◄في رمي السهام كما في الحياة، لكي تستطيع إطلاق السهم، يجب أن تجذبه للخلف. فعندما تسحبك الحياة للوراء وتضع أمامك العراقيل، فاعلم أنّها تهيئك لانطلاقة كبيرة. لا تستسلم، ركّز في هدفك وصوِّب سهمك نحوه. لتصبح أقوى، اجعل نفسك أضعف.
قد تبدو هذه الجملة متناقضة ومنافية للمنطق، إلّا أنّها الطريقة التي يعمل بها الجسم البشري. لكي تبني قوّة أكبر، عليك أن تُصبح أضعف. لتقوية جهاز المناعة لديك، عليك أن تضعّف جسدك.
يُطبّق المبدأ نفسه في تحقيق الأهداف. فأحياناً، تكون أفضل طريقة للوصول إلى الهدف هي بالذهاب بالاتجاه المعاكس له.
مبدأ رمي السهام
مبدأ التوجه بعيداً عن ما تريده بهدف الحصول عليه - أو التوجه نحو ما لا تريده لتتحرّر منه - هو ما يعرف بـ«مبدأ رمي السهام». لكي تطلق السهم نحو هدف معين، عليك بجذب السهم للخلف، أي للاتجاه المعاكس للهدف. هذا هو مبدأ عمل القوس والرمح. لهذا السبب، فإنّ مطاردة ما تريده لا يقرّبك منه دائماً، وقد يجعله خارج المتناول. فمثلاً، ثمة الكثير من الناس الذين يتوقون لأن يصبحوا أغنياء، ومع ذلك، فقلة من هؤلاء استطاعوا أن يصبحوا أثرياء.
إذا أمعنت النظر في ما يفعله الأشخاص الأثرياء والشركات الثرية، فستلاحظ أنّهم يقدّمون شيئاً ذو قيمة أوّلاً، ثمّ يقطفون ثمار ما قدّموه. إذا أردت أن تتموضع في مكان يسمح لك بالحصول على المزيد (كالمال مثلاً)، فيجب أن تقدّم شيئاً ذو قيمة أوّلاً. بمعنى آخر، يجب أن تطرح على نفسك السؤال التالي: ماذا يمكنني أن أقدّم؟ بدلاً من أن تسأل نفسك: ما الذي يمكنني الحصول عليه؟ يُقال: «يجب أن تطعم التسعة لتأكل العشرة».
في عالم الأعمال، يمكن تقديم عينات مجانية، أو استثمار المال بمشروع ما دون الحصول على المقابل مباشرة. فالخسارة الأوّلية ما هي إلّا تمهيد لكسب عظيم فيما بعد. إنّ مبدأ رمي السهام يسري على الكثير من مناحي الحياة. لكي تتصف بالشجاعة، يجب أوّلاً أن تواجه مخاوفك، ولتحظى بمزيد من الراحة، يجب أن تخطو بعيداً عن دائرتك المريحة. ولتكوين رؤية واضحة عن الطريق الذي يجب أن تسلكه في الحياة، لابدّ أن تعيش فترة من الضياع والغموض في مرحلة ما.
قد يتحسر شخص ما على السنوات التي قضاها في تطوير نفسه وفي التعلُّم، وقد يبقى دون مال وقد يشعر بأنّه يبتعد عن أهدافه أكثر فأكثر. لابدّ للمرء أن يدرك القيمة التي ينطوي عليها مبدأ رمي السهام، وإلّا فقد يفقد الأمل ويستسلم للظروف في الوقت الذي يكون فيه قاب قوسين أو أدنى من تحوّل عظيم يقلب الأُمور رأساً على عقب.
كما يفسّر مبدأ رمي السهام كيف أنّ محاولة تجنّب الآلام تزيد من الآلام. إذا قمت بمطاردة ما تصبو إليه على المدى القصير، فإنّ ذلك سيمنعك من امتلاكه على المدى البعيد.
