• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإسلام دين شامل

السيد حسن الشيرازي

الإسلام دين شامل

حتى اليوم يعتقد كثير من المسلمين: أنّ الإسلام دين نزل من السماء، ليربط قلب الإنسان بالله، بواسطة الصلواة والصيام، وسائر الشعارات الدينية، التي تدعو إلى التقشُّف من مناهج الحياة، وتحبّذ الانزواء والحرمان.
كما أنّ بعض المسلمين يعتقد: أنّ الإسلام دين الرجعية والخمول، الذي يوجه الناس إلى الوراء، ويحرم عليهم التقدم والانطلاق. وهناك من يزعم: أنّ الإسلام دين الكبت والتزمّت، الذي يكبل الناس بالقيود العقائدية والشرعية، ويكبحهم عن التحرّر والوثوب. وهناك آراء تتهم الإسلام بكل ما يروق للمستعمرين أن يتهموا به الإسلام.
بينما الواقع: انّ الإسلام نظام عرفه الإنسان، وليس مجموعة من الشعارات العبادية فحسب، وانما هو استجابة عامة، لجميع حاجات الإنسان ونداءاته، واتباع كامل لكافة غرائزه وشواغره، كما أنّه درس الإنسان دراسة واعية، فرآه كائناً حيّاً ينتقل من داره الدنيا إلى داره الآخرة، وموجوداً مركباً يجمع شهوات الأرض ومطامح السماء، فلم يخلص اهتمامه للآخرة وحدها – كما تفعل الرهبنة المسيحية – ولم يكرِّس نشاطاته للدنيا وحدها، كما تعمل المادية الملحدة، وإنما سن بينهما طريقة عادلة، تستجيب لرغبات الروح والجسم، فقال القرآن الكريم:
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة/ 143).
وقال أيضاً:
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (القصص/ 77).
وحذّر الإسلام من التحيّز لأحد الجانبين بقول الرسول الأكرم (ص):
"لا رهبانيّة في الإسلام".
وفي قول الإمام زين العابدين (ع):
"ليس منّا من ترك دنياه لآخرته، ولا من ترك آخرته لدنياه".
وعلى هذا الضوء نجد إلى جانب النظام العبادي في الإسلام، النظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي والنظام السياسي والنظام الثقافي والنظام العسكري، وكل ما يؤمِّن حياة الفرد والدولة والمجتمع.
وقد برهن الإسلام على مدى امكاناته وصلاحياته التقدمية، عندما هبط في المجتمع الجاهلي، الذي كان أكثر المجتمعات تأخراً وانحطاطاً، فإذا به يصبح المجتمع المثالي، الذي يحلم به الإنسان، وإذا بالركب الإسلامي يصبح النقيضة الأولى في مقبض الزمام؛ حيث يقود قافلة الشعوب إلى الأمام. فالحضارة الإسلامية كانت نواة الحضارات الحية اليوم، والمسلمون فتحوا نوافذ العلم على العالم، في وقت شديد التبكير، عندما كان العالم يرتطم في الظلام. فقد نشروا المعارف التي تلقوها من الله والرسول، والأئمة المعصومين (ع)، وترجموا ثقافات الهند واليونان والفرس والروم، وأسسوا المعاهد العلمية الضخمة، أينما حطت لهم قدم، حتى أطلق على نوابغ الفكر الإسلامي: "آباء العلم الحديث – بحق وجدارة –.
كما أنّ التنظيم الإداري، الذي تبنّاه الإسلام – رغم أنّه كان يمتاز بالبساطة المتناهية – نجحَ في احراز أوسع المكاسب والانجازات، حتى استطاع أن يخلق من الشعب الجاهلي أقوى الرؤساء السياسيّين، الذين قادوا الشعوب، وملكوا الحكومات، وحتى تحدث عنه أحد ساسة اليوم فقال:
"إنّ الدولة الإسلامية في الأندلس كانت أدق وأنظم من أنظم دولة من الدول الحديثة".
وبهذه الدقة الواعية، حرص الإسلام على إيجاد الضمير للمجتمع، وخلق الوازع الديني للفرد المسلم، ليساهم بنفسه في اشاعة الأمن والاطمئنان، وصيانة التوازن الداخلي، في سبيل تكوين مجتمع هادىء وديع، تتوارى فيه الجرائم، وتنقشع عنه المظالم، حتى لا يحتاج النظام في تصفيتها إلى التوسل بالقوة.
وبعد هذه المناعة الذاتية، التي حصّن الإسلام بها المجتمع، وفّر عليه أوسع الحريات الممكنة، فمنحه حرِّية العمل والعقيدة والرأي والتعبير في حدود لا تربك مقاييس المجتمع.
ولنفس السبب نجد أنّ الأقليّات، التي عاشت في ظل الإسلام، ونعمت بحرياته الوفيرة، جعلت تحارب بني عقيدتها في صفوف المسلمين، في عديد من الحروب.
وأما هذا التأخر الذي أصاب المسلمين، والذي يتخذه البعض دليلاً على تأخر الإسلام نفسه، فلم يحدث إلا عن تمرد المسلمين على الإسلام، وعدم تنفيذه في واقعهم الراهن، كما عبّر معروف الرصافي عن ذلك بقوله:
يقولون في الإسلام ظلماً بأنّه **** يصدّ بنيه في طريق التقدم!
فإن كان ذا حقاً فكيف تقدّمت **** أوائله في عهده المتقدم؟
وإن كان ذنب المسلم اليوم جهله **** فماذا على الإسلام من جهل مسلم؟
أفهل يصح بعد ذلك، أن نتهم الإسلام، بأنّه دين التقشف والحرمان، أو دين الرجعية والكبت والقيود؟؟.

المصدر: كتاب التوجيه الديني

ارسال التعليق

Top