• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هل أنتم مدمنون على السكر؟

هل أنتم مدمنون على السكر؟

إنّ اعتبار السكر مادّة إدمانية مسألة اعتاد الناس العادّيون على الإعتقاد بصحّتها، ولكن علوم الطب الحديث لم تعترف بقيمة هذا الإعتقاد إلّا مؤخراً.

عادةً يتضمّن الإدمان ثلاث مراحل: أوّلاً: زيادة استهلاك الشخص للمادّة الإدمانية. ثانياً: شعور الشخص بعوارض الإنقطاع عن هذه المادة عندما لا يتمكّن من الحصول عليها. ثالثاً وأخيراً: شعور الشخص عند الإنقطاع عن استهلاك تلك المادة، برغبةٍ ملحّة في العودة إلى استهلاكها.

أيضاً، هناك جانب إضافي للإدمان، ويتمثّل هذا الجانب بالرغبة الجسمية والنفسية الملحّة بتناول المادة المُدمَنِ عليها. تلك الحاجة الملحّة لتناول السكر أو المخدرات أو الكحول، تنتج عن إرسال الجسم لإشارات مختلطة، وهو يرسلها بسبب نقصٍ معيّن في سكّر الدم أو السيروتونين. وكذلك قد يكون مصدر تلك الحاجة الملحة هو إجهاد في الغدة الكظرية أو إجهاد عامٌ في الجسم أو حرمان للجسم من النوم الكافي أو أرقٌ مزمن بحيث يردُّ الجسم على ذلك بإشارة "زوّدوني بالسكر!" وهذا يُنتج رغبة بتناول الأطعمة الحلوة المذاق أو النشويات أو حتى القهوة. أمّا السبب الأساسي المخفيّ لحدوثِ الرغبةِ الملحّة بتناول السكر، فهو السكر الذي كان الشخص قد تناوله سابقاً فأخلّ بتوازنِ كيمياء جسمه.

 

-        ماذا يحدث للجسم عندما نُسرف في تناول السكر؟

إنّ جميع أنواع الإدمان (الإدمان على الكحول أو المخدرات أو السكر... إلخ) تحدث بطريقة واحدة. مثلاً في حالات الإدمان التالية: الإدمان على المخدرات والإدمان على الكحول والإدمان على السكر، يخلق الإدمان في الدماغ حالة من الاعتماد على المادة المُدمَن عليها، إذ أن مستوى السيروتونين في الدماغ يهبط بدون تلك المادة. والسيروتونين هو ناقل عصبي رئيس ويُشكِّل جزءاً من الجهاز العصبي حيث أنه يرسل نبضات الأعصاب إلى أعضاء في الجسم. والمواد الإدمانية ترفع نسبة السيروتونين في الجسم ولكن لمدة قصيرة، وهذا يؤدي عادة إلى شعور المدمن بالارتياح. وبعد انقضاء تلك المدّة (التي ترتفع فيها نسبة السيروتونين)، تهبط نسبة السيروتونين في الجسم – أحياناً إلى مستوى أخفض من المستوى الذي كانت عليه قبل تناول المادة الإدمانية – مما يخلق لدى المدمن شعوراً بالألم النفسي. ونقص السيروتونين يمكن أن يؤدي أيضاً إلى الشعور بالاكتئاب أو التعاسة الشديدة.

بعد ذلك، يستشعر الدماغ نقص السيروتونين، فيرسل إلى الجهاز العصبي إشارة "غَذِّني" ليُعبِّر عن حاجته إلى التزوُّد بالمادة التي جعلت نسبة السيروتونين ترتفع (أي المادة الإدمانية). لهذا يتناول المدمن المزيد من تلك المادة، ولكنه في كل مرّةٍ يتناولها يُخرِّب جهاز الغدد الصمّاء في جسمه، وهذا يتضمّن تخريب الهورمونات والنواقل العصبية أيضاً. والهورمونات تؤثِّر على طريقة عمل أعضاء وأنسجة الجسم. تنتقل الهورمونات إلى أعضاء وأنسجة الجسم عبر سوائل الجسم. وعندما يسيء الشخص استخدام المواد التي يُدخِلها إلى جسمه، تتباطأ حركة بعض الهورمونات وتتسارع حركة بعضها الآخر. فيرتبك الجسم، ويؤدي هذا بالمدمن في النهاية إلى مرحلةٍ يتناول فيها المزيد من المخدرات أو الكحول أو السكر لكي "يعالج" نفسه من عوارض نقص المادة الإدمانية ولكي يشعر بالراحة مرّةً أخرى.

