• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك؟

جاد الحق علي*

كيف يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك؟
  ◄أيامٌ قليلة ويهلُ علينا شهر رمضان المبارك، إنّه الشهر الذي فضّله الله وميّزه بنزول القرآن فيه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ...) (البقرة/ 185). وأعظم به من تكريم وتشريف لأيام هذا الشهر المفضل! فكيف نستقبله؟ لابدّ من أن نكرم الأيام التي كرمها الله وشرفها، فنسعى فيها إلى مرضاته بالتوبة إليه، إقلاعاً عن الذنوب، وإقبالاً على الطاعة، وتطهيراً للقلوب واستدامة للمودة مع الناس، بإحسان العشرة والصلة بالوالدين وذوي القربى والجيران (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ...) (النساء/ 36). هذه القربات والفضائل ينبغي أن نسارع إليها – نحن المسلمين – لنعلم الناس جميعاً أنّ الإسلام دين الإنسانية، يأمر بالإحسان والبر بالإنسان على اختلاف الألسنة والألوان والأوطان والزمان والمكان. وإذا كان المسلمون قد تفرقت كلمتهم، وإنفرط عقدهم، حتى صاروا فرقاء متدابرين متنابذين، بل اشتعلت بينهم الحروب المزمنة المدمرة فهذا هو شهر رمضان شهر الصوم عن الخطايا والدنايا، شهر القرآن شهر العبرة والتذكرة، فيه الهدى والهداية، فيه المنح والعطايا. أرأيت إلى الحديث الشريف المتفق عليه الذي رواه أبو هريرة (رض) عن الرسول (ص) أنّه قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين"؟! وهل تفتح أبواب الجنة إلا لمن أقبل على الله وأحسن العمل.. العمل للدين والدنيا، وإلا للذين يتلون كتاب الله، ويلتزمون أحكامه، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويوفون بعهد الله إذا عاهدوا، وبالعقود إذا تعاقدوا، يعبدون الله رغبة في مرضاته، لذاته وجلاله، لا طمعاً في الجنة أو رهبة من النار فهذه أسمى مراتب العبودية القائمة على أساس من المحبة الصادقة لله. وهل تغلق أبواب النار إلا دون هؤلاء الذين قال الله عنهم: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) (الليل/ 5-7). وأولئك الذين قال الله عنهم: (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) (البلد/ 11-18). نعم؛ نستقبل شهر رمضان بالانتصاف من أنفسنا، فنروضها على القناعة فلا يصبح شهر الصوم شهراً للبخل والحرص على المال شحّاً على المحتاج: (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى) (الليل/ 8-11). نستقبل شهر رمضان بإفشاء السلام، وإطعام الطعام حبّاً لله وشكراً لنعمائه: (يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) (الإنسان/ 8-9). نستقبل شهر رمضان بمجالس العلم، نتدارس فيها كتاب الله وسنة رسول الله (ص) نحيي بعلومهما موات القلوب، ونستر بهما عورات الذنوب، سعياً إلى الله لعله يرضى عنا ونتوب، ويهدينا إليه، ويجمع كلمتنا على الهدى ودين الحق. نستقبل شهر رمضان بعمارة المساجد بصلاة الجماعة: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) (التوبة/ 18). لا ندعو فيها إلا الله، ولا نعمل فيها إلا لله: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (الجن/ 18). نستقبل شهر رمضان بالمفيد من العمل، فليس الصوم مدعاة للهو أو الكسل، إنّه شهر الخلاص والإخلاص، فمن صامه وقامه صار أهلاً لرضوان الله، والصوم هو العبادة التي لا يدخلها الرياء، إذ هو سر بين الصائم وربه؛ ففي الحديث القدسي المتفق عليه واللفظ للبخاري عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله (ص) قال: قال الله عزّ وجلّ: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنّه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم". *شيخ الأزهر السابق – رحمه الله – المصدر: كتاب (منهج الإسلام في التربية والإصلاح)

ارسال التعليق

Top