◄انتماء أي جمع من الناس لإطار مادي أو معنوي مشترك، تترتب عليه درجة من الخصوصية للعلاقة فيما بينهم، فإذا كانوا أبناء عشيرة واحدة مثلاً، فإنّهم يشعرون بالتزام خاص تجاه بعضهم بعضاً، وإذا كانوا أهل دين واحد، كانت العلاقة فيما بينهم أوثق واحترامهم لبعضهم أكثر، هذا أمر طبيعي معروف، ولكن هل تعني خصوصية العلاقة فيما بينهم الازدراء والتحقير لمن هم خارج إطارهم من بني البشر؟ وهل يعني ذلك أنّ الإكرام والاحترام يقتصر على الناس المشاركين لهم في انتمائهم فقط، أما غيرهم فهم بشر من الدرجة الثانية؟
إنّنا نجد في النصوص الإسلامية تأكيداً على فضل الإسلام والإيمان، ومدخليته في كمال شخصية الإنسان، وإشادة بمكانة الإنسان المسلم – المؤمن، وتوجيهاً لاحترامه ورعاية حقوقه، كلّ ذلك مفهوم في إطار الاعتقاد بأحقية الدين وصوابيته، وضمن توثيق عُرى التلاحم بين أبنائه ومعتنقيه.
ولكن هل يستبطن ذلك التنكر لكرامة الإنسان خارج دائرة الإسلام؟
وهل يسوّغ النظر بازدراء واحتقار لجميع أبناء البشر غير المسلمين – المؤمنين؟
أم هل يبرر انتهاك شيء من حرماتهم وحقوقهم المادية والمعنوية؟
لقد عانت البشرية طوال عهودها من انتشار مثل هذه التصورات، التي تحصر الكرامة الإنسانية في فئة من الناس، وتحط من شأن وقدر من سواهم، مما يؤسس لتبرير العدوان وانتهاك الحقوق والحرمات.
فالنازية التي أطلق حركتها هتلر، كانت تبشر بتفوق العرق الآري، وأنّ اليهود والسلافيين والأقليات الأخرى هي في مرتبة دنيا، ويقضي ذلك بإبعاد غير الآريين عن وظائف الدولة، وبمنع الزيجات المختلطة، وبتعقيم المعاقين والمتخلفين عقلياً، وبمحاربة كلّ عرق غير آري.
واليهود والنصارى كانت تسود في أوساطهم نظرية الشعب المختار، التي تبرر ازدراء بقية الشعوب، والتجاوز على حقوقها، كما تحدث عن ذلك القرآن الكريم. يقول تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) (المائدة/ 18).
هذا هو المنطق الإلهي الذي يقرر التساوي بين أبناء البشر في ذاتيتهم الإنسانية (بَلْ أنْتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ).
ولا يعني الانتماء لعرق أو دين تبرير الازدراء للآخرين أو التجاوز على حقوقهم، كما كان يرى أولئك اليهود الذين لا يحترمون أموال غير اليهود باعتبارهم أُميين لا إثم في مصادرة حقوقهم، كما يقول عنهم تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران/ 75).
ويبدو أن تنديد القرآن الكريم بمثل هذه الآراء والتصورات ورده عليها لم يكن لمجرد الإدانة والتشهير بأولئك اليهود والنصارى، وإنّما الأهم من ذلك تحذير الأُمّة الإسلامية من الوقوع في نفس المنزلق، بأن تشيع في وسط المسلمين نظرات ازدراء وتحقير تجاه الآخرين، تبرر لتجاوز حرماتهم والاعتداء على حقوقهم.
إنّ هدف القرآن الكريم تأصيل مبدأ كرامة الإنسان لإنسانيته أوّلاً وقبل كلّ شيء، فمن أي عرق انحدر، وإلى أي دين وعقيدة انتمى، فهو إنسان له كرامته الذاتية.
