• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مكارم الأخلاق في شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

عمار كاظم

مكارم الأخلاق في شخصية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم/ 4). في السابع والعشرين من شهر رجب الحرام، نلتقي بذكرى عزيزة، وهي ذكرى المبعث النبويّ الشريف.. وهذه الذكرى تمثّل بالنسبة إلينا، مبعثاً للنور والهدى والسلام والرحمة والألفة والمحبّة، ممّا بشّر به الله سبحانه عندما قال: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة/ 15-16). وفي تلك الآيات التي افتتحت عهد الرسالة الإسلامية، دعوة من الله لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبلِّغ مشروعه للناس. وقد بيَّن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا المشروع عندما قال: «إنّما بُعثت لأُتمِّم مكارم الأخلاق».

لقد أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك أن يبيّن لنا أنّ الأخلاق هي جوهر الدِّين وعمقه، ولا يجب أن تُفهم أنّها قضية كمالية أو ثانوية، أو على هامش الدِّين، فلا معنى في هذا المنطق أن يكون الإنسان متديّناً يعتزّ بدينه ويحرص على عبادته ونوافلها، ولكنّه بعيد كلّ البُعد عن الأخلاق. وهذا ما عبَّر عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، عندما جاء رجل إليه قائلاً له: ما الدِّين؟ فاكتفى رسول الله بالقول: «حُسن الخُلق». استغرب الرجل كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الدِّين، وظنّ أنّ الرسول لم يسمعه جيِّداً، فأتاه عن يمينه، وقال: يا رسول الله، ما الدِّين؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «حُسن الخُلق»، فعاد وكرَّر السؤال، فقال له: «حُسن الخُلق».

إذاً، حتى يكون الإنسان صاحب دين، لابدّ من أن تحكم الأخلاق سلوكه مع ربِّه، بأن يحسِّن أخلاقه مع ربّه، فلا يبادل إحسانه بإساءة، وعطاءه بالتقصير، وأن يحسِّن أخلاقه مع نفسه، فلا يسيء إليها في أمر دنياها وآخرها، وأن يكون خيراً للناس جميعاً؛ مَن يلتقي معهم ومَن يختلف. وهذا لا يعني أن يتنكّر الإنسان لعقيدته أو لعباداته وأن لا يبالي بها، فهي لها موقعها الأساس، لكن عليه أن يعتبر أنّها لا تؤدِّي دورها، إلّا عندما تعزِّز البناء الأخلاقي للإنسان القائم بها، فلا خير لصلاةٍ أو صيامٍ أو حجٍّ أو أيّ أعمال عبادية أُخرى، إن لم تنعكس خيراً على سلوك الإنسان، وهذا ما عبَّر عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلِّ وضوح، فهو عندما قيل له إنّ هناك امرأةً تقوم الليل وتصوم النهار، لكنّها بذيئة اللسان تؤذي جيرانها وتغتاب، قال: «لا خيرَ فيها، هي من أهلِ النارِ». وفي الحديث: «لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإنّ ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته».

وفي الاتجاه المقابل، حذَّرت الأحاديث من سوء الخلق، ففي الحديث: «خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخُلق». «الخُلق السيِّئ يُفسد الإيمان كما يُفسد الخلّ العسل»، و«سوء الخُلق ذنب لا يُغفر». وقد أشارت الأحاديث إلى الموقع الذي يبلغه العبد إن هو نَعِم بحُسن الخُلق، ففي الحديث: «أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم خُلُقاً». وفي حديث آخر: «إنّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنّه لضعيف العبادة»، (أي لا يعمل المستحبّات). وفي حديث آخر: «ما من شيءٍ أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حُسن الخُلق». وقد التزم (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا المنهج، عندما جعل الأخلاق ومكارمها هي مقياس القرب منه أو البعد، لا العبادة ولا العلم ولا الجاه ولا المال، ولا أيّ قيمة أُخرى، ولا أيّ شيء آخر، رغم أهميّة كلّ هذه العناوين، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ أحبّكم إليَّ أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون». إذاً، مبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينبغي أن يكون مناسبةً لإعادة الاعتبار للأخلاق في حياتنا، بأن نضعها في الأوّلوية في تقييمنا لدى إيماننا وإيمان الناس من حولنا.

ارسال التعليق

Top