• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف يمكن تزكية النفس؟

الشيخ هلال حسين العماني

كيف يمكن تزكية النفس؟

يعتقد البعض من المؤمنين القاعدين والعاملين أنّ تزكية النفس لا تتحقق إلّا عبر قنوات خاصّة، والقنوات التي يفترضها هؤلاء هي... الإكثار من الصلوات المستحبة إضافة إلى الواجبة، والإكثار من الصيام المستحب وخاصّة في الأيام التي لها خصوصية في الصيام، ولا شك في كون ذلك إضافة إلى الواجب.

وكذا الإكثار من العمرة وزيارة العتبات المقدسة والحج وتلاوة القرآن الكريم، وختمة لأكثر من اثني عشر مرة في الشهر، والإكثار من إخراج الصدقات، ومساعدة الفقراء والمساكين، وكثرة قراءة الكُتُب الدينية، وحضور الندوات والجلسات الفكرية، والتثقف بالثقافة الإسلامية والمواظبة على حضور صلاة الجماعة. والإكثار من قراءة الأدعية والمناجاة والأذكار، والمواظبة على حضور مجالس العترة الطاهرة (ع).. إلخ .بمعنى أن يحاول المرء أن يتزوّد قدر الإمكان من الخير، بحيث يكون همه مُنصباً على البحث عن كلّ عمل مرغوب أو مندوب أو مرجح من قبل الشريعة المقدسة ويعمل به طلباً لـ(تزكية النفس).

ولكن ترد في المقام مجموعة من الأسئلة .

هل تحصل التزكية بالعمل بجميع المستحبات وترك جميع المكروهات أم أنّها تحصل بالعمل ببعضها؟ فإذا كان بجميعها فهل يُعتبر العاجز عن تحصيلها وتوفيرها ناقص التزكية؟

وإذا كان ببعضها فمَن يحدد أنواع العبادات التي منها تحصل التزكية؟

ثم هل التزكية متوقفة على الكم أم هي متوقفة على الكيف؟

الجواب..

إنّ الذي أمر العباد بالتزكية، لا شك ولا ريب قد وضع البرنامج والعناصر المؤدية لها، ولا شك في أنّه وضع المنهاج المناسب لتخطي حواجز الحياة المانعة عن تحصيل التزكية أو إتمامها .

عليه لابدّ من الرجوع إلى مصادر التشريع ليخبرونا طُرق تحصيل التزكية، بدلاً عن الاعتماد على "الاستحياء" و "التدبّر" فقط والاستقلال بهما عن مصادر التشريع المبارك .

مصدر التشريع سيجيب:

من المعلوم عند جميع المسلمين، وكما هو من المسلّمات عندهم، بأنّ أفضل الشهور عند الله هو شهر رمضان المبارك، بل وأنّ أيامه ولياليه وساعاته تعتبر من أفضل أيام وليالي وساعات السنة .

"أيها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة، والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات..".

وانطلاقاً من أفضلية كلّ الأوقات الرمضانية الإلهية يتوجه المسلم إلى تحصيل أكبر قدر ممكن من العبادات، فتراه يتحيّن الفرص لتفطير الصائم، ويخرج في هذا الشهر من الصدقات أكثر مما يخرجه في مجموع شهور السنة، ويحرص على تلاوة القرآن وختمه لأكثر من مرة .

وإذا كان مقصراً في بقية أيام سنته عن أداء الصلاة في وقتها، فإنّه يحرص على أدائها في وقتها أيام شهر رمضان المبارك، وفي هذا الشهر الشريف، يحرص على وصل ما قطع من الرحم، وإصلاح ما فسد من حياته، والصلح مع كلّ من خدشت علاقته معه، والمواظبة على إعادة العلاقة متينة وقوية مع السماء بقراءة الأدعية، وإحياء ليالي الشهر المبارك وخاصّة ليالي العشر الأواخر منه.

أفضل الأعمال:

ولكن السؤال المهم الذي يرد في المقام..

ما هو العمل الأفضل من هذه الأعمال الرائعة الجيِّدة، بحيث لو أتى به الفرد المسلم فقد حصل على الجائزة بل الجوائز الإلهية الممنوحة في يوم عيد الفطر؟

قال عليّ (ع): "قلت يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر (يعني رمضان)؟

فقال: يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله...".

فلاحظ كلمات الخاتم (ص) حيث لم يقل إنّ أفضل الأعمال التلاوة أو مساعدة الفقراء أو الصدقة أو بناء البيوت، أو كسوة الفقراء، أو توزيع المؤونة عليهم، أو إقامة ولائم الإفطار، وأمثال ذلك من الأمور المستحبة الجميلة المحبوبة لدى الشارع المقدس، بل قال: أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله وبعبارة أخرى، إنّ الأمور العبادية التي ذكرناها في معرض الحديث، وقلنا إنّ معظم المسلمين يتوجّهون إليها في شهر الله المبارك، لم تكن سوى أُموراً إيجابية، التي يندفع المسلم والمؤمن لتحقيقها، إلّا أنّ النبيّ الخاتم (ص) ضرب على وتر الأعمال السلبية  الذي مفاده "الاجتناب" و"الارتداع" و"الترك" و"الابتعاد" و"الهروب منه".

 

المصدر: كتاب التزكية

ارسال التعليق

Top