كذلك يلعب الدوبامين (Dopamine) – وهو ناقلٌ عصبيٌّ آخر – دوراً في حالة الإدمان على السكر. مثلاً، بالرغم من تناولكم طعام العشاء وشعوركم بالإمتلاء، قد تتناولون بعد العشاء قطعة من كيك الشوكولا. إنكم لا تكونون بحاجة لتناول تلك القطعة لتسدوا جوعكم، ولكنكم تريدون تناولها بالرغم من ذلك. وهذا يثير الدوبامين الذي يُحرِّك جهاز المكافأة الذاتية (وهذا الجهاز يتمركز في الدماغ). ولكن عندما يفكِّر الشخص بقطعة كيك الشوكولا ولا يأكلها، ينتقض جهاز الدوبامين المسؤول عن المكافأة الذاتية، فيشعر الشخص بالاكتئاب أو الألم النفسي. أمّا إذا تناول الشخص قطعة كيك الشوكولا تلك، فهو لن يشعر بالإكتئاب أو الألم النفسي. وهكذا، فالرغبة بتناول قطعة الكيك تتغلّب على حقيقة أنّ الشخص (الراغب بتناولها) ليس جائعاً. وهذا الأمر يؤدي به إلى تناول المزيد من الأطعمة اللذيذة حتى بعدما يصل إلى حدّ الإمتلاء. فبسبب الدوبامين لا نتمكّن دائماً من مقاومة تلك الأطعمة اللذيذة.

إنّ تناول السكر قد يكون ممتعاً. لهذا قد تتولد لدى الناس تراكيب أفكارٍ تهدف إلى الحصول على المزيد من السكر، ولا يتخلون عن تلك التراكيب إلّا عندما يتعلّمون أن يعيشوا بسلام دون تناول السكر. عندما تترسّخ عادة تناول السكر/ المخدرات/ الكحول... إلخ لدى الشخص، يتطلّب إلغاؤها علاجاً فعّالاً ودعماً حقيقياً ويجب أن يستمر العلاج والدعم إلى أن يمرّ وقت غير قصير يصبح معه جسم الشخص غير محتاجٍ حاجة شديدة إلى تلك المادة.

 

-        إحصائيات ودراسات حول الإدمان على السكر:

في ثمانينات القرن الماضي، بدأ العلماء يفكِّرون فيما إذا كان السكر مادة إدمانية. وكانوا ينظرون في السابق إلى هذه المسألة من خلال السؤال التالي: طالما أنّ السكر موجود بشكل طبيعي في جسم الإنسان، إذاً كيف يمكن له أن يدمِن عليه؟ فجميع النشويات التي نتناولها تتفكك في أجسامنا للتحوُّل إلى سكريات بسيطة. وبعض البروتينات والدهون التي نتناولها يتفكك ليتحوّل أيضاً إلى سكر بسيط. إذن، تحتوي أجسامنا دائماً على بعض السكر. ولكن، ولسنواتٍ عديدة، كان لديّ شعور مختلف فيما يخص "الإدمان على السكر". فلم يكن لديّ شكٌّ في أنّ عدداً من الناس الذين كنت قد عرفتهم، هم مدمنون على السكر، والكثير من هؤلاء طلبَ المساعدة للتغلب على إدمانه.

أخيراً، موّل أحدهم بحثاً مناسباً. ففي بداية القرن الواحد والعشرين بدأت الدكتورة نيكول أفينا (وهي باحثة في جامعة برينكتون) ومساعدوها بدراسة الإدمان على السكّر. فأجروا إحدى دراساتهم على فئران غُذِّيَت بالسكر. عندما قُدِّم لتلك الفئران طعام صحي وطعام من السكر، رفضت تناول الطعام الصحي لأنها لم تكن تريد إلّا السكر. كذلك، عندما قُدِّم لها ماء نقي وماء يحتوي على السكر، اختارت شرب الماء الذي يحتوي على السكر. وعندما حُرِمت الفئران من هذا الماء بدأت تَظهر عليها عوارض "الإقلاع" عن السكر. فوجد الباحثون أنّ تلك الفئران – التي بدأت تتصرّف بغرابة – بدأت تُصابُ بالرجفة وبإصطكاك الأسنان، وهذه العوارض تحدث عادةً مع الأشخاص المدمنين عند حرمانهم من مخدرٍ كانوا قد أدمنوا على تناوله بجرعاتٍ عالية. وعندما عاود الباحثون الكَرّة وقدَّموا للفئران ماءً عادياً وماءً يحتوي على السكر، لم تختر الفئران سوى الماء الذي يزوّدها بالسكر!

أُجريت دراسة أخرى في جامعة بوردو في فرنسا، حيث قامَت ميغالي لينوار ومساعدوها بمقارنة ردود الفعل الناتجة عن تناول السكرِين – وهو بديلٌ للسكر – مع تلك الناتجة عن تناول الكوكايين. والسبب في اختيار الباحثين لبديل السكر عوضاً عن السكر، هو أنهم لم يريدوا أن تدخل تأثيرات الوحدات الحرارية في نتائج البحث: فقد تختار فأرة ما تناول السكر لكي تشبع جوعها للوحدات الحرارية، لا لكي تحصل على مذاقه الحلو. وهكذا كان على الفئران أن تختار إمّا الحقن بالكوكايين أو الماء المحلّى بالسكرِين. فإختارت الغالبية الساحقة من الفئران (94 بالمئة) تناول الماء المحلى بالسكرين. وحتى الفئران التي كانت مدمنة أصلاً على الكوكايين (قبل إدمانها على السكر)، عندما خُيِّرَت بين الكوكايين والسكرين، لم تَختَرْ سوى السكرين. فاستنتج الخبراء أنّ البهجة التي تُقدِّمها حلاوة مذاق السكر (وبدائله) يمكن أن تفوق البهجة التي يُقدِّمها الكوكايين، حتى لدى المدمنين على الأخير!

