◄عندما نتحدّث عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يبادر الكثير من الناس ليتساءل عن وجوب أداء هذه الفريضة في حال إمكانية تعرُّض الإنسان لموقف سلبي أو خوف الضرر، أو ليبادر آخرون ليسألوا عن بعض الحالات التي لا أمل في إمكانية التأثير فيها، كما لو استنفذنا كلّ الطُّرُق للنهي عن منكر ما ولم نصل إلى نتيجة. فهل يجب الاستمرار والنهي مرّة بعد أُخرى رغم عِلمنا بعدم تأثّر الطرف المقابل؟
الله سبحانه وتعالى لا يريد لنا الضرر، ولا يريد لنا أن نشغل أنفُسنا ونستنزف أوقاتنا في مورد معيّن لا فائدة منه، لذلك وضع قيوداً وشرائط لوجوب هذه الفريضة، فإن تحقّقت هذه الشرائط يجب على الإنسان أن يبادر ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإذا لم تتحقّق سقط عنه التكليف، وبالإضافة إلى الشروط العامّة التي تشترط في كلّ تكليف كالبلوغ والعقل هناك شرائط أُخرى خاصّة بهذا الباب يجب توفُّرها ويمكن تلخيصها بما يلي:
1ـ العلم والمعرفة
العلم والمعرفة هي من الشرائط الأساسية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الشرط يجب تحقّقه في طرفين:
أ- علم الآمر الناهي: فيجب عليك أن تتعلّم أوّلاً ما هو الحلال وما هو الحرام وما هو الواجب وما هو المباح، فإذا استطعت أن تميّز بينها بشكل واضح تتصدّى لمهمّة: فيجب عليك أن تتعلّم أوّلاً ما هو الحلال والحرام وما هو الحرام وما هو الواجب وما هو المباح فإذا استطعت أن تميّز بينها بكلّ واضح تتصدى لهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمّا مع عدم علمك وشكّك وتردّدك في أنّ هذا الأمر هو واجب أوّلاً وذاك الآخر محرّم أم مباح، فلا تستطيع أن تأمر الناس مع شكّك به.
عن رسول الله (ص): «لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلّا مَن كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر به، رفيق بما ينهى عنه، عدل فيما يأمر به عدل فيما ينهى عنه، عالم بما يأمر به، عالم بما ينهى عنه».
وعن الإمام الصادق (ع): «صاحب الأمر بالمعروف يحتاج إلى أن يكون عالماً بالحلال والحرام».
ب- علم مرتكب الحرام: فإذا فعل فعلاً محرّماً مع عدم علمه بحرمته، فعليك أن تعلّمه أوّلاً أنّه حرام. ولكن إذا أصرّ على فعل المحرّم بعد علمه يجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
ملاحظة: لو كان هناك مسألة مختلف فيها بين المراجع العظام وكان مرجعه يقول بالحرمة لم يجز له أن ينهى عن هذا الفعل الشخص الذي يقلّد المرجع الآخر القائل بالجواز، وإذا لم يعرف مَن يقلّد لم يجب عليه ـ بل لم يجز له ـ نهيه أيضاً.
2ـ احتمال التأثير
فإذا كان يائساً من إمكانية التأثير بأي أسلوب كان، سقط الوجوب عنه، ولا يكفي الظنّ بعدم التأثير إذا لم يصل إلى حالة اليأس من ذلك. فيجب عليه النهي عن المنكر حتى لو ظنّ بعدم التأثير .
وهناك عدة نقاط ينبغي الالتفات إليها:
أ- إذا كان التأثير لا يحصل إلّا مع تكرار النهي عن المنكر عدّة مرّات وجب النهي عن المنكر.
ب- لو علم احتمال تأثيره في تقليل المعصية لا قلعها، يجب عليه ذلك.
ج- إذا كان التأثير لا يحصل إلّا إذا نهاه عن المنكر علناً وأمام الناس، فإن كان الفاعل متجاهراً بمعصيته جاز نهيه أمام الناس بل يجب ذلك، وإمّا إن لم يكن متجاهراً فيشكّل شرعاً نهيه أمام الناس.
د- إذا كان التأثير لا يحصل إلّا من خلال ارتكاب المحرّم في نهيه لا يجوز ذلك وسقط وجوب النهي عن المنكر، إلّا إذا كان المنكر مهم جدّاً لا يرضى الله به كيفما كان كقتل النفس المحترمة، فلو توقف على الدخول في الدار المغصوبة مثلاً وجب الدخول.
3ـ الأمن من الضرر
يجب أن لا يكون هناك ضرر مترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا علم أو حتى احتمل الضرر ـ احتمال يترتب عليه الخوف عادة ـ لم يجب ذلك.
المقصود من الضرر هو الضرر المادّي المتوجّه على النفس أو العرض أو المال، سواء كان سيصيب نفس الآمر الناهي أو غيره من المؤمنين.
ومثل احتمال الضرر المادّي احتمال الوقوع في الحرج والشدّة.
احتمال الضرر يرفع التكليف إذا لم نكن متيقنين بفائدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أنّ هذا الشرط مختص بالأمر والنهي في صورة احتمال التأثير.
أمّا إذا كنا متأكدين من التأثير فعلينا أن نقوم بتقييم المنكر والضرر ونقدم الأهم، فيمكن في بعض الحالات تقديم النهي عن المنكر حتى لو كنا متأكدين من تضررنا بسبب ذلك.
عن الإمام الصادق (ع): «إنّما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلاً...» .
هذا في المنكرات العادية، وأمّا الأُمور الخطيرة جدّاً التي لا يرضى بها الله بحال من الأحوال.. فتهون النفوس عندها وتجب حتى لو أدّت للاستشهاد، كحفظ نفوس المسلمين وأعراضهم والمنع من محو آثار الإسلام وشعائره كبيت الله الحرام، ففي مثل هذه الأُمور يجب مراعات الأهم ولا يكون مجرد الضرر رافعاً للتكليف.
4ـ الإصرار على الاستمرار «ولو مرّة واحدة»
فيجب أن نعلم أنّه لا زال مستمراً على هذه المعصية مُصرّاً عليها، أو على الأقل نعلم بأنّه كان يبني على ذلك، ففي هذه الصورة يجب نهيه عن المنكر.
وأمّا إذا علمنا أنّه ترك هذه المعصية لم يجب نهيه عنها، ويمكن معرفة ذلك من خلال إظهاره التوبة والندامة، أو من خلال قيام بينة على ذلك «شهادة عدلين» أو حصول العلم والاطمئنان لدينا بسبب من الأسباب، بل يكفي مجرد ظنّنا أو حتى الشكّ بأنّه ترك هذه المعاصي «إذا لم يظهر منه الإصرار عند ارتكاب المعصية على الاستمرار بها» ففي هذه الصورة يسقط الوجوب أيضاً. وإذا علما قصده ارتكاب معصية معيّنة فالظاهر وجوب نهيه وإن لم يرتكبها إلى الآن.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق