أو خمسة آلاف نسخة تظل أغلبها لمدة سنوات على أرفف المكتبات وفي المخازن، وذلك لقلة القراءة ولعدم وجود الوعي الكافي بأهميّة الكتاب والدعوة لقراءته.
ويحدث عكس ذلك في الدول الأوروبية، فبمجرد الإعلان عن صدور كتاب جديد تجد الجميع يذهب لشرائع، ويحرص على قراءته وسرعان ما ينفذ من السوق في غضون أسابيع أو شهورة قليلة.
أمّا في السنوات الأخيرة، فقد بدأ الجميع وخاصة المسؤولون يدركون أهميّة القراءة وفائدتها، وأهميّتها في توسيع المدارك. ومن هذا المنطلق بدأ الإهتمام بالقراءة عن طريق إفتتاح المكتبات وتعميمها في المدارس، ومن ثمّ التركيز على القراءة، والتشجيع عليها.
أمّا كيف نحفز مجتمعنا على القراءة، والتزوّد من معين الثقافة والمعرفة للوصول إلى مستقبل أفضل؟
فهناك عدّة طرق لا طريقة واحدة تساعد أوّلاً على حبّ القراءة، والدخول في عالمها اللامحدود، وعندما يتعلّم أي فرد حب القراءة طبعاً أقصد الفرد الذي لا يجد في نفسه هوى القراءة ومن ثمّ يحس لذّتها، وهو يبحر في عالمها الكبير المتنوع فإنّه لا شك تصبح ممارسة القراءة لديه نوعاً من العادة اليومية التي لا يستطيع التخلي أو التنازل عنها. ولأنّ التعوّد لابدّ أن يكون في الصغر هذا طبعاً بالنسبة للأطفال من كلا الجنسين، فإنّ وسيلة الإعلام يقع عليها الدور الأوّل، حيث أنّ الإعلانات الدعائية تشوق كثيراً الصغار والكبار بشكل يزيد من الرغبة في إقتناء الكتاب وقراءته عند شرائه، والدعاية لها دور كبير في التغريب والتحبيب في المادة المعلن عنها، لاسيما لدى الصغار، لدرجة أنّ أغلبهم ينتظر موعد الإعلانات التجارية، بل يلجأ البعض الآخر للبحث عن الإعلانات في قنوات أخرى، خاصة وأنّ حبّ التقليد لدى الأطفال شيء فطري.
وأقترح لو تقوم وزارة الإعلام بالتعاون مع دور النشر والمؤلفين بالإعلان عن الكتب القديمة أو الجديدة عند صدورها والتركيز على كتب الأطفال، بطريقة سهلة ومحببة ومشوقة وملفتة للنظر، يوضح من خلالها عدّة نقاط، مثلاً:
1- فائدة الكتاب والقراءة.
2- أهداف القراءة.
3- نتائج القراءة.
4- الإشارة إلى عنوان القصة أو الكتاب.
5- ذكر بعض ما تحويه القصة من أحداث مشوقة.
6- طرح مسابقة تحدد مثلاً:
أ) أسئلة حول القصة.
ب) أو كتابة قصة عند الإنتهاء من قراءة القصة.
ت) أو تلخيص ما تمّ قراءته.
ث) بعث أسماء القصص والكتب التي قرأها المتسابق.
ومن ثمّ تحديد جوائز منوّعة تدفع الطفل لحبّ القراءة... إلخ. أيضاً يمكن طرح مسابقة تحدد قراءة عدّة كتب أو قصص مختلفة، وتكون هناك جوائز للأكثر قراءة وأفضل قارئ.
ج) إجراء مسابقة في كتابة القصة يحددها الطفل بنفسه ليعطى حرِّيّة التصرُّف والإبداع والتفكير، وتحدد له جائزة أو بطاقة عضوية لشراء أي لعبة أو أدوات تخصه بسعر رمزي.
ح) تحديد أسبوع للقراءة وقد سبق من عدّة سنوات أن طالبت بإقامة أسبوع للقراءة أسوة بأسبوع الشجرة وأسبوع المرور... إلخ من أسابيع.
ومكافأة أكثر قراءة بعدّة كتب تناسب سنّه + جائزة رمزية والإحتفال بهذا الأسبوع في جميع المدارس بطريقة توضح للطلاب فوائد القراءة... إلخ، وضرورة الحرص عليها، وطرح المسابقات المختلفة في القراءة والتعبير.
أيضاً يبقى دور المدرسة والبيت، وهما عمودان أساسيان في تعويد الأطفال على حبّ القراءة، فعلى الوالدين تقع مسؤولية تكوين مكتبة صغيرة، وشراء الكتب التي تناسب سن كل طفل من أطفال الأسرة، وتعويد الأطفال على القراءة والإطلاع ومشاهدة الصور وقص القصص على الصغار منهم لتجذبهم، وتحببهم في القراءة ونجد بعض الأطفال بمجرد جلوس الأُم لتحكي له حكاية، نجده يسبقها ليحيك لها ما قصته عليه بالأمس.
يأتي بعد ذلك دور المدرسة، فعليها يقع دور حث الطلاب والطالبات على القراءة وتحبيبهم فيها، وتخصيص حصّة للقراءة الحرّة، أسوة بحصّة التعبير، والإهتمام بالقراءة أثناء الإذاعة المدرسية.. والإشادة بكل طالب وطالبة يحرص على القراءة أو يكون مميزاً عن غيره من حيث كثرة الإطلاع.
وأعتقد أنّ أطفال اليوم الذين هم رجال المستقبل، لو طبق معهم برنامج يعودهم على القراءة ويجعلها شيئاً أساسياً في حياتهم اليومية لا شك أنّ مستقبلهم سيكون مستقبلاً مشرقاُ ومنيراً.►
* كاتبة وقاصة/ المملكة العربية السعودية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق