• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ليلة القدر من خصائص الأُمّة الإسلامية

الشيخ جاد الحق علي*

ليلة القدر من خصائص الأُمّة الإسلامية
◄ليلة القدر عظيمة الفضل عند الله، فقد كرمها بإنزال كتابه القرآن فيها، ذلك قول الله سبحانه في سورة الدخان بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥)رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الدخان/ 1-2). وقوله – سبحانه – في سورة القدر بسم الله الرحمن الرحيم: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (سورة القدر). ثمّ يحدد القرآن أن نزوله كان في شهر رمضان، فيقول الله في سورة البقرة: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة/ 185). هذه آيات الله البينات قد قطعت بأن ليلة القدر من ليالي شهر رمضان، وأن فيها أنزل القرآن، وأنّ لهذه الليلة عند الله ميزات وقدراً وفضلاً، وأنها ليلة مباركة يفرق فيها كل أمر حكيم. وأكثر العلماء على أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان، وتتأكد في الليالي الوتر منها. وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنها ليلة السابع والعشرين، وإستدلوا على هذا بما صح عند مسلم وأحمد وغير هما عن زر بن حبيش قال: قلت لأبي بن كعب: إن أخاك عبدالله بن مسعود يقول: من يقم الحول يصب ليلة القدر. فقال أبي: يغفر الله لأبي عبدالرحمن؛ لقد علم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين من رمضان، ولكن أراد ألا يتكل الناس، ثمّ حلف أنها ليلة سبع وعشرين من رمضان. كما إستدلوا بما رواه الإمام أحمد في مسنده عن إبن عمر أن رسول الله (ص) قال في شأن ليلة القدر: "من كان متحر لها، فليتحرها في ليلة سبع وعشرين". واختلاف العلماء في تحديد وقتها من شهر رمضان تابع لاختلاف الروايات في هذا الشأن، ولعل إخفاء وقتها كان للحث على طلب المؤمنين إياها بألوان من الدعاء والعبادات، كما أخفيت ساعة الإجابة من يوم الجمعة ليجتهد المؤمنون في الاشغال بطاعة الله جميع هذا اليوم، وكما أخفى الله موعد قيام الساعة للحذر من فجأتها طلباً لمراقبة الله وحذراً من المعاصي، ومما يؤيد أنها في العشر الأواخر من رمضان ما ثبت من أنّ النبي (ص) كان يعتكف في المسجد في هذه الليالي العشر. ولهذه الليلة المباركة ميزات وعلامات أشارت إليها آيات القرآن.. منها: أنها خير من ألف شهر.. بسبب نزول القرآن، فيها، ولذا فضل بعض العلماء تلاوته في هذه الليلة على الصلاة فيها، والمراد بإنزال القرآن فيها: بدء نزوله. ويكون قيام هذه الليلة بتلاوة القرآن أو بالصلاة أو بأي نوع من أنواع الذكر المشروع أو بها جميعاً. جاء في قول رسول الله (ص) الذي رواه البخاري: "من قام ليلة القدر إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". ومن ميزاتها: (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (القدر/ 4). بمعنى أنّه يكثر في هذه الليلة نزول الملائكة وجبريل لتنفيذ أوامر الله وما قضاه لعباده. والسلام من الله الرحمة، ومن الملائكة الإستغفار والدعاء، وذلك مستمر طوال هذه الليلة المباركة. فلنقبل – نحن المسلمين – على إختصاص ليلة القدر بمزيد من العبادة والإنابة إلى الله، وبالتوبة الخالصة، ندماً على ما فات، وطمعاً فيما هو آتٍ، ولنأخذ من هذه الليلة المباركة صفاء النفس وطهارة القلب، إستقامة على الصراط المستقيم، ولنجعل القرآن ورداً لنا ولأهلينا أملاً في أن يكشف الله ما نزل بالأُمّة الإسلامية من فرقة وشتات، وأن يجمع كلمتها ويحيي قلوبها لتدرك أنها خير أُمّة أخرجت للناس.►   *شيخ الأزهر السابق – رحمه الله – المصدر: كتاب (منهجُ الإسلام في التربية والإصلاح)

ارسال التعليق

Top