• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

لغة القرآن.. لغة علمية ( الجزء الأول )

حسام البيطار

لغة القرآن.. لغة علمية ( الجزء الأول )

لن نتحدث عن الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكون والمخلوقات والانسان والحيوان والنبات... الخ، بشكل معجز، فهو باب مطروق وان لم يعط حقه حتى الان. وإنما سنتحدث عن إعجاز الكلمة الواحدة في القرآن وما تحمل من أسرار علمية سواء في العلوم الطبيعية أو الإجتماعية. وسيتم اختيار بعض الكلمات القرآنية لتوضيج الأمر، والا فإن جميع كلمات القرآن الكريم هي كلمات علمية دقيقة تحمل أسرار العلم الذي تتحدث عنه، ان لم تحمل أسرار كل العلوم على اعتبار الترابط والتكامل بين مختلف العلوم.
 قال تبارك وتعالى «قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا»(الكهف/109) إن هذه الآية القرآنية توضح أن هناك أسراراً كثيرة في كلمات الله تبارك وتعالى وهذه الأسرار والمعجزات لاتنتهي مهما اكتشف الإنسان منها، وبالتالي فهي نبع لاينفد، وكلما اكتشف الإنسان شيئاً من هذه المعجزات تفتحت أمامه أبواب من العلم لا حصر لها.
 المعجزة القرآنية تبدأ، بالكلمة الواحدة، وهذا هو موضوعنا، وهذا لاينفي أن يكون هناك إعجاز آخر يبدأ بالحرف، وهذا هو المرجح، ولكن لم يتم حتى الان كشف سر مثل هذا الإعجاز.
 إن ما يؤكد أن هناك إعجازا كبيراً في الحرف القرآني أن بعض آيات القرآن الكريم هي حروف ف (الم) آية و(الر) آية و(ن) آية و(ص) آية... الخ. ولم يستطع أحد حتى الآن تفسير مثل هذه الآيات، بشكل مقبول يكشف عن أسرارها وعلومها.
 الإعجاز في القرآن الكريم لابد أن يبدأ بالحرف، ثم بالكلمة، ثم الجملة، ثم الآية، ثم مجموعة من الآيات في السورة الواحدة، ثم السورة كاملة، ثم مجموعة من السور، ثم في القرآن كله. فكم عرف الناس من هذا الإعجاز حتى الآن؟ لقد تم تعرف أقل من نقطة في بحر محيط. وبالتالي فإن المجال سيبقى كبيراً لتعرف أسرار الكون من القرآن الكريم.
 ونركز هنا على إعجاز الكلمة القرآنية الواحدة، لمحاولة التعرف على بعض أسرار الكلمة القرآنية وإعجازها. وثم اختيار بعض الكلمات وتحليلها بشكل مختصر لتعرف ما يفتحه هذا العلم من باب واسع أمام العلماء في مختلف التخصصات. والمفروض أن أمة بين يديها هذا القرآن الكريم أن تكون دائماً في مقدمة الركب، لا في مؤخرته كما هو حال المسلمين في هذه الأيام، مع العلم أن هذا القرآن هو لكل انسان، وليس للمسلم فقط.
الذرة
 الذرة وفق النظريات اليونانية القديمة هي أصغر الجسيمات المادية المتجانسة غير القابلة للتجزئة والإنقسام لذلك سماها اليونانيون atoms ومنها الكلمةالإنجليزية atom والفرنسية  atome. وهذه الكلمة atom هي الكلمة العربية حطم، بتبديل الحاء إلى a والطاء إلى t بسبب عدم وجود الحاء والطاء في اللغة الانجيليزية أو اليونانية. وفي الحقيقة فان  atom حسب قول معجم وبستر تتكون من جزأين a-+tom وهي تعني لاتتحطم لأنهم كانوا يعتقدون أن الذرة غير قابلة للإنقسام كما ذكر. و a هنا تعني لا وهي لا العربية بعد ان حذفوا منها حرف اللام وابقوا على الالف لسهولة الصاقها في كثير من الكلمات مثل هذه الكلمة atom. وtom هي حطم سواء كانت الحاء في حرف o الذي تم تغيير موقعه بالقلب من otm، أو أنه كان في حرف a. فلما اجتمع عندهم في الكلمة حرفا a حذفوا أحدهما فاصبحت الكلمة atom بعد أن كانت aatom.