فمثلاً، يقرّر شخص ما إدارة مصاريفه وتسديد الفواتير المترتبة عليه، لأنّ هذا الأمر يزعجه. يمكن لهذا الشخص تأجيل المسألة، وبذلك فإنّه يحني القوس ويذهب باتجاه الراحة. قد ينجح مؤقتاً في التهرّب من مسؤولياته، إلّا أنّه في نهاية المطاف سيغرق في وحل من الدَّين والانهيار المالي، كلّ ذلك بسبب محاولته النزوح نحو الدائرة المريحة.
السبب والنتيجة
إنّ مبدأ رمي السهام من المبادئ البسيطة التي يسهل استيعابها، ومع ذلك فإنّ تطبيقه ليس بالأمر السهل. فأحياناً تكون العوامل التي تحكم رمي السهم ليست منطقية أو لا تبدو مكتملة بالنسبة إليك. فمثلاً، لكي تأتي بفكرة إبداعية لبدء مشروع ما، ربّما تحتاج لعطلة وقضاء بعض الوقت برفقة الأصدقاء، كما يجب أن تختلي بنفسك من حين لآخر لتحسين أواصر العلاقات مع الآخرين.
وجدير بالذكر أنّك إذا أردت الوصول إلى نتيجة ما، فعليك بإيجاد السبب أو الأسباب، وتويجه طاقتك نحوها. الكثير من الإخفاقات تحدث بسبب مطاردة النتائج الملموسة التي نربطها بالنجاح - المال والشهرة على سبيل المثال - بدلاً من مطاردة السُّبل والعادات التي تؤدِّي إلى هذه النتائج.
التوتر الأمثل
لكي تطلق السهم، يجب أن تجذبه نحو الخلف إلى النقطة المثالية، أي يجب أن تخلق الكمية المثالية للتوتر، وهذا يحتاج الكثير من التمارين. فإذا قمت بجذب السهم قليلاً للوراء، فلن ينطلق السهم بقوّة. وإذا أكثرت في جذبه، فربّما ينكسر القوس، تماماً كما يمكن أن تلحق الأذية بعضلاتك عندما تبالغ في التمرُّن.
يجهد الكثيرون أنفُسهم ويستثمرون وقتهم وطاقتهم ونقودهم فيما يعتقدون أنّه سيجلب لهم النجاح، ليجدوا أنفُسهم في نهاية المطاف منهكين خائري القوى، ثمّ يتبادر لأذهانهم السؤال: «لماذا لا تثمر جهودنا؟»
ثمة نقطة مُثلى للتوتر، حيث يمكن فيها أن تتحدّى نفسك دون المبالغة في إجهاد النفس. بمعنى آخر، ثمة حدود للجهود.
حرّر السهم
بعد جذب السهم إلى النقطة المثالية، يجب أن تحرّره لكي ينطلق، تماماً كما يجب أن تلقي بالأثقال عن كاهلك لتعطي فرصة لعضلاتك باستعادة طاقتها. لابدّ أن تدرك متى يجب تحرير السهم. يجب على الناس نيل قسط من الراحة والامتناع عن تحدّي أنفُسهم لفترة ما لكي يقطفوا ثمار جهودهم. ويجب على صاحب العمل الناجح أن يتوقّف عن منح عينات مجانية عند نقطة ما. إذا تشبثنا بالأشياء ولم نحرّرها، فستكون الحياة مليئة بالتوتر والجهود المتواصلة دون توقف، وهذا يقود إلى الشعور المضني بعدم الاكتفاء، والتوق للمزيد.
من الإخفاق إلى النجاح
يفسّر مبدأ رمي السهام المفارقة المطلقة للنجاح: لكي ينجح المرء نجاحاً باهراً، عليه أن يتقبّل الفشل أوّلاً. ففنّ الرماية يمنح حقّ الإخفاق، لا بل إنّ الإخفاق جزء أساسي لتحقيق النجاح في الرماية. فالإخفاق يبيّن لنا نقاط ضعفنا، ويعزّز من مرونتنا، ويبيّن لنا أنّ وراء كلّ إخفاق إمكانية لتحويله إلى نجاح باهر.
من الآن فصاعداً، اسأل نفسك: كيف يمكن لإخفاقاتي أن تأتني بالنجاح الذي أصبو إليه؟ وقد تكتشف أنّ السعي وراء أكثر الأشياء التي تحاول تجنّبها قد يأتيك بالشيء الذي ترغب به.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق