أ. د. دولار محمد صابر
◄لقد أظهرت نتائج الباحثين – في الرابطة الأمريكية لبحوث السرطان – أنّ المركبات المتواجدة في بذور العنب تعيق نمو الأورام في المستقيم والقولون (Colorectal) في الفأر، ولاحظ الفريق الذي قام بهذه التجارب أن مستخلص بذور العنب يعيق أيضاً نمو أنواع أُخرى من الأورام.
هذا وقد نشر هؤلاء الباحثون تقارير في 18/10/2006 تظهر أنهم تمكنوا لأوّل مرة الكشف عن تأثير المستخلص في السرطان، وأنّ مستخلص هذه البذور قادر على خفض نسبة 44% من أورام المستقيم والقولون. هذا قدرة من لا يغفل ولا ينام، من خالق ثمار العنب؟ إذن لمن الفضل؟ أليس ذلك كله لله..!! أما السبب في قابلية مكونات بذور العنب في هذا التأثير الملفت للنظر هو أنّ تلك المركبات تزيد من توفير البروتين ذات الأهمية والمسمى بـcip1/p21 في خلايا الورم والتي تجمد دورة الخلية (Cell cycle) وهنا يقصد بالتجمد أي توقف دورة الخلية وهذا التأثير يدفع الخلايا السرطانية إلى التدمير الذاتي.
ويقول (راجيش أغارول) وهو حامل شهادة الدكتوراه وأستاذ في قسم العلوم الصيدلانية في جامعة كولا رودو مركز علوم الصحة في دنفر (Denver):
لا يعني أن تسارع الناس لشراء العنب واستخلاص بذورها وتناولها، فإنّه وفريقه سوف يحددون الجرعات التي تفي بالغرض وتفيد العلاج، ربما خشية آثار جانبية لا يعرفونها حتى الآن. وفي الحقيقة أعطي مستخلص بذور العنب إلى فئران مصابة بسرطان في منطقة المستقيم والقولون (colorectal cancer) عن طريق أنبوبة ليلاحظوا تأثيره. فلُحظَ بعد (8) أسابيع أن نمو الخلايا السرطانية قلت بنسبة 44% وزناً وحجماً في هذه الحيوانات مقارنة بحيوانات السيطرة (control).
ويقول الفريق الطبي الآنف الذكر: إننا علمنا الآن أنّ مكونات بذور العنب تهاجم الخلايا السرطانية، ويمكن استخدام مستخلصها لهذا الغرض، ولكن علينا أن نعرف كيف تعمل المركبات الموجودة في البذور وما هي آلية عملها؟
لقد وجد هؤلاء الباحثون أنّ جلد العنب (أي الغشاء الرقيق الذي يحيط بثمرة العنب) وكذلك بذور العنب يُعدان مصادر غنية بمواد بروانثو سايانيدينات (Proanthocyanidins)، وتعد هذه المركبات مركبات (مضادة للأكسدة)، وتحتوي البذور أيضاً على مركبات الفلافينويندات والتي تعمل على إزالة (الأصول الحرة للأوكسجين) الضارة للخلايا، هذا حيث أنّ الأوكسجين يُعد العنصر الأساسي اللازم لإتمام حدوث احتراق المواد التي يستخدمها الجسم للحصول على الطاقة الحرارية والحركية والحيوية عن طريق التفاعلات الكيمياوية الحيوية، وتتراكم نتيجة هذه التفاعلات – مواد ضارة بالجسم – وهي من نواتج الاحتراق وتدعى بالجذور الحرة (Free radicals)، ونظراً لعدم وجود مصرف مباشر لها (أي للجذور الحرة) في الجسم فإنها تتراكم وتجتمع مع بعضها مشكلة مواد مختلفة تؤثر على المواد الدسمة والبروتينات فتحرض على نشوء الخلايا الشاذة – السرطانية – والتبدلات الخلوية المسببة للشيخوخة الباكرة، والتهاب المفاصل وتصلبات الشرايين والتهاب الجملة القلبية الدورانية (القلب والأوعية).
تعمل الجذور الحرة على LDL الجوال في الدم، فتجعلها تترسب بسهولة على جدار الشرايين فتقوم بتصلبها وغلقها، كما تسبب انقباض الشرايين مما يزيد من سرعة الانسداد التصلبي، وبالتالي يعيق دوران الدم ضمن الشرايين.
وتقوم مضادات الأكسدة بتحطيم الجذور الحرة بطريقة عجيبة، فهي تحتل مكاناً في جزيء الـLDL أي (Low density lipoproteins) أي البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة ويسمى بالكولسترول الضار، وتنتظر فيه حتى قدوم هذه الجذور، وعندئذ إما أن تحطمها أو أن تمنع دخولها في هذا الجزيء. كما أنّ مضادات الأكسدة تجول في الدورة الدموية وتعمل كمنظف شوارع (زبّال) فتتصيد جميع العناصر المخربة قبل الوصول إلى هدفها وخصوصاً الجذور الحرة، لذلك كلما كان تناولك لهذه العناصر المضادة للأكسدة أكثر كلما كانت حالتك الصحية أفضل وأكثر أمناً في المستقبل.
والأفضل أن تحصل على هذه المواد (أي مضادات الأكسدة) عن طريق الغذاء لكي لا يتجاوز مقدارها المقادير الدوائية فينقلب تأثيرها إلى تأثير سمي. ويجب الحذر منها عند إعطائها كمعالجة معيضة كما يقول (الدكتور عبدالملك الكزبري) اختصاصي في الأمراض الداخلية والقلبية والأوعية الدموية مؤلف كتاب غذاء المرضى: (تعطى هذه المعالجة عندما لا يضمن الطبيب أن يتناول مريضه مقداراً كافياً من الأغذية الحاوية عليها).
إذن العنب ومنتجات عصير العنب الطازجة يعدّان من المصادر المهمة لصحة القلب خصوصاً في خفض مستوى الكولسترول في الدم، والسبب هو لاحتوائها على مضادات الأكسدة كما ذكر آنفاً. ويقول الدكتور آغارول: لكون بذور العنب تحتوي على كميات أو تراكيز عالية من المركبات المهمة الآنفة الذكر لصحة الإنسان، بدأت الشركات بتسويق تلك البذور بشكل واسع وذلك لدعم كثير من الأغذية أي لإضافة مسحوق هذه البذور إلى الغذاء، وعلى المرء أن يطحن هذه البذور طحناً جيِّداً حتى تصبح كالطحين العادي وإلا فإنها تخدش الجهاز المعوي.
وجد الباحث أغارول السابق ذكره مع فريق الباحثين في عام 1999، أنّ مستخلص البذور يعمل كمانع كيمياوي (Chemopreventive) لسرطان الجلد. ثمّ إنّ الأبحاث السريرية برهنت على أنّ مستخلص بذور العنب لها قابلية فعالة في إعاقة نمو الخلايا السرطانية في البروستات.
واختبر الباحث أيضاً تأثير مستخلص بذور العنب على سرطان القولون، وهذا النوع من السرطان هو العامل الآخر من العوامل الوراثية للوفاة في أمريكا. وقد تم تعريض الخلايا السرطانية لشخصين مصابين بسرطان القولون والمستقيم (colorectal carcinana) إلى مستخلص بذور العنب، فَوُجِدَ أنّ هذا المستخلص قد أعاق نهائياً نمو تلك الخلايا السرطانية، وبشكل معتمدٍ على الوقت والجرعة، وهذا يعني أنهم وجدوا الجرعة الفعالة والوقت اللازم لإعاقة نمو تلك الخلايا. سبحان الذي خلق لنا نعماً لا تعد ولا تحصى، فحمداً له جلّ وعلا.
والأغرب هو أننا نعلم أنّ الخلية السرطانية لها دورة للإنقسام أو التكرار، وأنّ مستخلص بذور العنب يعيق النمو السرطاني في الخلايا وبذلك يعيق عمل هذه الدورة. فوجدوا انّه كلما طال استخدام مستخلص البذور كلما ازدادت توقف الخلايا السرطانية عن نشاطها في المرحلة الأولى من دورة الخلية (Cell cycle) – وفي هذه المرحلة تستعد عادة الخلية لتكرر نفسها (أي لتتكاثر) وتنقسم إلى خليتين أن تكرر دنا المادة الوراثية (DNA) – والنسبة القليلة من الخلايا تصل بذلك إلى مرحلة الـ(د) في دورة تكرار الخلية.
وقد تمت دراسة هذا التأثير للمستخلص على الجزيئات المنظمة لعملية الانقسام والتي تسيطر على انقسام الخلية، فوجد أنّ مستخلص البذور أعاقَ نمو الخلية، وأنّ إعاقة انقسامها تعتمد على الجرعة المستخدمة من المستخلص، حيث أنّ الجرعة الأعلى يكون تأثيرها أقوى على الكبح، أي تمنع نمو الخلايا أكثر، وزيادة جرعة المستخلص تزيد من بروتين cip1/p21 وهذا البروتين كما ذكرنا سابقاً يوقف دورة الخلية ويجمدها، إذن فزيادة هذا البروتين مفيدة لإعاقة نمو الخلايا السرطانية وتدميرها. والغريب أنّ كمية cip1/p21 تزداد زيادة عجيبة تصل إلى (150) مرة بعد (12) ساعة من العلاج بمستخلص بذور العنب، هكذا توصل الدكتور أغارول إلى هذه النتائج المدهشة. إذن من هو خالق البروتين الآنف الذكر؟ أليس الله خالق البروتين الآنف الذكر؟ هل هناك خالق غير الله؟ وإلا فمن أعطى الإيعاز لهذا البروتين أن يسير هذا المسار العظيم؟
في الواقع لُحِظَ أن مستخلص بذور العنب ينشط من خلايا Th1 cell في أنابيب الاختبار وبذلك يتقوى جهاز المناعة، لقد اتضح أنّ للفلافينويدات (Flavonoids) – الموجودة في مستخلص بذور العنب – تأثيراً مضاداً للفيروسات والأورام الخبيثة. وهناك أبحاث جارية على قدم وساق في هذا المجال في مستوى الجزيئات لمعرفة آلية فعل الفلافينويدات ضد الفايروسات والأورام السرطانية وبشكل دقيق. وقد افتُرض أنّ الفلافينويدات الموجودة في مستخلص بذور العنب تمتاز باحتوائها على مركبات البروسايانيدينات (Procyanidins) والتي تبدي تأثيراً فاعلاً ضد الأورام السرطانية والأورام الخبيثة، وهناك أمر في بالغ الأهمية وهو أنّ تلك الخلايا تحتوي على جين مشفر لبروتينات نووية (أي عن طريق هذا الجين تتكون بروتينات في نواة الخلية) وفائدة الجين المشفر هي تكوين البروتين الذي يسمى بالبروتين الكابث P53 – وهو يحفز انتحار الخلايا السرطانية – مما يوقف النمو السرطاني، إذن هذه البروتينات تساعد الخلايا في أنها توقف نمو الخلايا السرطانية، ووجد الباحثون أنّه حتى في حالة غياب هذه البروتينات (P53) في الخلايا السرطانية – طبعاً P53 يحاول السيطرة على الخلية بإيقاف النمو السرطاني – فإنّ مستخلص بذور العنب يمنع نمو الخلية السرطانية، أليس هذه الدفاعات التي منحها الله لنا في الأغذية تستوجب الشكر والسجود له؟!
يقول الباحث الدكتور أغارول: هذه الأنباء الآنفة أنباء طيبة وتبشر بخير لأنّ معظم أنواع خلايا السرطان تفقد البروتين P53.
أنا أتعجب كيف أنّ الإنسان يكون ملحداً في هذه الدنيا؟ ألا يدل كل هذا العالم بهذه الدقة المتناهية في هذه الخلية على وجود خالق؟؟!!
وهناك آلية أخرى لبذور العنب تمنع بواسطتها الخلايا السرطانية من النمو، وهي كالآتي:
هناك إنزيمات تتحكم في عملية انقسام الخلايا، وفقاً لآلية جزيئية دقيقة تسمى تلك الإنزيمات بـ(Cyclindependent kinases) وبصورة عامة تدعى بإنزيمات (الكينيز)، وكذلك هناك بروتينات لها علاقة بتلك الإنزيمات تدعى بـ(Cyclin proteins) أي أنها مفيدة جدّاً في الحالة الطبيعية أي عندما تكون الخلية سليمةً. وفي الحالات الطبيعية فإنّ إنزيمات (الكينيز) تحفز الخلية للدخول في مراحل الانقسام المختلفة من خلال جينات محددة بالخلية، تشفر لتكوين الإنزيمات المحفزة لانقسام الخلية والمعروفة بإنزيمات الكاينيز.
يتم تحفيز إنزيمات الكاينيز لانقسام الخلية بدقة متناهية في ضبط الاحتياج الخلوي من الانقسام، مما يوجد معدلاً مقنناً من الانقسام وفق الساعة البيولوجية الجزيئية للخلية، ويستمر هذ النظام الجزيئي في العمل ما دامت الجينات المشفرة لتكوين إنزيمات الكينيز سليمة ولم تصب بعطب جيني، وفي حين حدوثه بجينات التشفير الكينيزي (الجينات المسؤولة عن تشفير إنزيمات الكاينيز)، فإنّ ذلك يؤدي إلى فقد الخلية لميكانيكية ضبط الانقسام الخلوي الذي تحتاجها الخلية، وتصبح الخلية في حالة لا تَحَكُّم في عمليات الانقسام الخلوي، مما يشجع الانقسام اللانهائي للخلية، وبذلك تتحول الخلية من خلية سوية إلى خلية سرطانية. أما عند إصابة الخلايا بالسرطان فمستوى هذه الإنزيمات تنخفض والبروتينات الآنفة الذكر بشكلها الطبيعي فتدخل في سلسلة من الطفرات الوراثية للجينات المشفرة فتتكون إنزيمات كاينيز مطفرة والتي تكون في وضع التشغيل بشكل دائم، أي تخرج من عقالها، مما يؤدي إلى دخول الخلية في طور انقسام متكرر وغير منتهٍ.