تأصيل الكرامة الذاتية:
وقد تنبّه العلامة السيد محمّد حسين فضل الله – رحمه الله – الحقيقة، وأكّد عليها عند تفسيره للآية الخامسة والسبعين من سورة آل عمران. حيث قال:
"ربّما نستوحي من تنديد الله باليهود في نظرتهم إلى الآخرين وعدم مسؤوليتهم عن أموال الآخرين، فلهم أخذها من دون مقابل، أنّ الله سبحانه لا يريد للمسلمين أن يأخذوا بهذه النظرة في تعاملهم مع غير المسلمين، فيحللوا لأنفسهم مصادرة أموالهم وسرقتها بحجة عدم احترام الكافر، من حيث المبدأ، في نفسه وماله، إلّا أن يكون ذمياً أو معاهداً، بلحاظ قانون الذمة والعهد، وهذا ما درج عليه بعض الفقهاء الذين لا يرون العنوان الحربي أساساً لحلية أموال الكافرين للمسلمين، بل يرون الأصل عدم الاحترام إلّا في صورة الذمة والعهد، أخذاً ببعض الإطلاقات المتضمنة قوله (ص): "مَن قال لا إله إلّا الله محّمد رسول الله، حقن بها ماله ودمه وعرضه"، وأمثال ذلك من الأحاديث التي تربط الاحترام بالإسلام، مما يجعل الكافر ممن لا حرمة له لكفره، ولكننا ذكرنا في أبحاثنا أن هذه الإطلاقات ليست واردة في مقام البيان من هذه الجهة ليؤخذ بمضمونها الإطلاقي، بل هي واردة في مقام إهدار الإسلام مال الكافر ونفسه وعرضه بالحرب، وربّما يتأيد هذا الرأي في قوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة/ 8-9)، فإنّ الظاهر من هاتين الآيتين أنّ الكافر الذي لم يعلن القتال على المسلمين ولم يخرجهم من ديارهم، بل كان موقفه موقف اللاحرب في خط السلام الطبيعي الذي يعيشه الناس مع بعضهم البعض – من دون معاهدة أو ذمة بالمعنى المصطلح العقدي للمسألة – يستحق التعامل معه بالبرّ في تقديم الخير له بكلّ ألوانه، وبالعدل – بمفهومه العام – الذي يقتضي أنّ له الحقّ في ذلك، باحترام ماله ونفسه وعرضه وعدم الاعتداء عليه إلّا بالحق، ومقتضى ذلك أنّ الكفر لا يساوي عدم الاحترام، بل الحرب بمضمونها المباشر وغير المباشر هي التي تقتضي ذلك".
وهذه الآية تحمل الكثير من الإيحاء بأنّ الخلاف في الدين لا يبرر – بمجرده – إهدار حرمة الآخرين، فإنّ الله ذمّ اليهود على ذلك، وربّما يرى بعض الفقهاء أنّ الآية لا تدل على أكثر من وجوب أداء الأمانة لا وجوب احترام المال، ونحن نرى للأمانة خصوصية في المسألة لأنّها تتضمن التزاماً عقدياً من الشخص المؤتمن بأن يؤدي الأمانة إلى مَن ائتمنه عليه من خلال مبدأ الوفاء بالالتزام العقدي مع الآخر، ولهذا فإنّا لا نجد علاقة بين موضوع الآية وإهدار احترام مال الكافر.
والجواب عن ذلك أنّ الأمانة لم تذكر موضوعاً في الآية بلحاظ خصوصيتها العقدية، وإنّما لوحظت – في سلوك اليهود – من حيث أنّهم لا يحترمون أموال غير اليهود بقرينة قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ) (آل عمران/ 75) فهم يخونون الأمانة على أساس عدم احترامهم أموال الآخرين، لا على أساس أنّهم لا يقومون بالوفاء بالتزاماتهم العقدية، فإذا قام المسلمون بمثل ذلك في سلوكهم استحقوا الذم على ذلك. وربّما نلاحظ – في هذا المجال – أنّ هناك عقداً إنسانياً بين العقلاء يلتزمونه في سلوكهم الاجتماعي وسيرتهم العملية أن لا يأخذ الإنسان مال غيره بدون حقّ، لأنّ مبدأ احترام الأموال لديهم من أكثر الالتزامات قوّة وقداسةً وتأثيراً في العلاقات العامّة، ولذلك نراهم يذمون الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ويعاقبون اللصوص، ولا يخرجون عن ذلك إلّا في حالة الحرب من دون فرق بين الناس الذين يدينون بدين واحد أو بأكثر من دين".
الكرامة الإنسانية.. هل تتبعض؟
من مناطق الخلل الرئيسية في مساحة واسعة من الخطاب الإسلامي، القول بتجزئة الكرامة الإنسانية، وتضيق الدائرة أكثر بتخصيصها بالمؤمنين أي أتباع المذهب فقط، وما عداهم من المخالفين والمبتدعة، لا ينطبق عليهم عنوان التكريم، وتستباح بعض حقوقهم المادية والمعنوية.
مع أنّ القرآن نصّ على منح الكرامة من الله تعالى لعموم بني آدم يقول تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) (الإسراء/ 70).
