فطر السماوات والأرض، وفلق الحب والنوى، وأخرج الحي من الميت، والميت من الحي، وفلق الإصباح، وجعل الليل سكناً، والشمس والقمر حسباناً، أنشأ الخليقة من نفس واحدة، وبدأ خلق الإنسان من طين، وركبه من نطفة وأبدع الكون بكلمة (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) (لقمان/ 11).
جعل الشمس سراجاً، والقمر نوراً، والنجوم هداية، والليل لباساً، والنهار معاشاً، والسماء سقفاً محفوظاً، والأرض قراراً، والجبال أوتاداً، والماء حياة، جعل البحر أمواجاً، وأنزل من المعصرات ماءً ثجاجاً، وأنشأ الخليقة قروناً وأفواجاً. (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون/ 14).
أنزل من السماء ماءً، وأخرج من الأرض نباتاً، وجعل منه حباً متراكباً، وأنشأ زيتوناً ونخلاً، وحدائق غلباً، وفاكهة وأباً، وعنباً وقضباً. (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (السجدة/ 7).
كسى العظام لحماً، واللحم جلوداً، وألبس البهائم صوفاً ووبراً، حمى العيون بالحواجب، والآذان بالصماخ، وخلق الإنسان في أحسن تقويم. جعل له عينين، ولساناً وشفتين، وهداه النجدين. (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) (الإنفطار/ 7-8).
خلق الماء حياةً، وأهلك به قوم نوح (ع)، وأوجد النار منفعة، وأحرق بها أعداءه، وكوَّنَ البحر رزقاً، وأغرق فيه فرعون وجنوده، وأرسل الرياح لواقح، ودمر بها عاداً. (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (القصص/ 68).
يحب المدح جل في علاه، ويستحق الثناء لا نعبد إلا إياه، من مدحه فإنّما زكّى نفسه، وشرف ذاته، أكرم مكانته، ومن أثنى عليه فإنما اعترف بالجميل، وأقر بالإحسان، وقام بأقل الواجب.
تبّاً لمن مدح البشر وغفل عن مدح مولاه، وسحقاً لمن أثني على الناس وترك الثناء على خالقه.
الاعتراف بألوهيته احترام للعقل، وموافقة للفطرة، واتساق مع الناموس، واتباع للمنهج، وإكرام للمصير، وإنقاذ للروح، وإسعاد للمثوى، وتصديق للنقل، واتباع للمعصوم.
لو كانت الأشجار أقلاماً، والبحار مداداً، والسماوات ألواحاً، والخلائق يُملون الثناء، ويكتبون المديح، لكانوا فيما يستحقه مقصرين وفيما يجب له منقطعين، وبالعجز عن القيام بشكره معترفين. ذلك بأنّ كل نعمة جلت أو دقت، كبرت أو صغرت، ظهرت أو خفيت، فهي منه سبحانه لا إله إلا هو.
ترنيمات التسبيح بحمده تيجان على رؤوس المسبحين، وزجل التهليل أوسمة خلود على جباه الموحدين.
أثنى على نفسه؛ فإذا مدح الشعراء في غيره زيف.
ومدح ذاته؛ فإذا مقامات الإطراء في سواه هراء.
أين إلياذات التبجيل، حتى تُنظم في علاه؟! أين ملاحم التقديس حتى تسطر في حمده؟! أين الخطب الغراء، والقصائد العصماء لتلقى في بساط وحدانيته؟!.
أف لمن كتب ولم يجعل رضاه مطلباً، وتباً لمن أنشد ولم يجعل شكره مقصداً.
يا حسرة على العيون إذا لم تدمع من خشيته، وعلى القلوب إذا لم توجل من عظمته.
يحار العقل في خلق الإنسان كيف خلقه وسواه وعدله؟! في أي صورة ما شاء ركبه؟! أسمعه وبصره؟! وأنطقه وعلمه؟! أحياه وأماته؟! أنامه وأيقظه؟! عافاه وأمرضه؟! أشبعه وأجاعه؟! أسقاه وأظماه؟! أغناه وأفقره؟! هداه وأضله، أسعده وأشقاه؟! أفرحه وأحزنه؟! أعطاه ومنعه؟! لا إله إلا هو.
عالَم النبات: آية من الآيات، نجم وباسق، حلو وحامض، صنوان وغير صنوان، أحمر وأخضر، أبيض وأسود، لين وقاسٍ، أجرد وشائك، طويل وقصير، مثمر وغير مثمر، حار وبارد (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) (لقمان/ 11).
عالَم الحيوان: دليل على عظمة الرحمن، منها من يمشي على بطنه، وعلى رجلين، وعلى أربع، طائر وزاحف، أليف ومتوحش، مسالم ومحارب، بحري وبري، ذو خف وظفر، وذو ريش وجناح، وذو وبر وصوف (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (السجدة/ 7).
حكم الزمان والمكان، خلق الإنسان والحيوان، داول الليالي والأيام، غاير بين القرون والأعوام، سقى بكأس الموت أرباب النعيم، أذاق طعم الهلاك الهرم والفطيم، أشاب النواصي، أخذ الراتعين في المعاصي.
كم من مترفٍ في عهد ربيع، وفي أمن وديع، طرقه بالدمار في الأسحار، وزلزله بالنقمة في بغتة.
ملأ الدور حبوراً، والصدور سروراً، ثمّ ملأ أجفانها عبرات، وأذاقها ويلات.
أعطى الحدائق زخرفها، والبساتين زينتها، ثمّ جعلها هشيماً تذروه الرياح.
أخرج المرعى، ثمّ جعله غثاءً أحوى، هو الأسمى والأعلى والأقوى.
الله: القوة القاهرة، والقدرة النافذة، والحكمة البالغة، والحجة الدامغة.
حقِّق توحيده، وأخلِص عبادته، أقِم شرعه، تدبَّر أسماءه وصفاته، اقرأ قدرته في مخلوقاته، انظر حكمته في آياته.
هل عرفته بآلائه؟ هل ذكرته بأوصافه وأسمائه؟ هل شكرته على نعمائه؟
هل حمدته على حسن بلائه؟.
الله: يهيج الموج على أهل السفينة فينادون: يا الله. يضل الأعرابي في الصحراء ويهتف: يا الله. تدور دائرة الحرب فيردد المجاهدون: يا الله. يتململ المريض على فراشه، فيصرخ: يا الله – يصيب الناس الجدب المهلك والقحط المتلف، فيستغيثون: يا الله.
ناداه أولياؤه في بدر فأنزل النصر، ودعوه في أحد: يا أحد يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد، فأنزل المدد وأخزى من كفر وألحد.
دعوا في الأحزاب فأنزل الملائكة كالسحاب، واقتلع بالريح خيام المشركين والقباب.
أشار محمد بن واسع بسبابته يوم كابل فنصر المسلمين، وفتح على الموحدين، وأعز الدين، فكانت سبابته بقدرة مولاه أبلى من جيش.
في عين جالوت، كادت الرسالة تموت، فهتف قطز: واإسلاماه فهتفت الحناجر يا الله؛ فأعلى الله كلمته، ونصر دعوته، وهزم التتار، وأنزل عليهم صنوف الدمار، وللكافرين العار.
إذا جعت أطعمك، وإذا ظمئت أسقاك، وإذا مرضت شفاك، وإذا ابتلاك عافاك. (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر/ 60)، حقّق توحيده، خف وعيده، صدق أقواله، تدبر أفعاله، أكثر ذكره، أدِم شكره (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم/ 7).
المصدر: كتاب (العَظَمَة)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق