• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

رسالة إلى أمّ الزوج..

إيمان مغازي الشرقاوي*

رسالة إلى أمّ الزوج..

◄إلى تلك الأُم الغالية التي حملت بين أحشائها ابنها الرجل جنيناً، وكابدت آلام المخاض وهي سعيدة، وعاشت معها بنفس راضية حتى خرج إلى الحياة والنور بشراً سوياً.

إلى تلك الأُم الحنون التي ولدت وأرضعت، وسهرت وتعبت، وربت وعلّمت، وتحملت وصبرت، لتصنع في النهاية رجلاً.

إليها وقد ظلمت وشُوهت صورتها في ذاكرة كثير من بناتنا ومجتمعاتنا، وتُعرّض لها في بعض وسائل الإعلام، وأسيء إليها بقصد وبغير قصد، ووُصفت بأوصاف لا تليق بها كأمّ للزوج..

إليها.. وإلى كل أمّ زوج.. نهدي هذه الرسالة.. حباً من القلب.. واعترافاً بالفضل.. وتناصحاً في الخير..

 

قلب الأُم.. هو قلبك..

أنتِ أمّ لذلك الابن الذي صار زوجاً، وأمومتك تتطلب منك أن تسعدي لسعادته، وأن تحبي ما يحبه وأن تُدخلي السرور عليه، وأظن أنّ كلَّ أمّ تفعل هذا، أليس كذلك؟

فتذكري أمّاه أنكِ حين أنجبتِ ولدكِ هذا أنكِ كنتِ تتمنين أن يحفظه الله عزّ وجلّ، ويكبر ويصبح رجلاً وتفرحي به كما تقولين، ولطالما رفعتِ يديكِ إلى السماء داعية الله عزّ وجلّ أن يمنّ عليكِ بطول العمر وترين ولدك هذا عريساً وزوجاً في بيته..

 

الابن الحبيب وقد صار زوجاً..

وها هي الأمنية قد تحققت، واستجاب الله دعوتك، وبعد جهد وبحث واستخارة واستشارة تزوج ولدك بفضل الله وصار زوجاً، وانتقل مع عروسه المختارة إلى بيتهما الجديد، بيت الزوجية السعيد، وصارت رؤية ولدك بالتأكيد أقل عن ذي قبل، إذ أصبح يشاركك فيه لأوّل مرة امرأة أخرى هي زوجته العروس، وتلك هي سُنة الحياة، والأيام دولٌ بين الناس، وما أشبه الليلة بالبارحة! فبالأمس القريب كان حالك أنتِ وزوجكِ كحال ولدكِ وزوجه.

لكن بعض الأُمّهات لا تستوعب هذا الحدث ولا تريد أن تتقبله، بل تشعر في قرارة نفسها أنّ زوجة ابنها قد أخذت منها فلذة كبدها الذي صنعته، وما شعرت أنّ ابنها هو الآخر قد أخذ زوجته من أهلها أيضاً فقد تركتهم هي الأخرى لتكون له، وإن كان ابنها أحسن حالاً من عروسه؛ إذ يمكنه أن يأتي أمه في أي وقت شاء ويزورها في أي ساعة تريده، يأتيها دون قيود أو إذن أو استئذان.

وبحلول هذه العروس بيت ابنك زوجة له صارت لك ولزوجك ابنة، كما صار هو ابناً لوالديها ومحرماً لأُمّها.

 

أمّاه.. انظري في ذاكرة أيامكِ قليلاً..

أتذكرين أيتها الأُم الحنون يوماً مضى عليكِ هو عالقٍ في ذاكرتكِ لا ينفك عنها، يوم أن كنتِ عروساً وصرتِ زوجة ابن؟! أتذكرين حالكِ حينئذٍ وأنتِ في مقتبل عمركِ ليس لك خبرة بالحياة كبيرة، ولا بكيفية التعامل مع الناس باختلاف مستوياتهم وطبقاتهم؟! فهلا تفكرتِ فيما كان من أمركِ مع أمّ زوجكِ؟! ماذا كنتِ تنتظرين منها وأنتِ وافدة جديدة عليها وعلى بيتها؟!

 

حينما يتدخل الشيطان.. يتصدع البنيان..

أنا لا أضع أمّ الزوج – أي الحماة – في قفص الإتهام، حتى لا أكون مطففة ظالمة، لكني في رسالتي هذه أريد أن أركز – كما قلت من قبل – على بعض السلبيات في حياتنا للتنبيه عليها ومن ثمّ تجنبها وعلاجها، وسأتبع رسالتي تلك برسالة لزوجة الابن أيضاً لا تقل صراحة عنها، لنصلح بيوتنا وعائلاتنا ونوطد الصلة بين القلوب.. وكم من "حموات" هنّ أمهات بمعنى الكلمة، قد جعلت الواحدة منهنّ زوجة ابنها لها ابنة بل أكثر من ابنة.

لذلك أقول: إنّ بعض الأُمّهات (الحموات) بكلِّ أسف تسمح للشيطان أن يتسلل إلى بيت ابنها بلا سابق استئذان، فيفسد ما بنته الأيام ويحل من انعقد من ميثاق.

 

إيّاك.. ثمّ إياك.. ثمّ إيّاك والظلم..

تقول الأُم: لقد ربيت ولدي وتعبت عليه وسهرت وأنفقت ومرضت وتألمت، ثمّ بعد ذلك أخذته مني رجلاً جاهزاً وهربت به، ألا يستحق ذلك منها أن تكون مدينة لي مطيعة طول العمر، وأن تخدمني كلّ الوقت؟ وكأنها قد اشترتها يوم أن تزوجها ابنها، فتريدها أن تكون لها كما تريد مهما تكن الظروف!!

إنّ هناك بعض "الحموات" – هداهني الله وإياهنّ – قد نسين أنهنّ كن في يوم من الأيّام زوجات أبناء، وأنّ الأماكن الآن قد تغيرت، والمقاعد تبدلت، وفي غمرة الحياة يتخطين الخطوط الحمراء في تعاملهنّ؛ فيقع الظلم منهنّ بغيضاً كريهاً لزوجات أبنائهنّ.. فاحذري أماه أن تقعي في الظلم وأنتِ لا تشعرين، إنكِ أمّاه لا شكّ تحملين بين جوانحكِ قلباً دافئاً ينبض بالحب ويعطي الأمان.. فتذكري أنّ النبي (ص) يقول: "إياكم والظلم، فإنّ الظلم ظلمات يوم القيامة" (رواه أحمد)، وإيّاك أن تكوني سبباً في ظلم ابنكِ لزوجته إرضاء لكِ، فقد يؤدي كثرة شكايتكِ له منها أن يتحامل عليها ولا يملك نفسه فيؤذيها أو يضربها، ويخاصمها أو يطلقها وتكوني أنتِ السبب من وراء ذلك وإن لم يظهر هو لك.

 

احذري الإفلاس بين يدي الله عزّ جلّ..

فعن النبيّ (ص) أنّه قال: "تَدرون مَن المُفْلِس؟ إنّ المفلس من أمتي مَن يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، يأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعْطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناتُه قبل أن يقضى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرِحَتْ عليه ثمّ طُرح في النار" (رواه مسلم).

 

إليكِ أيتها الأُم الغالية..

أنتِ أمّ غالية لكِ قدركِ ومكانتكِ التي بوأك الله تعالى إيّاها لا ينازعكِ فيها أحد، وليس معنى أنّ ابنك تزوج أن حقكِ عليه قد انتهى، كلا.. بل هو باقٍ ثابت لكِ في عنقه طول حياته، لكن أذكركِ أمّاه أنّ هناك بعض الأمور المتعلقة بابنكِ وزوجته لا تخلطي بينها وبين حقكِ عليه، فتَظلمي وتُظلمي. ومن ذلك:

- التدخل في شؤون حياتهما، ومحاولة معرفة كلّ ما هو خاص بهما، ولو كنتِ أنتِ مكانهما لما رضيت ذلك لنفسكِ ولابنتكِ.

- الضغط على ولدكِ حتى يسكن معك في نفس البيت أو بالقرب منك، ولو كان ذلك يضر بمصلحته أو عمله وبيته وأسرته.

- الغيرة الشديدة من زوجة ابنك التي تدفعكِ لطمس حسناتها وعدم إفشائها، بل ومحاولة تخطئتها دائماً.

