• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مقومات العدالة الاجتماعية

عمار كاظم

مقومات العدالة الاجتماعية

قال تعالى في محكم كتابه: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (النحل/ 90-91). إنّ القرآن نزل بالحقِّ، وهو يحمل رسالة الحقّ.. حيث يضع القرآن أُسساً هامّة ومتينة لبناء المجتمع، وهي: العدل، والإحسان، وإيتاء المال لذي القُربى، والنهي عن البغي، والوفاء بالعهود والإيمان. إنّ للعدالة، من بين سائر صفات الله، أهميّة خاصّة بحيث أنّ كثيراً من الصفات الأُخرى مترتبة عليها، لأنّ «العدالة» بمعناها الواسع، هي وضع الأُمور في مواضعها. وعلى ذلك فإنّ صفات أُخرى مثل «الحكيم» و«الرّزاق» و«الرّحمن» وأمثالها تعتمد على العدالة في معانيها.

المعنى العام والشامل للعدالة هو تحقیق التوازن والتعادل. وهذا المعنى هو المهيمن على عالم الخليقة برمته، على المنظومات الشمسية، على الذرة، على بناء كيان الإنسان وجميع الحيوان والنبات. وهذا هو المعنى الذي ورد في الحديث النبويّ الشريف: «بالعدلِ قامتِ السمواتُ والأرضُ». فمثلاً، لو اختل تعادل القوتين الجاذبة والدافعة في الكرة الأرضية، وزادت أحدها على الأُخرى، لانجذبت الأرض نحو الشمس واحترقت وتلاشت، أو لخرجت عن مدارها وتلاشت في الفضاء الفسيح. والعدالة هي أنّك إنْ سقيت نبتة الورد والأشجار المثمرة فقد سكبت الماء في موضعه، وهذا هو العدل بعينه، وإنْ أنت سقيت الأشواك والطفيليات، فقد أرقت الماء، في غير موضعه، وهذا الظلم بعينه. وثمّة معنى آخر للعدل وهو «مراعاة حقوق الناس» ويقابله «الظلم» وهو الاستئثار بحقوق الآخرين، أو انتزاع حقّ شخص وإعطائه لآخر لا حقّ له فيه، أي المحاباة، وهي إعطاء بعض حقّهم، ومنعه عن آخرين. فتتحقق العدالة الاجتماعية من خلال رعاية حقوق أفراده وكفّ الأذى عنهم والإساءة إليهم، والتعاطي معهم بكرم الأخلاق، وحُسن مداراتهم وحبّ الخير لهم، والعطف على بؤسائهم ومعوزيهم ونحو ذلك من محقّقات العدل الاجتماعي. كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإيمانُ بِضعٌ وسَبعُون - أو بِضعٌ وسِتّون - شُعبةً، أعلاها: قولُ لا إله إلّا اللهُ، وأدناها: إماطةُ الأذى عن الطريق».

العدل والرحمة والإحسان من الصفات الإلهيّة العظيمة التي أراد الله تعالى للناس أن يعيشوا روحها ومضمونها العملي في أكمل صورة، بأن ينعكس ذلك على واقع حالهم إحساناً وخيراً وسلاماً وسعادة، بما للعدالة والرحمة والسلام من أهميّة كبيرة في حفظ المجتمع واستقرار الإنسان وتوازن الحياة، لأنّ عكس ذلك يعني الظلم والخوف والقلق والفوضى التي لا تجلب إلّا الدمار وتهديم البنيان الإنساني والحضاري. إنّ الالتفاف حول مفهومي العدل والرحمة، يعطي ثمار الخير والتواصل الحيّ الذي ينعكس سلاماً روحياً من خلال إطلاق الكلمة المسؤولة والموقف المسؤول والواعي والحكيم الذي يعيد الحقّ إلى نصابه، ويتجاوز كلّ الحسابات حفاظاً على السلام والوئام، بما يفسح المجال للحياة أن تستمر وتتقدّم بالشكل الطبيعي دون عوائق، ولقد كان لنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة من أهل بيته (عليهم السلام) قدوة حسنة في تأكيد إقامة العدل والسير في خطّ الرحمة والإحسان، لما فيه من إقامة أمر الدِّين وخير الإنسان والحياة.

ختاماً، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، وهو يخاطب الذين آمنوا من عباده: (يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالاْقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء/ 135). تندرج هذه الآية المباركة في سياق الآيات التي تؤكّد أنّ على المؤمنين ضرورة صياغة شخصيّتهم الإسلامية على أساس العدل، ليكونوا الصورة الحقيقية للعدل في كلّ ما يتحرّكون به في واقعهم العملي، سواء مع الأقربين من الناس، أو مع الأبعدين منهم. والعدل هو الهدف الكبير للحياة في تطلّعات الإسلام وأهدافه.

ارسال التعليق

Top