إنّ من الأمور الأساسية التي يجب على الكتاب والمثقّفين الإسلاميين ودعاة الإسلام ايضاحها وبيانها هي المغالطات التي يحاول خصوم الفكر الإسلامي، أو المخدوعون بالفكر المادي المنحلّ، أو الذين اختلطت عليهم المفاهيم فتغلّب الخلط وسوء الفهم وعدم التمييز بين ما هو إسلامي يقوم على أسس القيم والمبادئ الإسلامية، وبين ما هو عادات وتقاليد اجتماعية متخلّفة نشأت في مجتمعات المسلمين المتخلِّفة، والتي تتناقض مع روح الإسلام ومبادئه ومناهج تنظيمه للمجتمع، وأسس العلاقة بين الرجل والمرأة، فراحوا ينسبون عن جهل أو عمد كل ما يشاهدونه في مجتمع المسلمين إلى الإسلام. ولابدّ لنا هنا من أن نشير إلى أنّ هناك فرقاً بين مجتمع المسلمين القائم الآن، وبين المجتمع الإسلامي الذي يجب أن يقوم على أساس الإسلام.
لقد كان للمرأة دور بارز وخطير في مسيرة الدعوة الإلهية وحركة الأنبياء والمرسلين (ع)، فقد ساهمت المرأة في الكفاح الفكري والسياسي، وتحمّلت التعذيب والقتل والهجرة وصنوف المعاناة كلّها، وأعلنت رأيها بحرية، وانضمّت إلى الدعوة الإلهية رغم ما أصابها من خسارة السلطة والجاه والمال، والقتل والتشريد. والذي يدرس تأريخ المرأة في الدعوة الإلهية، يجدها جهة للخطاب كما هو الرجل، من غير أن يفرِّق الخطاب الإلهي بينهما بسبب الذكورة والأنوثة. وبدراسة عيّنات تأريخية من حياة النساء في مسار الدعوة الإلهية، نستطيع أن نفهم الموقع الرائد والفعال الذي شغلته المرأة في حياة الأنبياء ودعواتهم، فتتجلّى قيمة المرأة في المجتمع الإسلامي، ومشاركتها الفكرية والسياسية، وحقوقها الإنسانية والقانونية. من المسائل الأساسية التي وضعت للنقاش والحوار الفكري والحضاري في القرن العشرين هي مسألة حقوق المرأة، ومنها المشاركة في الحياة السياسية، والعمل السياسي. وممّا يثير الاستغراب أنّ أولئك المنادين بحقوق المرأة السياسية يوجِّهون التهمة إلى الفكر الإسلامي، والمعتقدات الإسلامية، ونعتها بأنها أفكار ومعتقدات تحرم المرأة من المشاركة في الحياة السياسية، وتمنع عليها العمل السياسي. ودعموا مزاعمهم تلك بالأوضاع الاجتماعية والسياسية التي يشاهدونها في البلدان الإسلامية، من غير أن يفرِّقوا بين الإسلام كنظام وشريعة ومبادئ، وبين الكثير من أتباع الإسلام الذين لا يمثِّلونه في سلوكهم السياسي والاجتماعي، وأنّ الذي يشاهدونه في مجمع المسلمين، هو مختلف عمّا ينبغي أن يكون في المجتمع الإسلامي، فصورة المرأة في مجتمعات المسلمين تلك، وطريقة التعامل معها، وقيمتها في المجتمع في مساحته المخالفة للإسلام هي وليدة تصوّرات ومفاهيم نشأت عن أعراف وتقاليد وممارسات اجتماعية لا تمثِّل الإسلام، لا سيّما الموقف من المرأة في الحقل العلمي، والثقافي، والاجتماعي، والسياسي، وعلاقتها بالرجل. إنّ السياسة في الفكر الإسلامي تعني رعاية شؤون الأُمّة في مجالاتها الحيوية كافّة، وقيادة مسيرتها في طريق الإسلام؛ لذا فهي مسؤولية اجتماعية عامّة، كلّف بها المسلمون جميعاً. وتلك المسؤولية هي في مصطلح العلماء واجب كفائي، يتوجّه فيه الأمر والخطاب لعموم المسلمين، بغضّ النظر عن كونهم رجالاً ونساءً إلا ما ورد من استثناء. مثل قوله تعالى: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى/ 13). ومثل قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (النور/ 55). وقوله: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ) (النساء/ 59). وفي كل تلك الآيات يتوجه الخطاب فيها إلى عموم المسلمين رجالاً ونساءً، فإقامة الدِّين بعقيدته وبكامل أنظمته السياسية والاجتماعية والتعبّدية... إلخ، هي مسؤولية الجميع، وخطاب الطاعة لأولي الأمر الوارد في الآية التي تحدّثت عن الطاعة هو متوجّه إلى جميع المكلّفين، والوعد بالاستخلاف متوجّه إلى كل الذين آمنوا وعملوا الصالحات رجالاً ونساءً. وقوله تعالى في سورة الممتحنة، الآية 12: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (الممتحنة/ 12)، ممارسة عملية ودليل قرآني نفّذه الرسول (ص) في حياته التبليغية والسياسية، على قبول بيعة المرأة لوليّ الأمر بل ووجوبها، فانّ البيعة في هذه الآية هي بيعة طاعة لوليّ الأمر، على الالتزام بأحكام الشريعة وقوانينها، والإقرار بولايته، وتمثِّل البيعة أبرز مصاديق الحقوق السياسية في المجتمع الإنساني. ولعلّ من أوضح الأدلة على دور المرأة السياسي وحقوقها السياسية في الإسلام، ما جاء في آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآيات الولاية والولاء العامة الدلالة والشاملة للرجال والنساء. وقد دخلت المرأة المسلمة ميدان السياسة على عند رسول الله (ص)، كما سجّلت آية البيعة ذلك، فقد دخلن الميدان السياسي، وشاركن في الحياة السياسية. من هذه النصوص نفهم مقام المرأة وشخصيّتها في حياة النبي (ص) ودعوته، والموقف النبوي هذا يمثِّل في المفهوم الإسلامي أرقى تقييم لمكانة المرأة الإنسانية واحترام شخصيتها. ويمكننا ان نكتشف من خلال البيان القرآني والتاريخي الموجز هذا أنّ المرأة في مفهوم القرآن والرسالة الإلهية هي حاضنة عظماء الأنبياء (ع)، والمكلّفة بحفظهم، والعناية بهم، والوقوف إلى جنبهم، تجسّد ذلك جليّاً في حياة إبراهيم وموسى واسماعيل وعيسى (عليهم السلام). المصدر: مجلة الرياحين/العدد61 لسنة 1432 هجريمقالات ذات صلة
ارسال التعليق