يتوهم بعضهم أنّ الأدب الإسلامي يتقوقع في أحضان الماضي، وينجذب إلى الموضوعات التاريخية، وقد يرتبط شكلاً بها، سواء في مجال القصة أو الشعر أو المسرحية وغير ذلك، وآخرون يظنون أنّ الأدب الإسلامي لا يستطيع أن ينطلق إلى آفاق الإبداع الواسع، ويجوب تصور المستقبل، لالتزامه بقيم ثابتة لها من القداسة ما يجعل الخروج عليها أمراً مستعصياً، وترتب على هذه الأوهام والظنون نظرة ظالمة إلى الأدب الإسلامي ودوره وطبيعته وتأثيره وقيمه الجمالية، فعزلوا هذا الأدب - جهلاً - عن واقع الحياة والمجتمع، وعن قضايا العصر ومشاكله، وعن أشواق الإنسان الجديد وأحلامه وآماله وآلامه.
وهناك فئة حسنة النية من الكتاب الإسلاميين حسبوا أنّ الأدب الإسلامي لا يكون بهذه الصفة إلا إذا ترددت كلمة "إسلام وإسلامي" صراحة في ثناياه، وإلا إذا كانت نبرة الكاتب بالتوجيه عالية واضحة صاخبة، متناسين أنّ ذلك قد يضر بالأدب ضرراً بليغاً، ويمحو الفواصل بين ألوان الأدب المتعارف عليها، وبين فنون أخرى تتعلق بالخطبة والحديث والوعظ، والأخطر من ذلك أن إخوة لنا قد فرضوا حظراً تاماً على بعض الموضوعات كالمرأة وعواطفها والعلاقات الجنسية وغير ذلك من الأمور التي تشكل حرجاً، بالإضافة إلى الحظر المفروض على بعض العبارات أو الكلمات البذيئة التي يأباها الدين، وتنبو عن الذوق السليم، واتسع نطاق الحظر عند بعض العلماء حتى كاد يعطل وظيفة أدبية هامة في رسم بعض الشخصيات ودلالة اللفظ عند هذه النماذج، وارتباطه بنوعيتها وتصنيفها إلى جانب الشر والرذيلة والمروق.
ولعله من الواضح فيما أسلفنا من قول، أنّ الأدب من خلال التصور الإسلامي يرتبط أشد الارتباط بالمجتمع.. بالإنسان ومشاكله وعلاقاته المتطورة والمتجددة وبطبيعة الحياة التي تخضع دائماً للكثير من المستحدثات وخاصة في هذا العصر الذي نعيش فيه، وبالعصور التالية قياساً على ما نراه، ولا شك أنّ هناك العديد من الأسئلة الحائرة التي تضطرم في قلب الحياة، هذه الأسئلة لها علاقة وثيقة بتغير وسائل وأدوات الانتاج والنمو الصناعي، وبتغير توزيع الثروة، وبميزان القوى الاجتماعية في كل دولة، وموازين القوى العالمية، وبالفلسفات التي انبثقت في القرون الثلاثة الأخيرة، وما قبلها من فلسفات، وبالقيم التي تغيرت تحت إلحاح الدعوات الجديدة المارقة تحت "شعار الحرية" القوية الجذابة، وبضعف الوازع الديني في أنحاء كثيرة من المعمورة، كما أنّ تخلي المرأة عن أوضاعها التقليدية، ومزاحمتها للرجل ومنافستها له، وتخلصها من القيود والأعراف التي عاشت في رحابها قروناً عديدة، وتضخم ظاهرة ما يسمى "بحقوق المرأة"، وخروج هذه الحقوق من دائرة الأمومة المقدسة، والرسالة المنزلية الأسرية، إلى مجالات السياسة والانتاج الصناعي والحرية الجنسية، وأندية الفن واللهو والتبرج، كل هذا وذاك أوجد واقعاً جديداً أكثر حدة وشراسة، وبالتالي أكثر تعقيداً ومشاكل، فكان لابد أن تضج في مختلف الأنحاء تساؤلات ملحاحة، شغلت رجال الدراسات الاجتماعية والنفسية والتربوية والدينية والسياسية والأدبية أيضاً.
فهل في الإمكان أن يسد الأديب المسلم أذنيه عن هذه التساؤلات الصاخبة؟ إنّها ظواهر لا نستطيع تجاهلها.
إنّ تضحية الأديب المسلم بقيم الصورة الفنية (القيم الجمالية) من أجل المضمون خطر كبير، فإلى جانب إهدار مواصفات الفن، وخروجه الصارخ عن نسقه، تأتي مشكلة أخرى أعمق أثراً وهي عدم قدرته على إيصال رسالته بالطريقة الفنية الصحيحة، وخروجه من دائرة الفن إلى دائرة أخرى قد تكون الأبحاث، أو الموعظة المجردة، وهذه وتلك ساحات يشغلها غير الأديب، ويقوم بدوره فيها خير قيام.
الأديب الإسلامي لا يستطيع أن يخاصم العصر أو يهرب منه إلى عصور قديمة، والأدب الإسلامي حينما يتناول موضوعاً تاريخيّاً (قديماً) لا يهرب في الواقع من مجابهة المجتمع أو الحياة الحديثة، إنّه يتناول التاريخ وعينه على الحاضر، ففي التاريخ كنوز ثمينة من التجارب الإنسانية العامة الشاملة التي لا تموت بمرور السنين، إنّها قضايا الماضي والحاضر والمستقبل، فإذا قدم الأديب المسلم أنموذجاً أو مثلاً نابضاً عريقاً يرمز إلى قيمة من قيم الحق أو الخير أو الفضيلة وغيرها، أو صور صراعاً بين خير وشر، وعدل وظلم، وإيثار وأثرة، كان لمثل هذا العمل الأدبي تأثير إيجابياً، لما يتضمنه من جمال ومتعة وفائدة، والتاريخ واقع الأمس، وفيه قضايا متجددة هي قضايا كل عصر، ومن قال أنّ الحرب والسلام، والخير والشر، والحب والكره قضايا عصر، بعينه؟؟ إنّ المضمون لا يختلف، وإن اختلف أسلوب التناول، بل قد يختلف أو يتحور المضمون أيضاً من منظور آني، دون إخلال بقواعد التطور والثبات في الإسلام.
وليس الأديب المسلم بدعاً في تعريجه على التاريخ، فكتاب أوروبا وأمريكا قد تناولوا مثلاً الأساطير الإغريقية عشرات المرات، كل بأسلوبه الخاص، وفلسفته التي آمن بها، وفعل كتاب العالم الإسلامي المعاصرون الشيء نفسه.
أما الزعم بأنّ الأدب الإسلامي ينطلق من مقولات ثابتة لا جديد فيها. وإنّ الإنسان (القارىء أو المشاهد) يحتاج إلى الجديد.. والجديد دائماً، وهذه طبيعة الحياة، هذه المقولة في الواقع تنبىءعن سوء فهم أو سوء نية، فالأديب مهما كان مضمونه - إذا أراد النجاح - لا بد أن يقدم رؤية جديدة، إنّ مئات الألوف من القصص والمسرحيات صورت صراع الخير والشر، لكن لكل واحدة منها مذاقها الخاص، ورموز الخير والشر في الأديان السماوية تكاد تكون واحدة، نرى ذلك في "قصة الخلق" - آدم وحواء والملائكة وإبليس - كما نراه في دعوة الأنبياء والرسل إلى الفضيلة والحب والعدل والإخاء، وتترجمه ملايين الأحداث على سطح البسيطة في كل صقع وعصر، ولكن يبقى أمر هام وحيوي يتعلق بالتطور والثبات في عقيدتنا الإسلامية الكاملة، وهي الرسالة الأخيرة إلى الأرض، وقد حسمت النصوص هذه القضية الحساسة منذ البداية، اللهم إلا إذا توهمت الهرطقات الضالة أنّه في الإمكان التعديل لمنهج الله.. حاشا لله..
ولقد وضع الإسلام ضوابط وأطراً عامة لمسيرة المؤمن في نظرته إلى الكون والحياة والإنسان، وفي تناوله لقضايا المجتمع ومشاكله، وفي علاقات الإنسان وممارساته. وفي طبيعة هذا الكائن الحي الذي يمر بمراحل معينة من النمو، وتجري عليه عوامل القوة والضعف، والخوف والشجاعة، والطمع والقناعة، والصلاح والطلاح، والصحة والمرض، والفطنة والجهل، والهداية والضلال. ويبقى الحق حقاً، والخير خيراً، والشر شراً، على ضوء الهدي الإلهي، والتوجيه النبوي، وأحكام الشريعة الغراء.
ويظل القارىء يحترم قيمة "الشجاعة" مثلاً، لا كفعل مجرد، ولكن لارتباطها بقيمة من القيم الخالدة، فشجاعة المجاهد في سبيل الله، غير شجاعة اللص أو قاطع الطريق، وشجاعة الطاغية أو القائد السفاح، غير شجاعة صاحب القلب الطاهر، والفكر النير، بل إنّ شجاعة القلب (الجسور) غير شجاعة العقل (الألمعي) ورحم الله شوقي إذ يقول:
إنّ الشجاعة في القلوب كثيرة ووجدت شجعان العقول قليلاً
ليست الشجاعة كقيمة تصوراً مجرداً، ولكنها ترتبط بإيمان الإنسان، وقدرته على التضحية من أجل قضية عليا، والتفاني في إعلاء الحق، وإحياء العدل، وقهر الشر، وحماية المقهورين والمستضعفين، أي جديد وأي قديم في ذلك؟ وكيف نستطيع أن نتصور بقاء حياة إنسانية راقية دون هذه المقومات الأساسية.
إنّ القيم النابعة من الإسلام هي المقومات الأساسية لبناء حياة جديرة بأن تعاش.. وعندما تتلبد السحب، وتحارب وتسجن هذه القيم، فسيكون ذلك بمثابة إعلان عن بداية الشقاء البشري.
إذا برزت المرأة في أي عمل أدبي، انصرف الذهن مباشرة إلى غريزة الجنس، وإلى الحب بمعناه المحدود، وإلى العواطف المشتعلة، والانغماس في اللذة البهيمية، وما يتبع ذلك من تصورات وانفعالات.
والمرأة كما يقال نصف المجتمع، وهي كالرجل لها أشواقها وآمالها، وتنتابها عوامل القوة والضعف، والنصر والهزيمة، وتستقيم وتنحرف، ولها مشاكلها كعضو في الهيئة الاجتماعية، لكن رسالتها الأولى ترتبط بواجباتها الزوجية وبالأمومة، ولقد وضع الإسلام لها الإطار الصحيح الذي تسعد به، وينعكس على المجتمع بالخير والفلاح، كما أوضح لها حقوقها المختلفة في الزواج والطلاق والميراث والتعليم وغير ذلك من الأمور التي لا مجال للاستطراد فيها.
ما هو موقف الأدب الإسلامي - في تصورنا - حيال هذه القضية؟
بداهة لا يمكن أن يتجاهل هذا الجنس، وهو أمر لا خلاف عليه.
والمرأة أم وابنة وأخت وزوجة.. والمرأة قارئة وعالمة وشاعرة وكاتبة.. والمرأة طبيبة ومعلمة وممرضة ومصلحة اجتماعية، وغير ذلك من المواقع المختلفة التي حفل بها التاريخ قديماً وحديثاً، ومن يتصفح التاريخ الإسلامي ومواقف الرسول (ص) وصحابته والتابعين يستطيع أن يخرج ببعض النتائج الهامة في هذا الجانب.
حتى الانحراف في المرأة لم يكن ينظر إليه على أنّه لعنة أبدية، ولكن ينظر إليه كمرض أو كلحظة ضعف تحتاج إلى من ينهض بها أو يقويها، حتى تبرأ من آثاره ومضاعفاته، وحينما سمع عمر بن الخطاب امرأة تترنم بشعر الشوق والهيام تحت جنح الليل، لم يعاقبها على تصرفها، وإنما ذهب ليسأل عن المدة التي تستطيع المرأة أن تتحملها دون زوجها، وعندما علم بالحقيقة أصدر أوامره – كقائد- بترتيب أمور الجند بحيث يعودون لزيارة زوجاتهم من آن لآخر. إنّه اعتراف بالحقيقة وبنوازع البشر واحتياجاتهم الجسدية والروحية، لأنّ تجاهل مشاعر الإنسان واحتياجاته الضرورية فيه ظلم.
