إن نظرة القرآن إلى العلوم الطبيعية ليست نظرة جامدة أو قاصرة، إنما نظرته طبيعية جمالية "تهز القلوب هزاً وتوقظ فيها حاسة الذوق الجمالي العالي. التي تنظر إلى الجمال نظرة تجريدية فتراه في الصخرة كما تراه في الثمرة"
فالعلوم الطبيعية لا تحيا إلا بقدر ما تملك من نسق وجمال لنظرياتها.
وبذلك نجد أن القرآن يربط بين العلوم الطبيعية والنسق الجمالي.
قال تعالى: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج) (سورة ق/ 6).
وهذا الجمال الذي يشير إليه القرآن مع عدم الخلل في الكون يعطى معنى الإتقان والتناسق والترابط بين أجزاء الكون والتي أصبحت من مطاليب النظر إلى الكون فيجب على العلماء ألا يغفلوا هذا الجمال الذي يجعلهم أمام صنع الذي أتقن كل شيء صنعه. قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (سورة القمر/ 49). وقوله: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) (سورة الملك/3).
وهذا يدل على أن كل شيء خلق في هذا الكون بقدر معلوم واتساق واتزان دقيق، وبهذا نلمح الإبداع والجمال في الكون الذي هو مصدر من مصادر العلوم الطبيعية.
قال تعالى: (الذي أحسن كل شيء خلقه) (سورة السجدة/ 7).
فنظرة إلى السماء وما بها من نجوم وإلى القمر في منازله والشمس في جريانها وغروبها وشروقها. وما هو مبثوث في الكون من صور جمالية، تضفى على الكون روعة وجمالاً، يثير في النفس في كل أن مباهج الروعة والإتقان.
وإذا كان الجمال صفة من صفات الطبيعة، فإن يعطى الحقيقة العلمية مقياسها الأساسي ويضفى على النظرية كمالها.
ويعلن "هايزنبرج Heisenberg" "إن الجمال في العلوم الدقيقة والفنون على السواء، هو أهم مصدر من مصادر الاستنارة والوضوح، ولقد لاحظ ذلك فيما يتعلق بميكانيكا الكم حيث أعلن أن النظرية مقنعة بفضل كمالها وجمالها التجريدي" يضاف إلى هذا نظرية النسبية والتي يشيد بها "شرودنغر Schrod X inger 1887: 1961" فيقول "إن نظرية اينشتين المذهلة في الجاذبية لا يتأتى اكتشافها إلا لعبقري رزق إحساساً عميقاً ببساطة الأفكار وجمالها".
إذن أصبح الجمال معياراً أساسياً في الفيزياء المعاصرة لدرجة أنه يقدم على التجربة.
يقول "بول ديراك Poul Dirac" "إن وجود الجمال في معادلات العالم أهم من جعل هذه المعادلات تنطبق على التجربة".
هذا الجمال في الكون مقصود فيه قصداً وليس من قبيل الفوضى "لأنه من الصعب أن يرى المرء كيف أن مثل هذه الظروف الابتدائية الفوضوية. يمكن أن ينشأ كون مستو منظم بالمقياس الكبير يمثل ما هو عليه كوننا في الوقت الحالي"
هذا حق لأن الذي بث الجمال في الكون هو الله سبحانه وتعالى والله لا تسري عليه الأمور الفوضوية ولا على كونه الذي خلقه، بل أنه يطالبنا بالنظر إلى الكون لنخرج ما به من جمال في ثوب نظريات.
قال تعالى: (أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج) (سورة ق/7,6).
وقال تعالى: (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) (سورة الفرقان/ 61). وقال تعالى: (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) (سورة الحجر/ 19). هذا الجمال لم يقتصر على جزئية معينة في الكون. بل أنه يشمل السماء وما بها والأرض وما عليها، فهو تخصيص أكد التعميم في النظرية الجمالية في الكون.
وليت الأمر اقتصر على هذا بل نجد الآيات تتحدى أي إنسان مهما أوتي من علم أن يأت أو يظهر ولو خلل واحد في هذا الكون، وله أن يكرر النظر مرة تلو الأخرى فسوف يرجع إليه البصر خاسئا وهو حسير.
قال تعالى: (الذي خلق سبع سماوات طباقاً ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت، فأرجع البصر هل ترى من فطور، ثم أرجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) (سورة الملك/ 4,3).
ألم تعط هذه الآيات الاتساق والاتزان والثبات لهذا الكون بصورته الجمالية، لأنه لو كان هناك اضطراب أو خلل في الكون، فإن العالم لم يستطع أن يصيغ نظرياته لعدم استقرار الكون.
إذن أصبح الجمال هو الفيصل في النظريات وتفسير الحقائق، لأن الجمال هو الذي يبث الحياة في العلم. وللجمال ثلاثة عناصر أشار إليها الفزيائيون يلخصها اينشتين Einstein بقوله "النظرية تكون أدعى إلى إثارة الإعجاب كلما كانت مقوماتها أبسط/ والأشياء التي تربط بينها أشد اختلافاً وصلاحيتها للتطبيق أوسع نطاقاً".
وهذه العناصر هي البساطة والتناسق والروعة، فالبساطة والضخامة كلتاهما جملاً، لأن الباحث يؤثر البحث عن الحقائق البسيطة والحقائق الكبيرة، أما التناسق فيقول "أينشتين" لا علم من غير الاعتقاد بوجود تناسق داخلي في الكون، أما الروعة فقد أثبتت النسبية روعتها غير العادية بإلقائها الضوء على علم الكونيات والفيزياء الفلكية وميكانيكا الكم" هذه العناصر الثلاثة عناصر جمالية نلحظها في أجمل النظريات العلمية.
ومن ثم أصبح الفيزيائي وغيره في حاجة لكشف الجمال في الطبيعة، الذي أصبح جزءاً أساسياً في العلوم الطبيعية ودليلاً على وجود إله خالق مدبر.
المصدر : أسس المنهج القرآني في بحث العلوم الطبيعية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق