• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

يا أنت!

بشرى الهلالي

يا أنت!

 

في ليال ملغمة بالوحشة حلمت بك.. ومن رحم فجر مثقل بالأمنيات ولدت.. بيد تسابق الخطوة لتسلم جائزة، تحسست ملامحك.. وجه انهكته الايام، وجسد يرتدي وحدته. وكلما اقتربت أكثر كلما اكتسى وجهي بملامحك حتى صرت استشعر فيك وجع اللحظة وصوت السكون وشوق طفولة دفنت في طيات عباءة أم.. ترافقني في كل خطواتي.. وكلما اقتربت اكثر، ابتعد العالم خطوات، فيؤطرني السكون واتحول الى لوحة نابضة في عالم مجنون.. تزهر كلماتك حلما يكافح لكسر طوق الاقامة الجبرية، وحدها كلماتك تشبه حضن أمي الذي أشتاق .. وعيناك اللتان تأخذاني الى عالم لامتناهي، تبعث الدفء في أوصالي كأني أشم رائحة الطين المنبعثة من خاصرتيّ جسر المسيب. أيها الغريب.. أعد اليّ بوصلة اتجاهات اللحظة.. فقد ضيعتها في صحراء قلقي من غد لا تكون فيه.. شاسعة مسافات غربتك والرحلة محفوفة بالجنون.. أعابث شوقي الذي اندثر في غبار السنين واستعيد معك طفولة سقطت سهوا على رصيف الزمن.. وانهض من سبات خريف الفرح لالتقط حصى ملونة القيها في بركة حكاياك الملونة.. انتظرك بلهفة جندي عبر ساتر الموت.. الون ثيابي بقوس قزح ابتساماتك، واقص عليك آلاف الحكايا عن عمر تجمدت حكاياه في صقيع الوحدة، ليذيب حنينك الى سوالف الجدات، برد المسافات. كيف استطعت ان ترفع رأسي الثقيل عن وسادة الجزع وتزرع سنابل ايام ذهبية تلاقفتها مفكرتي القاتمة؟ هل باستطاعتي ان افكر طويلا؟ لا أظن ذلك.. فالذي أباح لصوتك ان يصرخ هو ذاك الذي طرق بابي ليسمعني صراخك.. حبل سري لا يمكن ان تقطعه الا لحظة الكينونة، حيث يلفظنا رحم زمن طاحن بالخوف والسواتر والجراح، الى عالم مسكون بجنون الشوق الى بر الامان. وآتي اليك.. لا املك سوى قلب استوطنته الاحزان ورفعت علمها فوق اسوار قلاعه الحصينة.. وحده الدفء الذي يحبو مستشعرا روحا هائمة استطاع ان ينفذ عبر الاسوار.. ويدك التي رسمت اشارة وهمية لتحدد خطوط الطول والعرض على خارطة تاريخي الذي توقف قبلك.. وعيناك التي وضعت حدا لموسم الجفاف فانهمر الدمع غزيرا ليروي فرحة طفل عانق ثدي أمه بعد عصرة جوع.. ياعزيزي.. يدي ازهرت قطرات ندى تغسل أحزان عينيك اللتين أرقهما ليل الخوف والتعب ووجع الغربة، وتلملم بقايا حنين بحرارة خبز التنور.. شعري أعاد تنظيم خصلاته لتتنشق أيامك عطر حنائه.. وأطفال احلامي يتراقصون عرايا في شمس قد تشرق في فجر قادم يحملك مع نسائم ليل صيفي.. ايها القادم من خلف التاريخ.. هل اطوي آخر صفحة من زمني الحاضر وألوي اذرع عقارب ساعاتي واغتال الدقائق لتتوقف عن الحساب ولتجمد اللحظة؟ فلقد أرهقني نبضها المتحجر وهو يفتح باب سجن صباحات متشابهة لاطلاق سراح مشروط. وحيدة.. أٌقف بين مراكب أرغب في احراقها خلفي واعصار قادم، لا املك الا أن أجري الى امام حيث أنت.. ساحة حرب ضد ذاكرة صدئة ولا سبيل للهزيمة.. ولم الهزيمة وعلى جانب العالم الآخر تقف أنت.. يا أنت؟! مركز النور/ جريدة الناس

ارسال التعليق

Top