 مما سبق نلاحظ أن كلمة ذرة العربية غير موجودة في كلمة atom. فهل اهملت كلمة ذرة العربية في اللغة الانجيليزية وغيرها من اللغات التي يدعون انها موجودة في اللغة الانجيليزية وسنرى بعد قليل اين توجد.
 جئنا بهذه المقدمة قبل البحث في معنى كلمة ذرة وكيف انها تحتوي على اسرار الذرة بعكس الكلمة الانجيليزية التي اطلقت على الذرة، والتي هي في الحقيقة خطأ علمي، لانها تعني كما راينا لا تتحطم والجميع يعرف الان انه تم تحطيم الذرة. وهذا هو الفرق بين صنع الله تبارك وتعالى وصنع الانسان. فعندما ظن اليونان ان الذرة لا تتحطم سموها بالاسم العربي (لا حطم) atom كما رأينا. وقد اثبت الزمن أنهم مخطئون في هذه التسمية. أما الله تبارك وتعالى فقد سماها ذرة فما هي هذه الذرة وماذا تعني؟
 وردت كلمة ذرة في القرآن الكريم ست مرات في خمس سور ومنها:
«إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ»(النساء /40)
و«مَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ»(يونس /61)
و«قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ»(سبأ /22)
و«فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ»(الزلزلة /7)
 وكل هذه الآيات تشير الى القلة وشدة الصغر. وطالما أن قائل هذه الآيات هو الله تبارك وتعالى، الذي يعلم السر في السموات والارض، فلا بد أن المقصود منها هو فعلا الذرة كما يعرفها العلماء في هذه الأيام، كما سيتبين لنا بعد قليل. أما كون أن هناك أصغر من الذرة فقد أشار إليه تبارك وتعالى في الآية التي سبق ذكرها بقوله «وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»(يونس /61)
 والآن ما هو العلم الموجود في هذه الكلمة "ذرة"؟
 الذرة في القرآن الكريم هي من الأصل الثنائي (ذر) الذي يعني الانتشار. فما علاقة الإنتشار بالذرة؟
 الذرة ببساطة تتالف من نواة صغيرة جدا (سنتحدث عنها بعد قليل) ينتشر حولها ويرتبط بها عدد من الالكترونات في مدارات متسلسلة او منتشرة هرميا تمثل مستويات الطاقة الالكترونية للذرة، وتملأ معظم الفراغ الذي تشغله الذرة. اذا الذرة بالرغم من صغرها لها نواة (أب وأم أو بروتونات ونيوترونات) ينتشر حولها اولادها (الالكترونات).
 مما سبق يتضح ان اسم الذرة هو من الانتشار. وهذا المعنى (الإنتشار) موجود في جميع الكلمات القرآنية التي تبدأ بالحرفين الذال والراء (ذر). وهذه الكلمات التي تشترك مع الذرة في الاصل (ذر) تضيف معان اخرى الى كلمة الذرة وتوضحها لارتباطها معها في الاصل. واولى الناس في البحث عن هذه العلاقات هم المهتمون بعلوم الذرة. وهذه الكلمات هي:
 ذرأ، بمعنى اظهر ونشر في مثل قوله تبارك وتعالى «وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ»(المؤمنون /79)
 ذرية بمعنى نسل، واهم مظهر من مظاهر الذرية هو الانتشار. قال تعالى «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»(آل عمران /34)
 ذراع، وهو جزء من يد الانسان أو يد الحيوان كاملة، ومن خاصيته التوسع والانتشار لالتقاط الشيء أو انجاز العمل و... الخ. وقد ورد الذراع في مثل قوله تبارك وتعالى «وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ»(الكهف /18) ومن الذراع اذرع وهو الانتشار في مثل قوله تبارك وتعالى «وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا»(العنكبوت /33) أي كانت حركته وانتشاره صعبة بهم.
 ذرى، بمعنى نشر وفرق في مثل قوله تبارك وتعالى «فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ»(الكهف /45) وكذا فقوله تبارك وتعالى«وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا»(الذاريات /1).
هذه هي الكلمات التي جاءت في القرآن الكريم من الاصل (ذر) الذي يعني الانتشار. فما هي الكلمات التي جاءت من عكس الاصل، اي من الاصل (رذ)، على اعتبار وجود علاقة ايضا بين الاصل وعكسه؟
 لقد ورد الاصل (رذ) في القرآن الكريم في كلمة واحدة وهي ارذل (من الاصل الثلاثي رذل). فاذا كان الاصل (ذر) يعني الانتشار، فان الاصل (رذ) لابد ان يعني عكس الانتشار وقد اجتهدنا وسمينا هذا المعنى انكماش. اي ان رذ تعني الانكماش.
 جاءت كلمة ارذل في القرآن الكريم في مثل قوله تبارك وتعالى«وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ»(النحل /70) وقوله تبارك وتعالى «قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ»(الشعراء /111).
 لاحظ هنا أن أرذل العمر الذي يرد إليه الانسان، هو زمن ضعف وانكماش وعدم نشاط وكل هذه المعاني هي عكس ما هو موجود في كلمة ذرة التي تتميز بالتسلط والحركة والانتشار، والتي لابد أن ترد إلى أرذل العمر عندما ينتهي نشاطها الإشعاعي مثلاً، لأن الأصل دائماً يحمل المعنى وعكسه. وكل هذه المواضيع وهذه العلاقات معروضة على علماء الذرة لأنهم الأقدر على فهم أسرار القرآن العظيم في مجال تخصصهم.
 أما عن وجود كلمة ذرة العربية في اللغة الانجيليزية فهي الحقيقة موجودة في كلمات كثيرة ومنها كلمة straw، التي نقرؤها سترو، وهي في الحقيقة كلمة ذرة العربية. وحتى ترى كيف أنها ذرة ما عليك سوى حذف حرف s في أولها أو حرف t وإرجاع الحرف الباقي أي حرف s أو t إلى أصله وهو الذال. أما لماذا هذا الحذف وهذا التحويل؟ فهو ببساطة لأنهم لا يوجد لديهم حرف الذال العربي (أو بالأحرى أضاعوا هذا الحرف) فاستعاضوا عنه بحرف s أو t. ولما لم يكن أي من الحرفين يعبر بشكل كامل عن الذال العربية وضعوا الحرفين مع بعضها في كلمة straw. لذلك ما عليك إلا تبديل هاذين الحرفين بحرف ذال العربي وقراءة الكلمة لتجد أنها ذرة أو ذرو وكلتاهما من الأصل الثنائي نفسه (ذر).
 ولكن ما علاقة straw التي تعني قش أو تبن بالذرة؟ في الحقيقة أن من معاني هذه الكلمة في المعاجم، (بالاضافة إلى القش والتبن) ذرة أو مثقال ذرة أو شيء ضئيل القيمة. والآن وبعد أن عرفنا أن كلمة straw تعني في اللغة الانجيليزية ذرة، نقلب السؤال ونقول ما علاقة الذرة بالقش والتبن؟
 إن من خصائص القش والتبن –عدا عن قلة قيمته- أنه يطير وينتشرأي يذرى في الهواء وهذا في مثل قوله تبارك وتعالى « فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ »(الكهف /45). وطالما أن straw هي من ذرة أو ذر أو ذرى (كلها من الأصل نفسه الثنائي ذر) فقد استعيرت في الإنجيليزية للقش والتبن لأنه يتطاير وينتشر. ولو سمي القش والتبن في العربية ذرو مثلا لصحت مثل هذه التسمية. وعلى كل حال هناك في العربية كلمة المذري، وهي خشبة ذات أطراف كالأصابع يذرى بها الحب وينقى من القش والتبن.
ومن المعاني الأخرى لكلمة straw ما يدعى بالشاروقة أو المصاصة وهي ما يشرق أو يشرب به الشراب من الكأس أو القارورة. وقد سميت بهذا الاسم في اللغة الانجيليزية لأنها مجوفة مثل قشة القمح المجوفة أو قصبتها. ومع أن هذا الاستخدام صحيح وله أصل غير إنه يبعد الكلمة العربية قليلاً عن أصلها العلمي الدقيق في مثل هذا الإستعمال، وإن كان فيه امتداد أو انتشار للشراب من الكأس إلى الفم (قارن مع ذراع من الأصل نفسه).
النواة
اهم جزء في الذرة هو النواة. فما هذه النواة وما اصلها؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال نبين أن النواة في اللغة الفرنسية تسمى noyau وواضح انها نواة العربية تماماً.
أما في الانجيليزية فقد حرفت الكلمة واصبحت nucleus وهذه ال nucleus تعني في اللاتينية نواة أو بزرة الفاكهة، وهي التي تسمى في العربية أيضا نواة وتُجمع على نوى. وهي في مثل قوله تبارك وتعالى «إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى»( الأنعام /95). ويقول معجم وبستر أن nucleus تطورت من nut التي تقرأ نت، والأولى أن تقرأ نواة لأنها كانت في اللغة الانجيليزية القديمة nute وكذلك note وكلها تحريف من الكلمة العربية نواة. وnut تعني في اللغة الانجيليزية قلب الجوزة والبندقة أو الجوزة والبندقة نفسها وكذلك تعني كل ما يشبه الجوزة والبندقة في الشكل مثل الصمولة أو العزقة أو حتى رأس الإنسان، أو حتى الشيء لا قيمة له، أو الهراء، لأن النواة التي هي بزرة الفاكهة يرمي بها لقلة قيمتها.
مما سبق نلاحظ أنهم استعملوا كلمة نواة العربية بالمعنى نفسه مع التوسع في معانيها. أما نواة الذرة في الانجيليزية وهي nucleus فقد تطورت عن nut كما ذكرنا، بناء على رأيهم، وبالتالي لابد أن يكون الحرفان le في الكلمة هما ال التعريف العربية. أي أن كلمة nucleus هي حرفيا النواة مع التغيير والتبديل والقلب في الحروف ومواقعها على عادتهم كما رأينا في أكثر من مكان. هذا عدا عن كون الكلمة الانجيليزية والفرنسية من اصل واحد وواضح أن الكلمة الفرنسية هي نواة العربية.
والان ما أصل كلمة نواة؟
إن أصل كلمة نواة حرفا النون والواو (نو). وهذا الاصل الثنائي (نو) يعني الثقل فماذا يعني أن تكون النواة من الثقل؟
 من المعروف علمياً أن نواة الذرة ثقيلة جداً مقارنة مع حجمها. وبالتالي لا غرابة أن تكون كلمة النواة من الثقل. أما تفصيل مثل هذا العلم فهو ليس من اختصاصنا. وكل ما نستطيع عمله هنا ان نورد الكلمات الأخرى التي تشترك مع النواة في الأصل ونترك لعلماء الذرة تحليلها واكتشاف ما اودعه الله تبارك وتعالى في هذه اللغة العظيمة.
وردت في القرآن الكريم ثمانية أصول ثلاثية من الاصل الثنائي (نو) وكلها تدل على الثقل، وفيها من أسرار علوم الذرة، وعلوم كثيرة أخرى، الشيء الكثير مما يحتاج إلى بحث وتنقيب من العلماء. وهذه الإصول هي:
1- ناء، من الأصل الثلاثي نوأ، والتي تعني نهض به أو حمله مثقلاً. وقد وردت هذه الكلمة في مثل قوله تبارك وتعالى «وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ»(القصص /76). لاحظ الثقل والقوة في هذه الآية.
2- أناب، من الاصل الثلاثي نوب، وهي تفسر بمعنى رجع، في مثل قوله تبارك وتعالى «رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»(الممتحنة /4). وأول خطوة وأهمها في الإنابة إلى الله تبارك وتعالى النية والقصد. والنية من الأصل الثلاثي نوي مثل النواة تماماً. وسيتم توضيح العلاقة بين النواة والنية لاحقا. ويبدو من هذه الكلمة أن النواة في الذرة تشكل قوة جذب كبيرة حسب علمنا المتواضع في هذا المجال.
3- النار والنور من هذا الأصل الثنائي (نو) وهذا يشير إلى الطاقة الكامنة في النواة أو في الذرة. وهذا مره أخرى بحاجة إلى متخصصين لتوضيحه وكل ما نفعله هنا هو بيان علاقة نواة مع الكلمات القرآنية الأخرى التي تشترك معها في الأصل نفسه.
4- النوم أيضاً من الاصل الثنائي (نو). فما علاقة النوم بالنواة؟ وما علاقة النوم بالثقل؟ هنا يأتي دور علماء النفس لتوضيح حقيقة النوم وربطه بالنواة. ولمن الملاحظ أن أول النوم هو ثقل في الجفون والعيون ثم البصر وبقية الحواس بما فيها السمع الذي يقل أيضاً ولكن يبدو أنه يبقى منه القليل لحكمة أرادها الله تبارك وتعالى وليساعد على الإستيقاظ. وكذلك تثقل في النوم حركة الجسم ووعيه... الخ. ويبدو أن الروح، وهي من الإتساع في معجم أم اللغات، تنتشر وتتوسع بعد أن تتحرر من عبء الجسد. ويكون من هذا التوسع والإنتشار  الرؤى والأحلام والكوابيس... الخ. وكل هذا بحاجة إلى متخصصين لفهمه وبيانه. كما أن النوم قد يشير إلى الطاقة الكامنه (النائمة) في الذرات أو في النواة إذا كان هذا ادق.
5- نوص من هذا الأصل ايضاً وقد وردت في قوله تبارك وتعالى «كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ»(ص /3) وتفسر نوص أو مناص هنا بالملجأ والمفر. أي المكان الذي يمكن أن يلجأ إليه يوم القيامة من العذاب، والتي تشير الآية إلى أن هذا المكان غير موجود. فما علاقة مثل هذا المناص مع النواة والذرة؟ وهل النواة هي في ملجأ أمين؟
6- نوش من هذا الأصل ايضاً. وقد وردت في قوله تبارك وتعالى «وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ»(سبأ /52). وهذه تشبه الآية السابقة في البند (5) اعلاه. والفرق أن الآية السابقة تشير إلى ملجأ أو مفر يذهبون إليه وهو غير موجود. أما هذه الآية فتشير إلى ملجأ يتناولونه ويحصلون عليه. وهذا الملجأ الذين يرغبون في تناوله ولن يستطيعوا لأن وقت تناوله قد انتهى هو الإيمان والإسلام حيث أنه لن يكون متاحاً لهم يوم القيامة لأنه أصبح حقيقة واقعة لايستطيع أحد تكذيبه فينتهي فضل من يتناولونه، أي يؤمنون به. فما علاقة التناوش بالنواة؟
7- نوح، النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الاصل. فما علاقة نوح بالنواة وبقية كلمات هذا الأصل؟ هنا يأتي دور علماء التاريخ للإجابة عن مثل هذا السؤال وكل ما نستطيع قوله في هذه العجالة أن نوح عليه السلام هو نواة البشر بعد الطوفان اذ ان الناس انتشروا من ذريته، وتقسيم الناس الى ساميين وحاميين و يافثيين نسبة إلى أولاد نوح عليه السلام سام وحام ويافث معروفة. كما أن نوح عليه السلام هو من أولي العزم من الرسل وهذا يشير إلى القوة والثقل الذي يشكله. كما أن نوح عليه السلام ناء بقومه وحتى بزوجه وبالسنين الطويلة التي قضاها وهو يدعوهم دون أن يستجيتوا له. وهذه بعض العلاقات بين نوح ونواة، وعلماء التاريخ والذرة هم الأقدر على اكتشاف معلومات وأسرار أكثر.
8- و(ذاالنون)، وهو يونس عليه الصلاة والسلام من هذا الأصل. والنون هو الحوت العظيم الذي التقم يونس عليه السلام والذي يبدو انه سمي بهذا الاسم لثقله.
هذه هي الكلمات القرآنية التي تشترك مع النواة في الأصل وكلها كما رأينا تحمل معنى الثقل لأنها من الأصل الثنائي (نو) الذي يعني الثقل.
 أما عكس هذا الأصل أي (ون) فلا بد أن يعني الخفة والضعف، لأن عكس الأصل يعني دائماً عكس المعنى. وقد وردت في القرآن الكريم كلمة واحدة من هذا الصل (ون) وهي كلمة (وني) وذلك في قوله تبارك وتعالى لسيدنا موسى عليه وعلى اخيه هارون الصلاة والسلام «اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي»(طه /42). أي لا تخفا وتضعفا في ذكري. فما علاقة ونى مع نوى أو نواة؟ النواة من القوة والونى من الضعف، ولا بد أن يكون هذا الضعف موجوداً في النواة أيضاً، فمتى وكيف تضعف النواة؟ علم غزير يمكن أن يظهر من دراسة العلاقات المذكورة. وكله في الكلمة الواحدة فكيف لو تم البحث في علاقة هذه الكلمات مع الكلمات الاخرى من الاصول القريبة و البعيدة ثم مع مجموعة الكلمات التي تشمل الجملة أو الآية أو السورة أو في كل القرآن الكريم. كل ذلك فيه علم غزير لا يحيط به إلا الله تبارك وتعالى ويظهر منه على قدر الإجتهاد والبحث.
تفسير قوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى»(الأنعام /95)
في ضوء ما سبق سنحاول فهم قوله تبارك وتعالى «إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى»(الأنعام /95). حيث نجد أن كتب التفسير انوى في هذه الآية بالبذور أي بذور الحب وهذا صحيح وكبير حيث أن فلق النواة من المعجزات الكبرى. ولكن نجد في ضوء أصل نوى، الذي هو الثقل، أن الآية تحمل معاني كثيرة أخرى منها نواة الذرة وما ينشأ عن فلقها من عجائب ومصائب استعملت في الخير والشر. ومنها النية، من الأصل نفسه. والنية في الواقع تشكل ثقلاً أي عملاً وهذا مصداقاً لقول الرسول (ص) «إنما الأعمال بالنيات». إن اهم شيء في أي عمل هو النية فقد يقتل القاتل ويذهب إلى النار إذا قتل وهو ظالم. وقد يقتل ويذهب إلى الجنة إذا قتل جهاداً في سبيل الله مثلاً. فالنية هي التي تفرق بين أنواع القتل. حتى المقاتل في سبيل الله قد يذهب إلى النار إذا كان يقاتل شجاعة أي ليقال أنه شجاع أو لمغنم دنيوي. وبالتالي فإن كل ثقل العمل هو في الدنية كما أن ثقل الذرة في النواة. فعندما يقول  الله تبارك وتعالى أنه فالق الحب والنوى فهذا يعنى أنه فالق نوايا الناس ومطلع عليها بالإضافة إلى المعاني الأخرى في الآية.
 والنية، مع اهميتها وقوتها، هي شيء غير ملموس وغير مرئي حتى أنها غير منطوقة على الغالب لأن النطق قد لا يتفق مع النية. فقد ينوي الإنسان بلسانه الصلاة لله تبارك وتعالى أو أي عمل صالح آخر وهو في حقيقته أو في داخله يضع هدفاً آخر كان يقال أنه تقي أو صادق أو كريم... الخ. فكم هي قوية وثقيلة هذه النية وكم هي خفية ولا يعرفها إلا الله تبارك وتعالى.
 لم ترد كلمة النية في القرآن الكريم صريحة فهل أهمل الله تبارك وتعالى النية على أهميتها؟ حاشا وكلا، .لكنه ذكرها مع اخفائها، لأن من طبيعتها اخفاء، وذلك في قوله تبارك وتعالى «إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى»(الأنعام /95). فلا تظن أن هذه النوى هي بذور الحب فقط ولكنها النوايا أيضاً، أو هي النوايا فقط على اعتبار أن الحب ذكر قبلها. والنوى والنية تشتركان في الأصل الثلاثي (نوي) والأصل الثنائي (نو). عدا عن كون الفلق في كليهما وفي نواة الذرة أيضاً، وكله من الثقل والأهمية.

المصدر:إعجاز الكلمة في القرآن الكريم

تعليقات

  • محمد بركه

    جزاكم الله كل خيرا و زادكم علما

ارسال التعليق

Top