الأدب الإسلامي يستطيع أن يتناول المرأة من شتى جوانب حياتها، بشرط إلا ينزع بالقارىء أو المتلقي منازع الفتنة والإثارة والإغراء بإرتكاب الموبقات. والواقع أنّ هذا كلام قد يبدو مقبولاً في إجماله، لكن الصعوبة قد تأتي عند التطبيق، ومن ثم فهي تتراوح في مدى إمكانية النجاح من كاتب لآخر، لكن الأمر الذي يجب ألا نغفله هو: إلى أي شيء ترمز شخصية المرأة في أي عمل أدبي؟ قد ترمز هذه المرأة في قصة من القصص مثلاً إلى الطهر والنقاء، ومن ثم فإنّ الكاتب يصورها وهي تقاوم الإغراء، وتتجنب السقوط، حتى تظل متمسكة بطهرها ونقائها، وتكتمل الصورة كلما حاول الكاتب إلقاء الضوء على شخصيات "الشياطين" الذين يحيطون بهذه المرأة، ويزينون لها الإثم، ويفلسفون الرذيلة، وهي تقف بين نداء ضميرها ودينها وبين وسوسة الشهوة والإغراء، لكنها في النهاية يتحقق لها النصر على الضعف والهوى والفساد..
وقد ترمز شخصية المرأة في قصة أو مسرحية إلى بيئة منحطة، وسلوكيات متهتكة، وتسيب أخلاقي لسبب أو لآخر، والكاتب هنا لا يستطيع أن يرسم الصورة المعبرة بدقة، إلا إذا انتخب الأحداث والحوار المناسب لهذه الشخصية المبتذلة فلن يكون رداء مثل تلك المرأة إلا ترجمة لانحرافها، ولن يكون حديثها إلا تعبيراً عن فساد ممارساتها وتكوينها، ولن تتسم تصرفاتها إلا بما يثير الاشمئزاز والضيق والنفور. ولا تكون هذه الصورة دائماً دعوة إلى الاقتداء بها، والنسج على منوالها، ووظيفة الكاتب المسلم هنا أن يختار ما يثير الرفض والإدانة لهذا المسلك المعيب، لا ما يبرر الانطلاق في دنيا الحرية الآثمة، ويرى بعض النقاد الإسلاميين أنّ على الأدب الإسلامي الاقتصاد في مثل تلك الصور والمشاهد، وهذا رأي يحتاج إلى نظر، لأنّ الأمر ليس أمر "الكم" ولكن "الكيف"، فقد يكون الاستطراد والاطالة ضرورية لبسط الصورة، وتوضيح الفكرة، وتشريح السلوك المنحل، حتى يكون انطباع النفور قويّاً شاملاً، وحتى يستطيع الأديب أن يوصل رسالته إلى المتلقي بوضوح وإيجابية، أما الإيجاز فيما يقتضي التفصيل، أو الإطالة فيما يحتاج إلى اختصار وتركيز، فكلاهما يضر بالعمل الفني، ويؤثر في النتيجة النهائية، أو بلوغ الهدف النبيل الذي يطمح إليه الكاتب المسلم.
ليست القضية إذن عدد السطور أو الصفحات التي تصور اللحظات الساقطة الخاطئة في حياة المرأة الفاسدة أو الرجل الفاسد، ولكنها تعتمد على مدى الأثر الذي يتركه العمل الأدبي في نفس المتلقي.
وقد أثار أيضاً موضوع ظهور المرأة على المسرح اعتراضاً كبير لدى بعض المفكرين الإسلاميين، وقد تعرضت لهذا الأمر في كتابي "المسرح الإسلامي" الذي القيت بحثاً عنه في المؤتمر الثالث للأدب الإسلامي بالرياض، وكان موجز ما رأيته أنّه لا مانع من ظهور المرأة على المسرح، واشترطت بضعة شروط أهمها الزي المحتشم (الشرعي)، وتجنب الإثارة في الحركات المكشوفة والكلمات التي تخدش الحياء، لأنّ هناك قضايا وأموراً حساسة لا يمكن أن تقدم إلا من خلال المرأة، فضلاً عن أنّ "وضعية" المرأة في المجتمع وما يلابسها من محاذير وحرج وسلبيات لا يمكن تناولها إلا بالتواجد المباشر للمرأة.
إذا كانت الخمر محرمة، وهي أم الخبائث، فهل هذا يمنع من طرح مشكلتها وآثارها النفسية والاجتماعية والأخلاقية، من خلال شخصية سكير عربيد، تتجسد فيه مأساة الخمر؟ وإذا كان قطع الطريق، وقتل البريء جريمة بشعة ممقوتة، أفلا يجب أن نتناول هؤلاء القتلة والطغاة والمنحرفين من خلال أعمال أدبية، تهدي المتلقي إلى المواقف الإنسانية النبيلة، حيث تحترم حرية الإنسان وحقه في الحياة، فلا يعتدي عليها معتد؟
وإذا كان الزنا - صورة الجنس المنحرف الحرام - وباء خطراً، أفلا يمكن تناوله بما يستحقه من تقبيح وتنفير، وما يصاحبه من مقدمات وإغراءات وسقوط؟
والجنس في الإسلام له شرائعه وآدابه، وقد تناول ذلك بعض علماء المسلمين بقدر من الصراحة كبير، كذلك وردت بعض الأحاديث عن رسول الله (ص) مثال ذلك الحديث الذي يوصي المسلم بألا يرتمي على زوجة كالبهيمة.
إنّ تصورنا لموضوع الجنس يجب أن يكون واضحاً دون تعقيد أو غموض، لأنّ القرآن الكريم - كتابنا المقدس - عرضها في قصة طويلة، حيث تحتدم الشهوة في جسد امرأة جرئية، تتحدى القيم والمواضعات الاجتماعية، وتلهث وراء نبي الله يوسف عليه السلام، لتطفىء شعلة شهوتها وهياجها، وتعلن في تبجح أمام نسوة المدينة إصرارها على الإثم.. يقول الله في كتابه العزيز:
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ *فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ *قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ *قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ *فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) (يوسف/30-35)
والأدب الإسلامي حينما يحتفي بقضايا المجتمع والعصر. فإنّه ينهج نهج القرآن الكريم، وأحاديث نبينا المختار، صاحب الرسالة العظمى عليه الصلاة والسلام.
تبقى علاقة الأديب المسلم بمجتمعه، أية علاقة تلك؟ هل تعكس هذه العلاقة استجابة الأديب لواقع المجتمع والتعبير عما يدور فيه؟ إذا كان الأمر على هذا النحو من التصور، فإنّ دور الأديب يبدو سلبياً، وقد يبقى الأمر في هذا المجتمع على ما هو عليه من فساد، وهنا تنعدم "المسؤولية الأدبية" أو "الرسالة"، ويصير الالتزام ضرباً من الجمود على ما هو قائم، وتمجيداً لما هو راسخ، ومن ثم تزمن العلل الاجتماعية، وتنطمس معالم التغيير الإيجابي والتطوير، ويصبح الأدب بحق مجرد تسلية وترفيه، لكن طبيعة الأدب الإسلامي تنفر من هذه "الاستاتيكية" فالإسلام حركة ونمو وفعل متواتر، وصعود دائم، وغايات وآمال تتحقق، لتصب في الغاية الكبرى التي من أجلها كان خلق الإنسان على هذه الأرض، وما نقوله الآن ليس بدعاً.
"الحد الفاصل بين الأدب العظيم والأدب التجاري غاية في الدقة، فالأديب العظيم يستطيع أن يؤثر في مجتمعه، وأن يكتسب رضاه دون أن يخضع لإرادة هذا المجتمع، بل ربما استطاع تحقيق ذلك وهو يقف معارضاً للمجتمع، والأديب التجاري وحده هو الذي يتملق الجماهير، ويخضع لها، ويترك إرادته تذوب في إرادتها، الأول هو الذي يؤدي دور الأديب الحق في مجتمعه، حين يتأثر بهذا المجتمع ثم يحاول التأثير فيه، وهو تأثير له خطورته، لأنّ له خطته وهدفه، أما الثاني فلا يمكن أن يكون عامل دفع في مجتمعه، لأنّه سيترك المجتمع يدور في نطاق ذاته..".
إنّ علاقة الأدب الإسلامي بالمجتمع علاقة وطيدة، وهي تستمد خيوطها من التصور الإسلامي العام، ولا ينظر الأدب الإسلامي إلى المجتمع "نظرة دونية" مهما تعاورت ذلك المجتمع نوب الفساد والانحلال والضلال، فالمسؤولية المقدسة في عنق الأديب المسلم تجعله يهدف أول ما يهدف إلى تحقيق السعادة والتوازن النفسي لدى الأفراد، واعتدال الموازين بين فئات المجتمع، والانطلاق من موقف إيماني صحيح والنظر إلى سوءات الحياة الاجتماعية نظرة الطبيب لمريضه، حيث تقتضي هذه العلاقة الحب والفهم والولوج إلى القلوب لتحقيق الثقة والإيمان والأمل والقناعة الخاصة، ومن ثم يتولد "الموقف" الإيجابي.. الموقف الذي يتحول إلى ممارسة وتغيير للأفضل.
المصدر: مدخل إلى الأدب الإسلامي
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق