يلاحظ في القرآن الكريم نوعان من التعامل مع مبدأ المقابلة بالمثل:
1_ المقابلة بالمثل في الحقيقة أُسلوب مماثل يدفع المظلوم إلى القيام بعمل يعدّ الشروع به ظلماً، ويظهر الظالم والمظلوم فيه على حدّ سواء. قال تعالى: (لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)(المائدة/8).
فالمقابلة بالمثل في هذا العرض القرآني يعتبر نوعاً من الظلم في مواجهة الظلم، وقد حظره القرآن الكريم ونهى عنه بكلّ صراحة.
ولا شكّ أنّنا لا يمكن أن نعتبر الظلم مقابلة بالمثل حيال العدالة. ولو أقررنا بالمقابلة بالمثل أمام الظلم. فلا محالة أنّ مصداق المقابلة بالمثل في هذه الحالة سيكون أُسلوباً جائراً. أمّا هذا الظلم فإنّه عادل لأنّه يمارس ضدّ الظلم أيضاً.
2_ الاعتداء في مواجهة الاعتداء هو في الحقيقة نوع من الدفاع في مقابل الظلم. ومع أنّ المقابلة بالمثل في مواجهة الاعتداء ليست أكثر من اعتداء كما يبدو، غير أنّها لمّا كانت دفاعاً شرعيّاً، فإنّ نوعاً من التماثل الظاهري يسودهما، ويستبين في آخر نظرة أنّ الاعتداء الذي يمارس بوصفه مقابلة بالمثل لا يعتبر ظلماً واعتداءً غير شرعي، بل هو اسلوب لمحق الاعتداء. قال تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)(البقرة/194).
ويمكننا أن نفهم الجمع بين الآيتين المذكورتين من خلال التمعّن في مفهومهما، ذلك لأنّ الذي ألغي في الآية الأولى هو الظلم، بيد أنّ المقابلة بالمثل ليست ظلماً أبداً. ولو اطلق على الدفاع العادل في مواجهة الظلم: مقابلة بالمثل، فإنّ التشابه بينهما صوريّ.
ويمكن أن نقول _من خلال هذا التوضيح _ إنّ القرآن الكريم قد أيّد مبدأ المقابلة بالمثل بوصفه أسلوباً عادلاً في مواجهة الظلم.
ونستطيع أن نلمس مفاد المقابلة بالمثل في عقوبة القصاص أيضاً، ذلك لأنّ القصاص قام على أساس المقابلة بالمثل، وقوله تعالى: (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) تتمّة للآية الخاصّة بالقصاص: (والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم).
وجاء في آية أخرى حول القصاص: (وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص)(المائدة/45).
إن المماثلة ومراعاة التساوي بين الاعتداء والدفاع، حيث تمثّلان نوعاً من العدالة تقومان على أساس شرعيّة المقابلة بالمثل. وكلّ نوع من أنواع التخطّي لهذا الشرط سيؤدي الى أن يكون ردّ الفعل في مقابل الظلم مصداقاً للظلم نفسه، والمبدأ القرآني (لا تعتدوا) سيسود المقابلة بالمثل دائماً.
المصدر: القانون الدولي في الاسلام
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق