• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

هل من صدفة غيرت مجرى حياتك؟

تحقيق ريما كيروز

هل من صدفة غيرت مجرى حياتك؟
تتسبب في سعادة البعض وسقاء البعض الآخر يقال: "رب صدفة خير من ألف ميعاد". وفي الواقع كل منّا يعيش صدفته أكثر من مرّة في اليوم الواحد، إنما هناك صدفة معينة، أو صدفة استثنائية تهجم صوبنا من دون إنذار، وتوجيهنا إلى مسار غير الذي كنا متوجهين إليه. فهل لعبت الصدفة في حياتك دوراً من الأدوار؟ ما هي هذه الصدفة، وإلى أين قادتك؟ سواء أكانت الصدفة جميلة أم بشعة، فإنّ البعض يتوقف عندها ويتذكر إلى أين ذهبت به. البعض يأسف على صدفة غدرت به، فخرج من الدرب الذي جعلته يمشي إليه، تائهاً. وفي المقابل، هناك بعض آخر، يتذكر صدفة غيّرت حياته وجعلت الأيام التي تلتها أجمل. وبين هؤلاء من يصف صدفته بأنّها بمثابة قدر محتم، قاده إلى اختبار حياتي رُسم له من قبل ولادته في هذا الكون. بناء على ذلك، ما هي هذه الصدفة التي تستطيع أن تغير هدفاً أو نمط حياة أو حتى طباعاً وشخصية؟ الصدفة وما بعدها، هي ما نسلط عليه الضوء في هذا التحقيق.   - نصيب: بعد أن ألقت منال تحية الوداع التي ألقاها عليها ضيوفها بالمثل، راحت تتهادى في مقعدها بجانب والدتها التي تسارع إلى غمرها بشوق. تدرك منال جيِّداً، أن والدتها لم تشتق إليها، فهي لم تغب عن عينيها لحظة، إنما هي تغمرها شفقة عليها وعلى مشاعرها التي تكسرت في لحظة. تتمتم منال شاردة: "أمي ماذا حصل للتو؟ كيف انتهى الأمر؟ أين ذهب العريس؟ ماذا حصل يا أمي؟". فتجيبها والدتها بهدوء: "لا شيء يا حبيبتي، هي الصدفة التي لعبت دورها ضدك. لا أعرف كيف أشرح هذه الصدفة الغريبة، ولا كيف جاء عمك ليزورنا مع ابنته من دون موعد، لتقع عينا عريسك على ابنة عمك ويغرم بها من النظرة الأولى، ويقرر في لحظة أن يخطبها هي لا أنت". تعيد منال رأسها إلى صدر والدتها، فتربت الأخيرة بيدها عليه بحنان، وتضيف: "الحمد لله أنّ الموضوع انتهى سريعاً، ومن قبل أن يكون بينك وبين ذلك الشاب أي خطبة رسمية. انسي الأمر يا ابنتي، لا تفكري في هذه الصدفة، اعتبريها وكأنّها لم تكن".   - 180 درجة: مآسٍ بالجملة وليس بالمفرّق، حلت على مريم أحمد (طالبة طب في السنة النهائية)، كانت بحسب ما تقول بمثابة الصدف التي حولت حياتها من اتجاه إلى آخر. تخبر: "أصيبت والدتي بمرض السكري وعانت كثيراً إلى أن توفيت، وبعدها بشهر ونصف فقط، توفيت شقيقتي فجأة ومن دون أي مقدمات". تسكت مريم للحظة لتأخذ نفسها وتتابع: "مصيبتان غيرتا حياتي 180 درجة بسبب تعاقبهما الزمني بفاصل قصير من دون مقدمات أو استعداد". تصمت مريم من جديد، تغمض عينيها لتتسلح بالشجاعة وتطل بنظراتها وهي تكمل بتأثر: "كنت أعيش حياة فوضوية، لا أرى فيها إلا نفسي ورغباتي، لا أعطف على أحد ولا أساعد أحداً. أعيش وكأنّ الدنيا ملك لي وحدي، وبعدي الطوفان. لكن، عندما فقدت العزيزتين بالصدفة المقدرة لي، فهمت أنّ القدر يستطيع أن يسلب حياة الإنسان بلحظة، واكتشفت كم كنت أنانية وتافهة.. وندمت". ندم مريم، جعلها تغسل نمط حياتها السابق "بانقلاب"، بحسب وصفها، تبوح: "وعيت على حياة أخرى. بتّ ملتزمة جدّاً أمام الله والناس، أحترم الآخرين ونفسي، أقرأ القرآن الكريم وأصلي". وتختم مريم والخجل يغطي وجهها: "ليت أمي تعود لأسمع كلمتها وأطيعها".   - إصلاح: صحيح أن محمود العزة (محاسب) لم يعش صدفة أضفت تغييراً معيناً على حياته، وصحيح أنّه شخصياً يقر بأنّه لا يؤمن بالصدفة، إلا أنّه لا ينكر أنّه كان في يوم من الأيام شاهداً على قصة صديقه الحميم مع الصدفة، يسرد: " كان صديقي من الشبان الطائشين، يعيش مراهقة تكاد تكون أبدية، لا يهتم بدراسته ولا يبدي أي عزيمة على تحمل مسؤولية أي شيء، إلى أن جمعته الصدفة بأشخاص لا يعرفهم ولا يعرفونه. التقاهم في مكان كان يقصده ليتسلى ويضيع وقته، وبادروا إلى الجلوس معه من دون معرفة سابقة، فتوطدت علاقته بهم، وبادروا هم إلى لفت نظره إلى حاله، إلى أن أقنعوه بالعودة إلى دراسته". ويتابع محمود كلامه مشدداً: "تلك الصدفة التي جمعت صديقي بهؤلاء الناس، غيرت حياته وجعلته يتحول من شخص فاشل إلى آخر ناجح جدّاً ويتبوأ مركزاً متقدماً في الحياة". يشرد محمود وهو يتمتم راسماً ابتسامة عريضة: "هذا الصديق الذي أحبه كثيراً، هو مديري في العمل، وأتوقع له نجاحاً أكبر من الذي حققه إلى الآن. وكأن بذرة الاجتهاد زُرعت فيه بقوة ما بعدها قوة، وهذا غريب جدّاً".   - مخطط: من ناحيتها، ترى آمال زهر الدين (طالبة في كلية الإعلام، قسم إذاعة وتلفزيون): "أنّ الصدفة تغير حياتنا في بعض الأحيان". وتتابع مصرحة: "قبيل امتحانات الدخول إلى الكلية، حيث كنت أنوي دراسة الأدب الإنجليزي، قصدت صالوناً للتزيين النسائي مع والدتي، وبالصدفة كانت السيدة التي تجلس في المقعد المجاور هي معلمة اللغة العربية في الصف الأوّل الثانوي". ينير الفرح وجه آمال وكأنّها ترى المعلمة التي تحبها في هذه اللحظة، تضيف: "كنت أحب الآنسة هدى كثيراً، لذا ألقيت عليها التحية". تهز آمال رأسها وهي تقول: "من دون أن أطيل عليكم الكلام، خرجت مع والدتي من ذلك الصالون، وقد قررت الالتحاق بكلية الإعلام قسم إذاعة وتلفزيون". وتتابع: "ببساطة شديدة، لقد ذكرتني معلمتي بشغفي بالقراءة والشعر والأدب، وبتميزي في الإلقاء والنطق الصحيح. فرأيت أن أختار مجالاً يناسبني وأستمتع به، وها أنا في السنة الجامعية الثالثة، أحب ما أقوم به، وأعزو سعادتي إلى تلك الصدفة التي جمعتني بمعلمتي القديمة، وغيرت في لحظة مخططي للدراسة".   - حماسة: قد لا يجد أحمد فاخر (أستاذ تربية رياضية) العبارات المناسبة ليعبر من خلالها عن الصدفة الخاصة به، ولكنه يقول بثقة وعزيمة، مركزاً نظره على الشريكة التي اختارها قلبه: "حبيبتي التي تقف إلى جانبي في هذه اللحظة، هي أجمل صدفة حصلت معي في حياتي". يمعن أحمد النظر في وجه الحبيبة ويتابع: "لقاؤنا كان بالصدفة، انجذابنا لبعضنا كان أيضاً صدفة، وحتى إعلاننا الغرام لبعضنا لم نخطط له، بل جاء كذلك بالصدفة". إلا أن صدفة أحمد لم تتوقف في لحظتها، إنما وعلى حدّ قوله: "غيرت حياتي وقلبتها رأساً على عقب". يوضح: "قبل صدفة عشقي لهذه الإنسانة، كنت شاباً عادياً يسير بخطى مدروسة في الاتجاه التقليدي في الحياة. أمّا اليوم، فأراني في طريق آخر مختلف كلياً، كله حماسة وحرارة ولهفة وشوق، لم تعد حياتي عادية، بل صار لها معنى وهدف..".   - مسايرة: ليس بعيداً عن المشاعر التي جاهر بها أحمد، توقف رشا مايري (موظفة معلوماتية، متزوجة منذ 3 أعوام ونصف العام ولديها ولد وحيد) مشاعرها، وتطلق العنان للسانها بسرد صدفتها أو قصتها، تعترف: "أؤمن جدّاً بالصدفة، فارتباطي بزوجي تم بعد صدفة غريبة بعض الشيء، إنّما جميلة". يشع وجه رشا بالحماسة وهي تحكي: "حين اتفق أهلي مع أهل زوجي على خطبتنا، كان زوجي رافضاً للفكرة تماماً، وكذلك أنا، ولكن كلاً منا فكر في مسايرة أهله لبعض الوقت في هذا الموضوع من باب إرضائهم لا أكثر". تضيف: "جاء مع أهله ليطلبوا يدي، وكان جالساً في الصالون حين دخلت للتعرف إليه، وما إن التقت عينانا، حتى دب الغرام في لحظة، وكانت الصدفة الحلوة التي غيرت رأيي ورأيه". "لم يخرج من بيتنا ذلك الشاب الذي هو زوجي حالياً، قبل أن يطلب يدي ويحصل على موافقتي في ذلك اليوم". تتابع رشا ممازحة: "كانت صدفة جميلة تلك التي حصلت معي ومعه، فأثمرت زواجاً ناجحاً".   - هدف: الصدفة هي أن ألتقي بكم لتسألوني عن صدفة غيرت حياتي، وأنا كنت مع صديق منذ دقائق أخبره عن الموضوع نفسه. فهل هناك أغرب من هذه الصدفة؟". بهذا التساؤل، يبدأ خالد محسن (خبير حلويات، متزوج منذ 6 أعوام ولديه ولد وحيد) حديثه معنا. وينتقل ليتحدث عن صدفة عاشها، ولم يدر أنّه بسببها سوف يفوز بالوظيفة التي كان يحلم بها. يعترف: "كنت قد تقدمت بطلبين للعمل في شركتين مختلفتين، فحصلت على عرضين، أحدهما براتب مغر وآخر براتب عادي، فقررت في لحظة خاطفة أن أبدأ العمل في الشركة التي عرضت عليّ الراتب الزهيد". يخبر خالد قصته بحماسة، لم يسمح لنا طرح أي سؤال عن الصدفة في الموضوع كله، لكنه يضيف وكأنّه قرأ أفكارنا: "صحيح أنني عملت بأجر أقل، ولكني حسبت أن عملي هذا صدفة جميلة، فتحت لي الباب للسفر إلى بلدان العالم، حيث تعلمت فن تحضير الحلويات، لأعود خبيراً ومعلماً في هذا المجال". ويصر خالد على تسمية اختياره للعمل في هذه الشركة بأنّه "صدفة إيجابية". ويختم: "من يدري، ربّما كانت هذه الصدفة التي أتحدث عنها، هي بمثابة القدر الذي قادني من دون أن أدري إلى الهدف الذي كنت أطمح إليه".   - إيجابية: أما في رأي شيماء أبو طه (مندوبة طبية) فإنّ الصدفة "هي قدر يكتبه القدير لنا، في حين أنّ البشر يحسبونها أو يسمونها صدفة تحصل معهم في وقت محدد ومكان محدد". وإن كانت شيماء تفسر معنى الصدفة على طريقتها الخاصة، إلا أنها تقول: "في الحقيقة، أنا أؤمن بالصدفة لأنّها لعبت مرات كثيرة في حياتي، ووجهتني في دروب لم يخطر يوماً في بالي السير عليها أو حتى في اتجاهها". تفكر شيماء في صدفة عزيزة على قلبها، ثمّ تقول: "بالصدفة التقيت في أحد مراكز التسوق، برفيقة من الجامعة لم أرها منذ أكثر من 10 أعوام". الصدفة هذه، غيرت حياة شيماء، بحسب إقرارها: "لا بل تغيرت ظروف حياتي كلها، ومسيرة عملي، ذلك أن صديقتي جعلتني ألتقي من جديد بزملائنا في الجامعة، ونستعيد ذكرياتنا كطلاب معاً، وبالتالي نتبادل الأفكار والآراء والطروحات، والخبرات التي اكتسبتاها عبر السنين في العمل والحياة". "الالتقاء بصديقتي كان صدفة إيجابية وجميلة بالنسبة إليّ"، تصرّح شيماء متابعة بالقول: "لذا، وبغض النظر عن ماهية الصدفة، إيجابية كانت أم سلبية، أعتقد أنها تفتح عيوننا على أمور لم نكن نراها بوضوح. ما يفرض علينا الاستعداد بإيجابية لها، لكي تنعكس على حياتنا بإيجابية".   - استيلاء: وعلى صعيد العمل أيضاً، يذكر د. أحمد حسين (يعمل في مجال الأدوية والتجهيزات الطبية)، كيف حصل على عمله بالصدفة، يحكي: "التقيت بالصدفة بزميل دراسة، وأخبرته أنني أبحث عن عمل، فطلب مني سيرتي الذاتي ليقدمها لي في المكان نفسه الذي يعمل فيه". يستمر د. أحمد وهو متزوج منذ 3 أعوام ولديه ولدان في كلامه، فيقول: "طلبوا مني الحضور لإجراء المقابلة، واكتشفوا أنّ الوظيفة التي تقدمت للحصول عليها، يشغلها موظف آخر، فاعتذروا لي. ولكن بعد أيام قليلة رأيتهم يتصلون بي من جديد، ليبلغوني بحصولي على الوظيفة، لأن من كان يشغلها لم يستطع أن يؤمن الأوراق التي طلبوها منه". "صدفة الالتقاء برفيق الدراسة كانت إيجابية لي شخصياً، لكني لم أكن صدفة جميلة للذي استوليت على وظيفته". يكمل د. أحمد معلقاً مع شيء من السخرية، ويضيف: "المهم أنني استغليت هذه الصدفة لأقوم بالخطوة الأولى. وأقولها بصريح العبارة، إنني لولا تلك الصدفة، لكنت أعمل في مجال مختلف أو في مكان آخر".   - استعداد: أما محمد فاروق (زميل د. أحمد في العمل) فيعلن بإصرار أنّه لا يؤمن بالصدفة، مؤكداً أن "لا وجود لهذه الكلمة في حياتي". ويبدو لنا جلياً أنّه لا يمكن مناقشة محمد بهذا الأمر، ولا تغيير قناعته، فها هو يسارع إلى القول: "إنّ الناس يخلطون بين الصدفة والقدر، وفي رأيي إن كل ما يصيبنا هو مقدر لنا، ولا عمل للصدفة في ذلك ولا ما شابهها". يستدرك محمد تعليقه الأخير، قائلاً: "إذا سلمت جدلاً بوجود صدفة تغير مجرى حياتنا، فأرى أن من الضروري جدّاً أن تترافق هذه الصدفة مع الحظ، لأنّها من دونه لا تساوي شيئاً، كما علينا أن نكون مستعدين لتلقفها والإفادة منها بشكل يخدم مصلحتنا".   - في تعريف الصدفة: في سياق تعريفه لموضوع الصدفة، يقول رئيس قيم علم الاجتماع الدكتور محمد أبو العينين: "في أمثالنا الشعبية نقول رُب صدفة خير من ألف ميعاد. وفي ذلك دلالة على أنّ الصدفة هي ما يحدث من دون ترتيب مسبق، وفي الغالب تحمل معنى إيجابياً، وإن كانت لا تخلو من المعاني السلبية. فعندما أقابل شخصاً أرتاح إليه وعلاقتي معه جيِّدة في مكان عام ومن دون موعد سابق، أقول: " يا محاسن الصدف". أما إذا كان هذا الشخص غير محبب إليّ، فأقول: "يا لها من صدفة سيئة"، وأتمنى لو لم أذهب إلى ذلك المكان في ذلك الوقت بالتحديد". ويتحدث د. أبو العينين عن الفرق بين الصدفة والقدر، فيشرح: "تختلف الصدفة عن القدر، ذلك أن مفهوم القدر له بعدان: ديني وروحاني. في حين أنّ الصدفة هي حدث يقع بغير قصد أو عمد أو ترتيب مسبق، ولا تحمل في طياتها معنى المكتوب أو الحتمي". وعما إذا كانت الصدفة بالفعل يمكن أن تغير مجرى حياة أحدهم، يصرح د. محمد أبو العينين قائلاً: "نعم، يمكن للصدفة أن تغير مجرى حياة بعض الناس وبشكل كبير. فرُبَّ عاطل عن العمل لا يقرأ الصحف بشكلٍ دائم، يجد إعلاناً عن وظيفة في جريدة أمسك بها في المقهى ليتسلى، فيتقدم للوظيفة ويحصل عليها فتتغير حياته. ورُب خريج جامعي يسمع بالصدفة من شخص عابر، أنّ الحكومة أعلنت عن بعثات لاستكمال الدراسة في الخارج، فيتقدم ويحصل على الدكتوراه. ورب شاب يلتقي صدفة بفتاة، فتصبح في ما بعد شريكة حياته وأم أولاده.. وهكذا". ويسترسل د. أبو العينين في حديثه عن الصدفة، مشيراً إلى أنّه "في المجتمع، هناك بعض الناس يعولون على الصدفة، وينتظرون ضربة الحظ التي ستفتح لهم الآفاق والأبواب المغلقة وتجلب لهم السعادة أو المال. والبعض الآخر يعلق فشله وتعثره على شماعة الصدفة والحظ. ونحن نسمي النوع الأوّل اتكالياً بالمعنى السلبي، والنوع الثاني فاشلاً يخشى المسؤولية. والواقع أنّ النوعين يبالغان في ما يتعلق بالتعويل على الصدفة والحظ، لأنّه يتعين على الإنسان العمل والسعي والاجتهاد، وبعد ذلك قد يساعده الحظ، أو تؤاتيه الفرصة".   - سلبي وإيجابي: إلى ذلك، وبحسب مفهوم المعالجة والمحللة النفسية تهاني محمد: "يمكن للصدفة أن تغير اتجاه الفكر صوب السلبية أو الإيجابية، وذلك بحسب الظروف والوقائع". وتشير تهاني محمد إلى أن "أي شيء يحصل بالصدفة مع شخص ما، من الطبيعي أن يسبب له قلقاً، لكونه غير معتاد على الأمور المفاجئة، ولذلك نراه في هذا الإطار، يثبت هذه الصدفة أو يمحوها". وتتوسع مفسرة: "كل شخص يأخذ حكاية الصدفة على طريقته، مستنداً في تعامله معها على معلوماته المكتسبة من بيئته وتربيته ومحيطه وثقافته ومعتقداته. فمثلاً، هناك من يرى قطة سوداء بالصدفة فيتشاءم، في حين قد يراها شخص من مجتمع آخر ولا يلاحظها". وتكمل تهاني محمد في الإطار عينه قائلاً: "يمكن التعلم من الصدفة وأخذ العبر، ويمكن لها أن تغير الكثير من المفاهيم". وتلفت إلى "شخصيات تخاف كثيراً من الصدفة، لأنّها تعاني الخوف الاجتماعي"، مشيرة إلى أن "تلك حالة مرضية، تتركز في الخوف من أن تكون محط أنظار الآخرين". وتضيف: "النوع الذي أتحدث عنه، لا يملك القدرة على استيعاب صدفة في حياته، لخوفه من أن تتعرّض لمسلمات يتمسك بها". وفي نهاية مداخلتها، تقول تهاني ناصحة: "عندما تحصل الصدفة، بشكلها الإيجابي أو السلبي، ينبغي عدم القلق، وإنما الإسراع في الإفادة منها جيِّداً. ذلك لأنّها تغذي الشخصية بنوع من الخبرات التي يمكن التعلم منها، واستخدامها لاحقاً للمصلحة الخاصة في إطار إيجابي وحكيم".   - اختراعات صنعتها الصدفة: * مادة السكّرين أو السكر الصناعي: هي أحد الاختراعات التي وصلت إلينا بمحض الصدفة. حيث كان كيميائي يدعى كونستانتين فالبيرغ عام 1879 يعمل في مختبره سعياً للوصول إلى تركيبة جديدة لقطران الفحم. وفي ليلة عاد منهكاً لبيته وبدأ يتناول قليلاً من البسكويت الذي صنعته زوجته، ولكنه وجده حلو المذاق على غير المعتاد، ليدرك لاحقاً أنّه لم يغسل يده بعد عمله في المختبر. فعاد بحثاً عن مصدر هذه الحلاوة وبدلاً من أن يعمل على القطران خرج لنا بمادة السكرين. * شرائح البطاطا ("تشيبس"): كان الهدف من هذه الوجبة أن تكون مقلباً سخيفاً لأحد رواد المطاعم في نيويورك. والقصة تقول إنّه في عام 1853، انزعج طباخ أميركي يدعى جورج كروم من شكاوى أحد زبائنه المتعلقة بشكل البطاطا المقلية وكمية الزيوت العالقة بها. فقرر الطباخ أن يقطع البطاطا إلى شرائح بالغة الرقة، منتظراً أن يغيط الزبون المزعج بهذه الخطوة. ولكنه فوجئ بحجم الرضا وبتزايد لطلب على الوجبة اللذيذة التي صنعها، ومن هنا، خرجت لنا شرائح البطاطا بأشكالها ونكهاتها. * الميكروييف: يجب على كل شاب أعزب أن يقدم الشكر الجزيل للمخترع بيرسي سبينسر، مراقب الرادارات في البحرية الأميركية، والذي كان يعبث بأجهزة خاصة بإصدار الترددات الكهرومغناطيسية، ففوجئ بذوبان قالب من الشوكولاتة كان يحمله في جيبه. وبعد تكرار التجربة تمكن من الوصول إلى تردد معين، يسخن الطعام، ثمّ بعد توسيع تجاربه وصل في النهاية إلى فرن الميركوييف الذي نراه اليوم. * الـ"كورن فليكس": ظهرت هذه الوجبة بمحض الصدفة على يد شاب يدعى كيث كيلوج حين كان يساعد شقيقه في طبخ وجبات للمرضى. ففي يوم عمل ممل، فكر أن يضع كميات من رقائق الذرة في الفرن بعن أن قام بتجفيفها، ووجد أنّ النتيجة لذيذة بالفعل، فاحتفظ كيلوج بفكرته لنفسه، واستغلها تجارياً مجرياً تعديلات على وصفته الجديدة، لتصبح الإفطار المفضل لدى الملايين من البشر.

ارسال التعليق

Top