• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

موقفنا في عصر الغيبة الكبرى

عمار كاظم

موقفنا في عصر الغيبة الكبرى

جاء في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي مخلّف فيكم الثقلين؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»، فما دام كتاب الله موجوداً في واقع المسلمين، فإنّ إماماً من هذه العترة لابدّ من أن يكون موجوداً معه، لتتكامل هداية كتاب الله بالعترة الذين يعرّفون الناس أحكام الكتاب وآياته وآفاقه. وجاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لن تنقضي الأيّام والليالي حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم):«لو لم يبقَ من الدُّنيا إلّا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من ولدي، يواطئ اسمه اسمي، يملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً». ذلك هو حجة الله على خلقه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه). ونحن عندما نريد أن نثير هذه المسألة في وعينا العقيدي، فإنّنا نعرف أنّ الله تعالى أراد للإنسان أن يصل في نهاية المطاف في الدُّنيا إلى العدل الشامل الكامل، لأنّ كلّ المراحل التي يمرّ بها الإنسان في الدُّنيا، فيها الظلم وفيها العدل، أمّا تلك المرحلة التي أعدّ الله تعالى لها هذا الإنسان العظيم، فيُراد لها أن تكون مرحلة العدل كلّه، الذي يطرد الظلم كلّه.

وعلى ضوء هذا، نستطيع أن نؤكّد حقيقةً إيمانيةً إماميةً، وهي أنّ الأئمة ـ كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ اثنا عشر إماماً، فقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «الخلفاء اثنا عشر كلّهم من قريش»، وهذا لا ينطبق إلّا على أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، ولكنّ الله تعالى جعل للأئمّة (عليهم السلام) منذ الإمام عليّ (عليه السلام) إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، مهمةً رساليةً يدعون فيها إلى الله، ويفصّلون للناس تفاصيل الشريعة، ويعلّمونهم أحكام الله، ويبعدونهم عن كلِّ ضلال وانحراف. ونحن عندما نقرأ تراثهم (عليهم السلام)، نجد أنّهم لم يتركوا أيّ قضية يحتاج المسلمون إلى أن يعرفوا حكمها، ولم يكن هناك أيّ خطٍّ يريد الله للمسلمين أن يسيروا عليه على أساس الاستقامة، إلّا وبيّنه الأئمّة (عليهم السلام) لهم، ولذلك عندما سُئِل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): لمن نرجع وأنت تبدأ الغيبة عن الأنظار؟ كان جوابه (عجّل الله فرجه): «وأمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنّهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليهم»، لأنّ رواة الأحاديث رووا عن الأئمّة (عليهم السلام) كلّ ما يحتاجه الناس، فهم ليسوا بحاجة إلى مَن يعرّفهم أحكام الله، فالكتاب وأحاديث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والعترة (عليهم السلام) كلّها بين أيديهم. ولذلك لم يجد العلماء طيلة أيّام الغيبة الكبرى التي ما زالت مستمرّةً، أية مشكلة في ما يجتهدون فيه لتعريف الناس الأحكام الشرعية، حتى في ما كان يستجدّ من أحداثٍ لم تكن موجودةً في بدايات الرسالة، لأنّ القواعد الإسلامية الشاملة تتكفّل ببيان الأحكام التي ترتبط بالتطوّرات التي تتحرّك في حياة الناس، فهناك حال اكتفاء من خلال كتاب الله وسنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) التي هي أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذلك، فإنّ ارتباطنا به ليس ارتباطاً شخصياً، بل إنّ علاقتنا به هي علاقة الإمامة والرسالة والقيادة التي تتحرّك في مستوى العالم كلّه لتغيّره على صورة الإسلام. فإذا كنّا مخلصين لذكراه، وللالتزام بإمامته، فإنّ علينا أن نصنع في كلّ موقع من مواقعنا عدلاً؛ أن نصنع العدل في كلّ مجال، وفي كلّ حركتنا، لأنّ الإخلاص هو أن نخطِّط لأن نكون المسلمين العادلين الذين يساندون كلّ قضية للعدل في العالم، حتى لو كان العدل في مواقع غير إسلامية، أن ندعمه بالتأييد وبرفض الظلم في العالم كلّه، وقد ورد في أحاديث أئمّة أهل البيت (عليهم السلام): «إنّ الله أوحى إلى نبيّ من أنبيائه في مملكة جبّار من الجبّارين، أن ائتِ هذا الجبّار: وقل له: إنّي إنّما استعملتك لتكفّ عني أصوات المظلومين، فإنّي لن أدع ظلامتهم وإن كانوا كفّاراً»، فالظلم لا دين له، والعدل لا دين له.. إنّ ارتباطنا بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ليس ارتباطاً عاطفياً، وإن كنا نحبّه ونواليه كما نحبّ أهل البيت (عليهم السلام) ونواليهم، ولكن علاقتنا به كعلاقتنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكلّ الأئمّة (عليهم السلام)، هي علاقة رسالة، ولذلك علينا أن نحوّل هذا الحبّ وهذه الولاية إلى حركة في سبيل الإسلام، «اللّهُمّ عجّل فرجه، وسهّل مخرجه، واجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهَدين بين يديه».

ارسال التعليق

Top