- جعل سيرتها معلومة في بيوت من تعرفين من الأهل والصديقات، كيف تأكل أو تشرب وما تنفق وما تقول وما تشتري وتلبس، والتفكه بغيبتها في المجالس. وقد نهى الله تعالى عن ذلك فقال لنا: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) (الحجرات/ 12)، وقد سأل رجل النبيّ (ص): ما الغيبة؟ فقال له: "ذكرُكَ أخاكَ بما يكرهُ"، قال: أرأيتَ إنْ كان فيهِ ما أقولُ، قال: "إنْ كانَ فيه ما تقولُ فقدْ اغتَبتهُ، وإنْ لم يكنْ فيهِ ما تقولُ فقدْ بهتَّهُ" (رواه الترمذي).

- إفشاء سرّها وكشف عيبها حال سخطك عليها أو تهديها بذلك.

- عدم الثناء عليها أمام ابنك ولو كانت تستحق الثناء خاصة حين الشقاق بينهما، ضناً عليها بذلك، وبخلاً على نفسك بالأجر، ولو فعلت لكان خيراً، و"الكلمة الطيبة صدقة" (رواه البخاري)، وقيل: الكلمة الطيبة: "ما يدل على هدي، أو يرد عن ردي، أو يصلح بين اثنين، أو يفصل بين متنازعين، أو يحل مشكلاً، أو يكشف غامضاً، أو يدفع تأثيراً، أو يسكن غضب".

- ذكر مساوئها أمام ابنك، وإظهار ندمك على ارتباطه بها، وتمني فراقه لها ولو بالطلاق، وهذا للأسف يحصل من بعض الحموات!

- إلزامها وتكليفها بخدمتك أنتِ وزوجكِ وأولادكِ، أو الإثقال عليها في هذا الجانب وإشعارها بالتقصير، واعتبار ذلك ديناً وواجباً عليها لا أنّه من باب البر والتعاون الذي تثاب عليه.

- عدم مراعاة أحوالها المختلفة التي تمر بها كزوجة، وحامل ونفساء ومرضعة وأمّ وربة بيت مسؤولة، وعاملة مشغولة، وعدم التبرع منك بمساعدتها عند الحاجة إن استطعتِ ذلك.

- التدخل في كيفية تربية أولادها، ورفض الطريقة التي تراها هي مناسبة مع تغير الأيّام وتجدد العلوم، ومحاولة فرض طريقة تربيتك أنتِ عليها، والغضب منها إن خالفتك في ذلك.

- غضبك منها كلما زارت أمها وأهلها وحاولت برّهم، ولو شعرت أنها ابنتك حقاً لشجعتها على البر، وشجعت ولدك على السماح لها بذلك.

- تعمد الصياح والنزاع معها كلما جمعك بها مجلس مع ابنك؛ لتظهري له أنكِ مظلومة مهضومة الحقوق.

- عدم احترامها أمام الناس، وقلة السؤال عنها أو الاتصال بها، والتجسس على أخبارها، وتحسس أحوالها المختلفة.

 

أمّاه.. لا تنسي.. فأنتِ المثل والقدوة..

لقد ربيت ولدكِ على مكارم الأخلاق وهو صغير، فأريه إياها في تعاملك مع زوجته وهو كبير، وحبذا الإيثار منك والرحمة والتضحية والثقة، وما أجمل العفو والتغاضي عن الزلات والصفح والستر، وما أحسن الكلمة الطيبة والاحترام وكلمات الثناء والمدح والهدية والشكر، وما أعظم تقديم القدوة الطيبة من أنفسنا لمن حولنا لتثمر في القلوب ولو بعد حين، وتكون أثراً صالحاً لنا من بعد الممات.. ولا أدري بعد كلّ هذا فلعل الله تعالى قد حبا الأُم قلباً محباً لا يعرف الكره أبداً، ووهبها نفساً معطاءة لا يقف عطاؤها عند وقت أو عمر.. وإن شعرتِ يوماً أمّاه أنكِ مظلومة من زوجة ابنك فلا يدفعك ذلك للانتقام، وطلب الثأر، بل كما قال الله عزّ وجلّ: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) (المؤمنون/ 96)، (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصّلت/ 35-36).. ولأن تكوني مظلومة منها خير لكِ من أن تكوني ظالمة لها.

 

* إجازة في الشريعة – لندن

ارسال التعليق

Top