• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ذكرى القرآن والإسلام

الشيخ محمّد أمين زين الدِّين

ذكرى القرآن والإسلام

◄ذكرى ليلة القدر إنّما هي ذكرى القرآن كتاب الله الكريم، بل وذكرى الإسلام دين الله العظيم.. فهي ليست ذكرى بالمعنى الذي يعرفه الناس حين يُطلقون هذه الكلمة، وحين يقيمون الاحتفالات والذكريات، إنّها ليست ذكرى حادث مرَّ وجوده، ومرَّ تأريخه، وإنّما تُقام ذكراه ليستبقى بعض آثاره.

ليست ذكرى شيء انتهى أمده من الوجود، لتبقى عظمته خالدة في القلوب. ولكنّها تعهّد صلة، وتجديد ميثاق، وإحكام عهد. إنّها تعهّد المؤمن صلته بالكتاب الذي صدّق، وبالدِّين الذي آمن، وإنّها تجديد ميثاقه لربّه الذي أخذه عليه في عالم الميثاق، ثمّ انطبع في كيان هذا المخلوق، وفي أغوار نفسه، طاقة قوية تستمدّ منها ركائز الفطرة، ونوراً هادياً تقتبس منه براهين الفكرة:

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (الأعراف/ 172-173).

إنّها تعهّد صلة...، وتجديد ميثاق لم يَهِن ولم يتزلزل، وإحكام عهدٍ...، ولم يُنقَض مبرمه،... ولكن هكذا يريد الله لعبده المسلم، أن لا تزداد صلته به إلّا قوّةً، وأن لا تزداد عقيدته بتوحيده إلّا رسوخاً وثباتاً، وأن لا يزداد إيمانه بدينه إلّا إشعاعاً وانطلاقاً، وأن لا تزداد عزيمته في جهاده دون عقيدته، ودون دينه إلّا شدّةً ومضاءً، وأن لا يزداد صوته في الدعوة إلى الله والهداية إلى سبيله إلّا علوّاً وارتفاعاً:

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات/ 15).

(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (المائدة/ 7).

هذه هي ذكرى ليلة القدر ـ أيّها الأخوة ـ، أو بالأحرى هذه هي ذكرى القرآن في ليلة القدر.

وليكن معنى نزول القرآن في ليلة القدر ما يكون، وليقل علماء الحديث وعلماء التفسير فيه ما يقولون.

ليكن معنى ذلك أنّ هذه الليلة المباركة أنزل فيها أوّل نجم من نجوم القرآن، كما يرى البعض، أو أنّ القرآن أنزل فيها جملة واحدة، وليكن ببعض مراتب النزول كما يراه آخرون. ليكن معنى نزول الكتاب في هذه الليلة وفي هذا الشهر أيّ معنى، فإنّ الأمر يستوجب الاهتمام، ويستوجب التعظيم.►

 

المصدر:  كتاب من أشعّة القرآن

ارسال التعليق

Top