إذن هذا يعني أنّ الخلايا نتيجة للإنزيمات الطافرة تفلت من عقالها وتتكاثر الخلايا بصورة غير طبيعية، فما هو العلاج في هذه الحالة؟ الأطباء يصفون أدوية من خلالها يثبطون ويبطلون عمل هذه الإنزيمات الكاينيز الطافرة والخارجة عن عقالها. تثبط هذه الأدوية حدوث الإشارات الخاصة بدخول الخلية في دورة انقسام متكرر دون توقف. هذه هي خصائص الخلايا السرطانية.
ونعود لدور بذور العنب، فماذا تعمل هذه البذور؟ وهل لها دور في منع هذه الإنزيمات الطافرة من العمل؟ نعم لكون مستخلص بذور العنب تزيد من بروتينات cip1/p21 زيادة كبيرة، وكما علمنا فإنّ في هذه البروتينات الكفاية لمنع نشاط إنزيمات الكاينيز الطافرة من هيجانها وبهذه الطريقة فإنها تسيطر على (Apoptosis) أي موت الخلايا موتاً مبرمجاً، إذن ألا تستحق هذه البذور عدداً من جوائز نوبل؟ من عَلَّمَ تلك البذور النظام؟ هل إنها صدفة؟ فالله خلق الداء والدواء، علماً بأنّ استخدام الكيمياويات تضر الصحة كثيراً ولها آثار جانبية كثيرة. والبذور تعمل بأمان ولا تكلفنا أموالاً ولا تؤثر فينا سلباً، وهذا فضل الله على عباده.
مستخلص بذور العنب وضغط الدم العالي:
قامت مجموعة من الباحثين بدراسة تأثير مستخلص بذور العنب في المرضى المصابين بضغط الدم العالي (Hypertension)، وكانت هذه أوّل دراسة سريرية أنجزت لحد الآن لبيان مدى فائدة هذا المستخلص في تلك المرضى، حيث أجريت هذه الدراسة على (24) مريضاً وكانوا ذكوراً وإناثاً، وأخذ بنظر الاعتبار العوامل التي تزيد من مخاطر أمراض القلب كوزن الجسم، وزيادة البطن، وارتفاع الدهون والكوليسترول، والمصابين بمرض السكر، وقد تم تقسيم المرضى إلى ثلاث مجموعات، وتتكون كل مجموعة من ثمانية مرضى.
المجموعة الأولى تلقت العلاج المموه أي تعطى لهم كابسولات مثلاً فيها مواد غير نشطة علاجياً كأن يكون الكابسول حاوياً على سكر الحليب (اللاكتوز). والمجموعة الثانية والثالثة تلقت (150) ملغم و(300) ملغم على التوالي من مستخلص بذور العنب. وقد تم قياس الضغط أوتوماتيكياً وسجل القياس لمدة (12) ساعة إثر تناول مستخلص بذور العنب. وحيث إنّ المجموعتين اللتين تناولتا مستخلص بذور العنب، شهدت انخفاضاً في متوسط الضغط الانقباضي والانبساطي (12) ملم و(8) ملم على التوالي مقارنة بالعلاج المموه.
وقال الدكتور ساهيليان (Sahelian) بعد هذه النتائج المشوقة، أنّ هذه الأنباء مشجعة جدّاً، وأنّه لفكرة جيدة إذا تناول الشخص يومياً (100) ملغم من مستخلص بذور العنب.
مستخلص بذور العنب ووقاية الكروموسومات من ضرر التأكسد:
إنّ مستخلص بذور العنب يمنع بيروكسيد الهيدروجين – الذي ينشأ في الجسم – من إلحاق ضرر بخلايا (Lymphoplastoid). فالكروموسومات المعالجة مسبقاً بمستخلص بذور العنب يدفع الضرر في الكروموسومات بالمادة المؤكسدة القوية (بيروكسيد الهيدروجين (H²O²، ووجد أنّه نسبة منع الضرر تعتمد على تركيز الجرعة المستخدمة من مستخلص بذور العنب.
إذن بعد كل ما سلف ألا يستحق العنب وبذوره أن يقول تعالى عنه في سورة النحل: (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) (النحل/ 67).
إنّ صفات العنب وبذوره السالفة الذكر تحير العقل، إذن خلقُ من هذا؟ إرادة من هذه؟ ألا يستوجب كل ذلك أن نشكر الباري عزّ وجلّ على هذه النِعَم التي لا تنضب؟
المصدر: كتاب قبسات علمية من القرآن والسنة
ارسال التعليق