والآية الكريمة صريحة واضحة في شمولية تكريم الله لبني البشر جميعاً، وهذا ما أكده بعض المفسرين للآية الكريمة.
يقول السيد محمّد حسين الطباطبائي: "يظهر أنّ المراد بالآية بيان حال لعامّة البشر مع الغض عما يختص به بعضهم من الكرامة الخاصّة الإلهية، والقرب والفضيلة الروحية المحضة، فالكلام يعم المشركين والكفار والفساق".
وقال الألوسي البغدادي: "ولقد كرّمنا بني آدم: أي جعلناهم قاطبة برهم وفاجرهم ذوي كرم، أي شرف ومحاسن جمة لا يحيط بها نطاق الحصر".
هذا البيان الواضح الصريح كان ينبغي أن يكون أصلاً يرجع إليه في فهم بعض النصوص، واستنباط بعض التشريعات المتعلقة بالموقف تجاه الآخر المخالف في الدين أو المذهب، وأسلوب التعامل معه.
إنّ القول بالجهاد الابتدائي وهو رأي مشهور الفقهاء، والذي يعني قتال الكفار لا لعدوان حصل منهم على المسلمين، وإنّما لمجرد كونهم كفاراً، وتخييرهم بين الإسلام أو القتل، إلّا أن يكونوا كتابيين فأمامهم خيار ثالث هو الجزية، هذا القول يحتاج إلى إعادة بحث ودراسة.
وقد أنجز بعض العلماء المعاصرين أبحاثاً قيّمة على هذا الصعيد، ومنهم الشيخ محمّد مهدي شمس الدين في كتابه (جهاد الأُمّة) والذي انتهى به البحث فيه إلى نفي مشروعية الجهاد الابتدائي، بعد محاكمته للأدلة التي اعتمدها مشهور العلماء.
وكذلك القول بنجاسة الكافر ذاتاً وهو ما يذهب إليه فقهاء الشيعة وبعضهم يستثني أهل الكتاب، أم فقهاء السُّنة فالمشهور عندهم "أنّ الكافر الحي طاهر لأنّه آدمي، والآدمي طاهر سواء أكان مسلماً أم كافرا، لقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَني آدَمَ)، وليس المراد من قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (التوبة/ 28)، نجاسة الأبدان، وإنما المراد نجاسة ما يعتقدونه، وقد ربط النبيّ (ص) الأسير في المسجد".
وبعض فقهاء الشيعة المعاصرين ذهب إلى هذا الرأي بالقول بعدم نجاسة الكافر ذاتاً كتابياً وغير كتابي، كالسيد فضل الله والشيخ ناصر مكارم الشيرازي، حيث قال في تعليقته على العروة الوثقى: "لا دليل على نجاسة الكفار، أمّا الكتابي فظاهر كثير من الروايات المعتبرة طهارتهم ذاتاً، وأنّ نجاستهم عرضية، وظاهر بعض آيات الكتاب العزيز أيضاً ذلك، ويظهر من غير واحد من الروايات استحباب التنزه مما في أيديهم اجتناباً عما يكون فيهم غالباً من النجاسات العرضية، وبها يجمع بين ما دل على الطهارة وما يظهر منه النجاسة ووجوب الاجتناب، وأما غير الكتابي فهو أيضاً لا دليل على نجاسته من غير فرق بين أقاسمه وإن لم يدل دليل على طهارته لخروجه من سياق الأخبار جميعاً فيؤخذ فيه بأصاله الطهارة فيهم.
ومن المراد التي تحتاج إلى تجديد بحث ما ذهب إليه مشهور الفقهاء من جواز غيبة المسلم المخالف في المذهب، وذلك يعني انتهاك حرمته المعنوية، وقد ردّ هذا الرأي بعض الفقهاء، وقرروا حرمة الغيبة لكلّ مسلم وإن كان مخالفاً في المذهب، ومن هؤلاء الفقهاء المحقق الأردبيلي والشيخ الآخوند الخراساني في كفاية الأصول، ويقول الفقيه الشيخ محمّد آصف المحسني: "ثمّ إن ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن فيجوز اغتياب المخالف.