بشكل رئيس، أظهرت الدراسات أنّ الإدمان على المذاق الحلو ربّما يكون هو الإدمان الأصلي، لأنّ المواد المخدّرة والكحولية تتفاعل مع نفس الخلايا العصبية التي يتفاعل معها استهلاك الطعام. وفي الأصل، ساد الاعتقاد بأنّ الحصول على المتعة من خلال الطعام هو ما حفّز الإنسان القديم (في العصر الحجري) لتحصيل المزيد من الطعام الذي كان بدوره ضرورياً لبقائه. ومن الطبيعي أن تكون حبة واحدة من الفاكهة الحلوة المذاق، قد زودت إنساناً قديماً يعيش على الصيد، بالوحدات الحرارية فمكّنته من النجاة بنفسه فلم يقع بين أنياب الحيوانات المفترسة!

بأيّة حال، فإنّنا اليوم نعيش في عالم يزخر بالطعام بما يتخطى طاقات الاحتمال التي جاءت مع تلك الوجبة الأساسية البدائية!

كما ترون، الإدمان على السكر ليس إدماناً بسيطاً. وهذا لأنّه إدمانٌ غير مُستَنكَرٍ. ولأنّه غير مُستنكَر، يوجد السكر في أغذيتنا وفي حياتنا ليغوينا بشكلٍ مستمر. وقد يكون هذا هو السبب في صعوبة الإقلاع عن الإدمان على السكر.

أيضاً، يظهر بوضوح ارتفاع نسبة الإدمان على السكر من خلال البيانات الرسمية التي تجمعها الحكومة الأمريكية عن استهلاك السكر. في عام 1966، بدأت الحكومة تُسجِّل الاستهلاك المحلي للسكر. في تلك السنة استهلك الفرد الواحد 53 كلغ من السكر. وسُجِّل أعلى استهلاك للسكر في عام 1999 حيث استهلك الشخص 5ر68 كلغ من السكر.

ومنذ عام 1999، انخفض استهلاك السكر إلى حوالي 5ر64 كلغ في السنة للشخص الواحد، أي ما يساوي حوالي 48 ملعقة طعام أو 2/1 كوب من السكر في اليوم. وبالرغم من ذلك، فهذا الانخفاض الطفيف لا يمثِّل بدايةً لانخفاضٍ حقيقي يُعوِّض عن تلك السنوات العديدة التي كان فيها استهلاك السكر مرتفعاً ارتفاعاً دراماتيكياً.

 

-        كيف تعرفون ما إذا كنتم مدمنين على السكر؟

والآن، فلنتحدّث عنكم. هل أنتم مدمنون على السكر؟ قد تكونون مدمنين بالفعل، ولكنكم لم تدركوا هذا بعد. فكِّروا فيما تأكلونه يومياً. كم من طعامكم يحتوي على السكر أو المُحَلّيات الصناعية (بدائل السكر)؟ كم من الوقت يمكنكم أن تحتملوا غياب المصادر الرئيسة للسكر من غذائكم؟

فكِّروا في ذلك. هل تشربون كأساً واحداً من الصودا في اليوم، أم كأسين أم ثلاثة أم أربعة؟ بماذا تُحَلُّون قهوتكم الصباحية؟ هل تستخدمون السكر أم العسل؟ وماذا عن الدونت التي ينسجم تناولها مع شرب القهوة؟ هل تشعرون بالحاجة إلى تناول طعام حلوِ المذاق بعد الانتهاء من تناول كلّ وجبة طعام؟ هل تحتوي وجباتكم الخفيفة وغير الأساسية على السكر؟

إذا كنتم تستهلكون السكر يومياً من خلال واحد أو أكثر من المصادر المذكورة أعلاه، فهذا يعني أنكم على الأغلب تعانون من مشكلة الإدمان على السكر. إذا كنتم مدمنين، تذكّروا: إنكم لستم وحيدين.

بسكوييييت! بسكوييييت! قد يكون من المسلي واللطيف أن تُعبِّر دمية متحرِّكة بتلك الطريقة عن حاجتها الملحّة إلى السكّر! ولكن إذا فعل هذا أي أحدٍ غيرها، فلا يكون الأمر مسلياً أو لطيفاً أبداً، بل رهيباً!

 

الكاتب: نانسي آيلتون و ج.ن جيكوبز/ ترجمة: سلمى بيطار

المصدر: كتاب الانتحار بالسكر.. الطعم الحلو الذي يقتلكم ويقتل أولاكم

ارسال التعليق

Top