• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العلاقة القانونية بين الدولة والاقليم

محمد محمدطاهر آل شبير الخاقاني

العلاقة القانونية بين الدولة والاقليم


تعتبر نظرية الاقليم حقاً عينياً للدولة تتصرف به تصرفاً مطلقاً وتتناسب هذه النظرية مع الإقطاعية وسار على هذه النظرية كوريت من فقهاء الأنجلوسكونيين ودوناتو دوناتي من فقهاء الايطاليين وتكون هذه العلاقة نظير علاقة المالك بملكه بنحو الأمر الاعتباري.
وهناك بعض فقهاء القانون الدولي اكتفى بالسلطنة عن استقرار الملكية كما هي نظرية جروسيوس وقال أنّه من الممكن أن تكتسب السيادة على شيء دون أن يكون صالحاً بطبيعته الملكية فقد ميز بين السلطنة والملكية فقد ميز بين السلطنة والملكية كما سار عليه فقهاء الشيعة إلا أنهم يرون السلطنة من آثار الملكية ويقول فقهاء القانون الدولي إذا كان الاقليم لا مالك له فيحتاج إلى وضع اليد وتوافر نية التملك.
وقال الدكتور محمد طلعت أنّه لو شبهنا حق الدولة على الاقليم بحق الملكية لصعب علينا أن نميز هذا الحق من غيره من حقوق الملكية التي للأفراد على الاقليم.
وكأنّ الدكتور قد ميز بين الحق والملك وبهذا سلك بعض فقهاء الشيعة بالفزق بين الحق والملك ولكن كل ذلك يتبع فيه المورد والخصوصية كحق الأولوية في التحجير فإنّه حق وليس بملك إذ الملكية لا توجد إلا بالاحياء.
ويرى الفقه السوفييتي أنّ الملكية محمية بواسطة القانون.
ولكن الذي يبدو أنّ الملكية بعد استقرارها يقرها القانون وليس القانون مثبتاً للملكية إذ الملكية ناشئة من ذلك الفعل الخاص الذي أوجده من كل الموجب والقابل.
وتوجد نظرية ثانية حيث تقول بأنّ الاقليم لا يمكن أن يعتبر منفصلاً عن الدولة فهو عنصر من طبيعة الدولة ذاتها ويعد جزءاً لا يتجزأ منها.
وعند أصحاب هذه النظرية أنّ الأقليم ليس مجرد نطاق جغرافي وإنما هو عنصر جوهري في الدولة.
وهناك نظرية ثالثة وهي نظرية الحد ويعرفون الاقليم بأنّه الإطار الذي تمارس في داخله سلطة الدولة.
وتوجد نظرية رابعة وهي نظرية الاختصاص وهي المنسوبة إلى رادينتسكي سنة 1905 وتقبلتها المدرسة النمسوية وهذه النظرية تشمل النطاق للدولة وقد سارعلى هذه الفكرة الفقه الدولي الحديث.
ولا تخلو هذه النظريات الأربع من الملاحظات القانونية.
وقد فرق الأنجلو سكسوني بين التخوم الدولية وبين الثغور فالتخوم عبارة عن الخط الذي يحدد المدى الذي يستند إليه اقليم الدولة والثغر هو منطقة أو مساحة من الأرض تترك حجازاً بين اقليمين كما هو بين البصرة وخوزستان والتخوم بالمصطلح العربي الحدود ويرى القانون الدولي أن مسألة الحدود ظهرت في القرن السابع عشر إلا أنّ الذي نلاحظه من البند الثامن من المعاهدة مع رسول الله (ص) في بيعة العقبة الثانية قد تضمنت كون المدينة حرماً آمناً بالنسبة إلى جميع القاطنين على اقليمها إلا أنّ الذي يبدو أنها ليست مرتسمة بنحو القانون بكونها حدوداً كما نلاحظها في مكة وحرمها.
ولكن يمكن أيضاً أن تستبعد الحدود عن طريق الأراضي المفتوحة عنوة وأخذ الجزية من الشعب الذي دخل في حيازتها الاقليمية.
كما روى عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق (ع) رسالته عن الأنفال فقال هي القرى التي خربت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول وما كان للملوك فهو للإمام (ع) وما كان من الأرض الخربة التي لم يوجد عليها نخيل ولا ركاب وكل أرض لا رب لها وذيله يشمل سواحل البحار وشطوط الأنهار وإن لم تكن مواتاً.
وبمقتضى ظهور الرواية أنّ الاقليمية ثابتة عند الاعلان الحربي مع الدول المجاورة أو كانت تلك البلاد قد أعلنت الإسلام من غير اقدام عليها بسيف فتكون في حيازة الدولة الإسلامية وأما قوله سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107)، لا يصادم التمديد لأنّ المنع من التقبل الإسلامي حصل منهم ولسنا في حاجة إلى الاستفادة من الحرم المكي لأنّها أدلة خاصة في تلك المنطقة ولم يكن الدليل عاماً للاقليمية في الدولة الإسلامية كما أن زين العابدين في دعائه بقوله اللّهمّ احفظ ثغور المسلمين يدل على التحديد الاقليمي القائم على الاستيلاء وعلى الاقليم فقد اكتسب المسلمون البحار الجنوبية وآلاف الجزر في المحيط عن طريق الاستيلاء.
وذهب الشافعي إلى أنّ الأرض التي فارقها أهلها بقتال تقسم على الغانمين.
وذهب مالك أنها تصير وقفاً على المسلمين حين غنمت ولا يجوز قسمها.
أما في صورة انجلاء الكفار خوفاً فذهب مالك إلى أنها تصير بالاستيلاء عليها وقفاً وقيل بل لا تصير وقفاً حتى يوقفها الإمام لفظاً.
أما لو استولى عليها المسلمون صلحاً فذكر الماوردي أبوالحسن في الأحكام السلطانية والولاية الدينية أن هذه الصورة على ضربين:
أحدهما أن يصالحهم على أن ملك الأرض لنا فتصير بهذا الصلح وقفاً لدار الإسلام ولا يجوز بيعها ولا رهنها ويكون الخراج أجرة لا يسقط عنهم باسلامهم فيؤخذ خراجها إذا انتقلت إلى غيرهم من المسلمين، وقد صاروا بهذا الصلح أهل عهد فإن بذلوا الجزية عن رقابهم جاز إقرارهم فيها على التأييد وإن منعوا الجزية لم يجبروا عليها ولم يقروا فيها إلا المدة التي يقر فيها أهل العهد وذلك أربعة أشهر ولا يجاوزون السنة وفي إقرارهم فيها ما بين أربعة أشهر والسنة وجهان.
الضرب الثاني أن يصالحوا على أنّ الأرضين لهم ويضرب عليها خراج يؤدونه عنها وهذا الخراج في حكم الجزية متى أسلموا سقط عنهم ولا تصير أرضهم دار الإسلام وتكون دار عهد ولهم بيعها ورهنها وإذا انتقلت إلى مسلم لم يؤخذ خراجها ويقرون فيها ما أقاموا على الصلح ولا تؤخذ جزية رقابهم لأنهم في غير دار إسلام.
وقال أبو حنيفة قد صارت دارهم بالصلح دار إسلام وصاروا به أهل الذمة تؤخذ جزية رقابهم فإن نقضوا الصلح بعد استقراره معهم فقد اختلف فيهم مذهب الشافعي – رحمه الله – إلى أنه إن ملكت أرضهم عليهم فهي على حكمها وإن لم تملك صارت الدار حرباً وقال أبو حنيفة إن كان في دارهم مسلم أو كان بينهم وبين دار الحرب بلد للمسلمين فهي دار إسلام يجري على أهلها حكم البغاة وإن لم يكن بينهم مسلم ولا بينهم وبين دار الحرب بلد للمسلمين فهي دار حرب وقال أبو يوسف ومحمد قد صارت دار حرب في الأمرين كليهما.
وذكر الفقيه اليزدي في تعليقه على المكاسب قوله على أن تكون الأرض الخ أقول هذا أحد أقسام أرض الصلح التي هي أقسام الأرضين الثاني من أقسام أرض الصلح أن يكونوا صولحوا على أن تكون الأرض للإمام (ع) وهذه ملحقة بأراضي الانفال. الثالث أن يكونوا صولحوا على أن تكون الأرض لهم وعليهم كذا وكذا من المال أو الثلث أو الربع أو نحوهما من حاصل الأرض وهذه المسماة بأرض الجزية.
ولا يخفى أن هذا القسم يتصور على وجهين أحدهما أن تكون الأرض لهم وعليهم كذا وكذا من المال أو الثلث أو الربع أو نحوهما من حاصل الأرض وهذه المسماة بأرض الجزية ولا يخفى أن هذا القسم أيضاً يتصور على وجهين أحدهما أن نكون الجزية على الرؤوس وإن كانت مقدرة بنصف الحاصل وثلثه أو نحوهما ولازمه أنهم لو باعوا من مسلم أو كافر أن تكون الجزية عليهم لا على المشتري.
الثاني أن تكون الجزية من باب حق في الأرض بحيث لو باعوها كانت على المشتري لكن المشهور مع كون، ظاهرهم القسم الثاني.
فالاستيلاء الاقليمي يقع على أربع نقاط كما أوضحها فقهاء المسلمين:
1- الاستيلاء في دور الحرب.
2- الهجرة بدون حرب المصطلح بحسب القانون الدولي فقد الاقليم وهو تركه مباحاً.
3- المصالحة.
4- اعلان الاقليم الإسلام طوعاً.
كما حدث ذلك في الطائف مع رسول الله (ص) وجعل على أهلها العشر أو نصف العشر.
أما ترك الاقليم فإن كان بنية العودة فتكون السيادة مستمرة لتلك الدولة وإن كان الترك لا بنية العودة فالسيادة منقطعة.
ويذكر علماء الشيعة أنّ الترك إن كان قهرياً فلا عصمة بينه وبين ما كان تحت يده وإن كان الترك اختيارياً فالعصمة موجودة إن كان من نيّته العودة لاستصحاب الملكية.
وعلى ضوء ما ذكرنا أنه يمكن انفتاح الحدود إذا كان ضغط على المسلمين أن يهاجروا إلى مناطق الحرية كما في قوله تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء/ 100)، فإنّ الالتزام بالخروج إلى تغيير الوطن يعطي الكشف عن طبيعة الأرض للمسلم ما كان له القدرة على إقامة الأنظمة الإسلامية فيكون التحديد أخذ بنحو الدلالة الالتزامية دون الدلالة المطابقية.

- مقومات الدولة:
تقوم الدولة على عناصر ثلاثة:
1- الشعب.
2- الاقليم.
3- التنظيم السياسي.
وأضيف إلى العناصر الثلاثة السيادة والاستقلال وقال (سيرجون فيشر وليافر) إن ما هو سيادة ليس بقانون وما هو قانون ليس بسيادة) وتعتبر السيادة قرينة القانون الدولي.
والمقصود من السيادة للدولة أن يكون لها الحرية في التصرف خارج اقليمها وداخله إلا، أنه في إطار ما يقره القانون الدولي.
ويعرف كوينسي رايت السيادة بأنها المركز القانوني لوحدة تخضع للقانون الدولي وتعلو على القانون الداخلي.
ويرى بوتر أنّ السيادة لا تستبعد الخضوع للقانون من حيث هو وإنما تستبعد الخضوع لقانون من صياغة الغير أي لا تقبل الخضوع لإرادة العير إلا إذا كان ذلك الخضوع إرادياً.
وحيث إنّ الإسلام بعين كونه عقيدة تكون تبع دولة وأنها ناشئة عن مبدأ العلوية والسيطرة الإلهية فلابدّ أن تكون لها السيادة المطلقة والاستقلال التام.
ويقول فقهاء السوفييت إنّ السيادة هي أحد العناصر البورجوازية التقدمية في القانون الدولي، ومع ذلك فإنهم يؤكدون أنّ السيادة لها صفة طبقية شأنها في ذلك شأن الدولة وقد أصبحت السيادة الآن عنصراً تقدمياً في الدول الاشتراكية فقط ويعرف مكوروفين السيادة بأنها سلاح في صراع القوى الديمقراطية التقدمية ضد القوى الرجعية الامبريالية.
وعرفها بوليانسكي أنّ السيادة هي السلطة العليا التي لا تحدها سلطة أخرى وتتمتع باستقلال داخل الدولة وخارجها.
وعند الملاحظة نجد التناقض واضحاً بين القول بأنّ السيادة من العناصر البورجوازية وكونه السلاح التقدمي ضد الرجعية الامبريالية.

- تقسيم الدولة:
يحدثنا حافظ غانم في قوله ولا يهمنا من وجهة نظر القانون الدولي العام إلا تقسيم الدول إلى بسيطة ودول مركبة وإلى دول تامة الأهلية ودول ناقصة الأهلية وما عدا ذلك من التقسيمات يتعلق بالحكم الداخلي فنحيل دراسته إلى كتب القانون الدستوري.
والمراد من الدولة البسيطة التي لها القدرة على إدارة شؤونها الداخلية والخارجية سلطة واحدة..
والمقصود من الدولة المركبة هي التي تتركب من أكثر من دولة ترتبط معاً برابطة مشتركة ويمكن دخول الدولة المركبة إلى الاتحاد الحلفي المعبر عنه في الفقه الإسلامي بالدول المتعاهدة وهي ما تكونت من عدة دول مستقلة وللاتحاد الحلفي أنواع كالاتحاد الأحزابي والاتحاد من نوع خاص مثل الكومنولث البريطاني واتحاد الجمهوريات السوفييتية إلا أنّ الجمهوريات السوفييتية ليست لها سيادة بخلاف دول الكومنولث فإن لها سيادة.

المصدر: كتاب علم الاجتماع بين المتغيّر والثابت

ارسال التعليق

Top