أقول: ظاهر الآية (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) (الحجرات/ 12)، هو العموم فإنّ المؤمن في عصر نزول القرآن أعم من المصطلح عليه اليوم، والأخوة في ذيل الآية غير مخصصة، لصدق الأخ الديني على المخالف أيضاً، وإنما وجب التبري من أهل البدع في بدعهم، وفي الجواهر وغيرها الاستدلال على الجواز من جهة جواز غيبة المتاجر، إذا المخالف قد تجاهر بأعظم الفسق. وهو استدلال عجيب فإنّ المخالفين لا يرون اعتقادهم وأعمالهم باطلة ومعصية وفسقاً حتى يكونوا متجاهرين بها، فهل يفتي هؤلاء الأجلة بجواز غيبة المؤمن المخطئ في بعض عقائده أو أعماله اجتهاداً أو تقليداً؟ والمتجاهر من تجاهر بالمعصية مع العلم بعصيانها. وعلى الجملة لا دليل لفظي يدل على جواز غيبة المخالف".
ومثل ذلك ما يتناقله الفقهاء من استحباب التضييق على الذميين والكتابيين في ظل الدولة الإسلامية في الطريق، واضطرارهم إلى أضيق الطرق، وسائر ما ذكروه في أحكام التعامل مع أهل الذمة من هذا القبيل.
كرامة الإنسان أصل وقاعدة:
إنّ التأمل في الآية الكريمة (وَلَقَد كَرَّمْنا بَني آدَمَ)، ينبغي أن يؤدي إلى تقرير أصل التكريم للإنسان كمبدأ فكري، وقاعدة فقهية، لا يصح تجاوزها إلّا بمبرر مشروع ودليل واضح صحيح.
وانطلاقاً من هذا الأصل تحدث الفقيه الشيخ المنتظري في دروسه الفقهية العالية (البحث الخارج) حول حرمة الإنسان، ناقداً تخصيص هذه الحركة بالمؤمن فقط، ومما جاء في بعض تلك الدروس ما يلي: "إنّ ظلم الناس غير جائز بحكم العقل، وبحكم الكتاب والسُّنة أيضاً. نحن نعتقد أنّ القرآن إذ يقول: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَني آدَمَ)، فهو يقصد أنّ بني آدم مكرمون لأنّهم بنو آدم. فحينما يقال حقوق الإنسان، معنى ذلك إنّ للإنسان شرفه وكرامته بما هو إنسان حتى لو كان كافرا، لأنّ الإنسان محترم بذاته عند الله، وهذا صريح معنى الآية. ويقول عليّ (ع) في عهده لمالك الأشتر: "الناس صنفان إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق" وبالتالي فإنّ للإنسان حرمته بما هو إنسان".
وفي حرمة السبّ يمكن كذلك اعتقاد الآية (وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ) (الحجرات/ 11)، وليس فيها قيد المؤمن والمسلم. يقول الله أنّه يكره اختلاق الألقاب السيِّئة. ويقول أيضاً: (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ) (الحجرات/ 10)، ولا يقيد ذلك باعتناقهم الإسلام، لأنّ الله أراد أساساً أن تكون العلاقات الاجتماعية سليمة، ولا يخاطب الناس بعضهم بعضاً بالسوء. إنّه حُكم يشمل غير المسلمين أيضاً. وعلى الأقل فإنّه يشمل المسلمين سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين. إذا آمنتم فلا يحق لكم إهانة مؤمن آخر أو إهانة شخص غير مؤمن، مقتضى الإيمان أن يكون الإنسان رصيناً ولا يتكلم بالترهات.
السب مذموم عند الله في نفسه، سواء كان ضد مؤمن أو ضد غير مؤمن، ثمة رواية عن أبي بصير تقول: "لا تسبوا الناس فتكسبوا العداوة" وليس في هذه الرواية أيضاً قيد المؤمن أو المسلم، فهي مطلقة تشجب سبّ الإنسان على نحو العموم. غاية ما يمكن أن يقال هو أن سبّ المؤمن أسوء من سبّ غير المؤمن.
من الناحية العرفية والارتكازية يُعد القول بأنّ سبّ المؤمنين وذوي الشخصيات المحترمة أسوء من سب الأشخاص المستهترين المتعميعين قولاً صائباً. أي أنّ كلّ شخص عادي في المجتمع مهما كانت عقديته وميوله يحكم بأن سب الشخصيات المحترمة أقبح من سب المنحطين أخلاقياً وأشد وطأة على الوجدان العام.
نشير هنا إلى ما ذكره الفقهاء من تأديب أي مسلم بتعزيره إذا قذف إنساناً ولو كان مشركاً، وجاء في الوسائل عن الإمام الصادق (ع) تعزيز مَن افترى على أحد من أهل الذمة ►.
المصدر: كتاب الخطاب الإسلامي وحقوق الإنسان
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق