• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

محمّد «ص» كما يراه مفكِّرو الغرب

د. محمّد عبده يماني

محمّد «ص» كما يراه مفكِّرو الغرب

◄منذ البعث المحمّدي والعلماء والمفكِّرون المنصفون في الغرب يركِّزون على شخصية الرسول «ص»، يحاولون تلمّس نواحي العظمة فيها، والتعرُّف على مظاهر القوّة التي حباه الله سبحانه وتعالى بها.

- كارليل:

من هؤلاء المفكِّرين المنصفين الكاتب الإنجليزي كارليل، الذي أحبّ البطولة وقام بتتبع أصحابها في كلّ المجالات، ثم ألّف كتاباً بعنوان (الأبطال)، أفرد فيه فصلاً كاملاً عن رسول الإسلام، حذّر فيه الناس من تصديق ما يُشاع عن الإسلام من أكاذيب، وما يُذاع عن نبيّه من أباطيل وتعدّيات، وقال: "لقد ظلت الرسالة التي جاء بها محمّد سراجاً منيراً لملايين كثيرة من الناس أربعة عشر قرناً.. فهل يُعقل أن تكون هذه الرسالة التي عاشت عليها تلك الملايين وماتت أكذوبة أو خديعة؟".

ثمّ سألهم: "هل رأوا رجلاً كاذباً استطاع أن يخلق ديناً، وأن يتعهده بالنشر على الصورة التي انتشر بها الإسلام؟"، ثم يقول: "ما الرسالة التي أدّاها محمّد إلّا الصدق والحقّ، وما كلمته إلّا صوت صادق صادر من العالم المجهول.. وما هو إلّا شهاب أضاء العالم كلّه.. ذلك أمر الله.. وذلك فضل الله يؤتيه مَن يشاء".

ثمّ يتحدّث عن رسول الله «ص»، فيقول: "لقد أحبّبت محمّداً لخلوِّ نفسه من الرِّياء والنِّفاق، وبراءتها من التصنُّع والطمع وحبُّ الدنيا. لقد كان منفرداً بنفسه العظيمة وخالق الكون والكائنات، وقد رأى سرّ الوجود يسطع أمام عينيه بأحواله ومحاسنه.

لقد كان صوت محمّد آتياً من قلب الطبيعة الصحراوية النقيّة الطاهرة، ولهذا دلف من الآذان إلى القلوب، واستقرّت كلماته فيها.. ولم يكن محمّد متكبِّراً ولا ذليلاً، ولم يرضَ بالأوضاع الكاذبة، ولم يتحرّك خوف الأوهام الباطلة. ومن مكانه المتواضع وثوبه المرقّع خاطب الملوك والقياصرة، موجِّهاً مرشداً ومنذراً محذّراً أيضاً.. إنّه لم يخشَ في الحقّ لومة لائم، ولم يقبل ما عرض عليه من مال وجاه وسلطان.. وعاش زاهداً متقشفاً مجتهداً في الله، عاملاً على نشر دينه، غير عابئ بما يلاقي من أهوال، وما يعترض سبيله من عقبات، حتى مكّن الله للدين الحقّ في الأرض فانتشر وازدهر".

- لورد هيدلي:

ومن الذين درسوا الإسلام وأشادوا به وقالوا قولة الحقّ في نبيّه الكريم: اللورد هيدلي، الذي كتب: "فكّرت وابتهلت أربعين عاماً لكي أصل إلى الحقيقة، ولابدّ أن اعترف أنّ زيارتي للشرق المسلم ملأتني احتراماً للدين المحمّدي السلس، الذي يجعل المرء يعبدُ الله طوال مدة الحياة لا في أيام الأحد فقط. وإنّي أشكر الله أن هداني للإسلام الذي أصبح حقيقة راسخة في فؤادي، وجعلني التقي بسعادة وطمأنينة لم التق بها من قبل. لقد كنت في سرداب مظلم، ثمّ أخرجني الإسلام إلى فسيح من الأرض، تضيئه شمس النهار، فأخذت استنشق هواء البحر النقي الخالص".

ويتحدّث لورد هيدلي عن شخصية محمّد بن عبدالله باعتبارها المثل الأعلى، فيقول: "إنّ للنبيّ العربي أخلاق قوية متينة، وشخصية وزنت ومحّصت واختبرت في كلّ خطوة من خطى حياته، ولا نقص فيها على الإطلاق. وبما أنّنا في حاجة إلى نموذج كامل يفي باحتياجاتنا في الحياة، فشخصية محمّد النبيّ المقدّس تسدّ تلك الحاجة، فهي مرآة تعكس علينا التعقُّل الراقي، والسخاء والكرم والشجاعة، والإقدام والصبر والحلم، والوداعة والعفو والتواضع والحياء، وكلّ الأخلاق الجوهرية التي تكوِّن الإنسانية في أسمى صورها. وإنّا لنرى ذلك في شخصيته بألوان وضاءة".

- مايكل هارت:

وهذا مايكل هارت، عالم الفضاء الشهير، الذي أغرم بالعظمة في الرجال، وتتبّع الخالدين منهم، وقد ألّف كتاباً بعنوان (الخالدون مئة.. أعظمهم محمّد رسول الله).

ومايكل ليس مسلماً، ولكنّه باحث أميركي مسيحي، وقد اختار مائة شخصية من الشخصيات التي تركت أثراً بارزاً في حياة الإنسانية، واختار الرسول الأعظم محمّداً «ص» على رأس المائة. وهذا اعتراف من الغرب ولا ريب بفضل رسول الله «ص»، وفضل الإسلام على البشرية والحضارة، ولنسمع ما يقول مايكل في كتابه: "إنّ محمّداً «ص» هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً في المجال الديني والدنيوي، فهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً، ورغم مرور ثلاثة عشر قرناً على وفاته، فإنّ أثره لا يزال متجدّداً.

وقد استطاع المؤمنين بدعوته أن يقيموا إمبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسي، وهي أعظم إمبراطورية أُقيمت في التاريخ حتى اليوم، وقد نشروا الإسلام في كلّ بلد دخلوها، والرسول محمّد هو المسؤول الأوّل والأوحد عن إرساء قواعد الإسلام وأصول الشريعة والسلوك الاجتماعي والأخلاقي وأصول المعاملات بين الناس في حياتهم الدينية، كما أنّ القرآن قد نزل عليه وحده، وفي القرآن وجد المسلمون كلّ ما يحتاجون إليه في دنياهم وآخرتهم".

- دكتور جرنييه:

يتحدّث دكتور جرنييه عن سبب إسلامه بسعادة كبيرة، ثمّ يقول: "لقد قرأت الآيات التي ترتبط بالعلوم الطبية والصحّية والطبيعية، وقمت بعمل دراسة عنها، ثمّ قارنتها بالمعلومات الطبية والصحّية والطبيعية التي درستها بالجامعة، فوجدت الآيات القرآنية منطبقة عليها تمام الانطباق.

ولقد أسلمت لأنّي تأكّدت من أنّ محمّداً «ص» أتى بالحقّ الصراح من قبل أن نصل إليه في عصرنا الحديث بأكثر من ألف عام. وأكاد أجزم لو أنّ كلّ صاحب فنّ أو علم قارن بين ما جاء في القرآن الكريم خاصاً بعلمه أو فنّه وبين معلوماته الحديثة - كما فعلت أنا - لدخل في الإسلام كما دخلت إلّا مَن كان معرضاً أو في قلبه مرض".

- رينيه جينيو:

أو عبدالواحد يحيى كما سمّى نفسه بعد إسلامه، إنّه يقول: "لقد أردت أن استعصم بنصّ إلهي مقدس، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلم أجد - بعد الدراسة الطويلة العميقة المضنية - سوى القرآن الكريم. فهو الكتاب الوحيد الذي اقنعني، وأمّن على ما جاء في قلبي، ورسول الإسلام هو الرسول الذي أحبّبته، وسعدت بالسير تحت لوائه، وغمرتني أقواله وأفعاله بالسعادة النفسية والسكينة الروحية، ولولاه «ص» لغرقت الإنسانية في بحار المادّية والإلحاد، والانحلال الخلقي والدمار الروحي".

ثمّ يقول عن الثقافة والإسلامية وأثرها في الغرب: "لقد كانت الثقافة والعلوم الإسلامية منبع نور وهداية، ولولا علماء الإسلام وفلاسفتهم لظلّ الغربيون يتخبّطون في دياجير الجهل والظلام".

- ألفونس دينييه:

وهذا الفنّان المصور العالمي: ألفونس أتيين دينييه، الذي اعتنق الإسلام بعد فترات طويلة من التأمّل والتفكير، وتسمّى باسم ناصر الدِّين، وكان ناصر دين الله، فلم يدّخر وسعاً في سبيل الدفاع عنه، وتصحيح المفاهيم التي نشرها المستشرقون عن حقيقة الإسلام.

وقد ألّف كتاباً في السيرة النبويّة أهداه إلى أرواح الشهداء الذين استشهدوا في الحرب الكبرى. يقول ألفونس: "العقيدة المحمّدية لا تقف عقبة في سبيل التفكير.. وقد يكون الإنسان مسلماً صحيح الإسلام وفي الوقت نفسه حرّ التفكير".

ويقول: "الدِّين الإسلامي لم يتخذ فيه الإله شكلاً بشرياً وما إلى ذلك من الأشكال. إنّ ياهو إله اليهود الذي يمثّلون به الطهارة يجعلونه في مظاهر متهالكة مبتذلة. وكذلك نرى الإله في نسخ الأناجيل المصوّرة. أمّا الإله في الإسلام، فقد حدّثنا عنه القرآن، وحدّثنا عنه الرسول، ولم يجرؤ مصوّر أو نحات أن تجري به ريشته أو ينحته إزميل، ذلك لأنّ الله سبحانه وتعالى لا صورة له ولا حدود ولا شبيه له أو مثيل، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد".

- تولستوي:

أمّا تولستوي الكاتب الروسي الكبير، فقد ساءه أن يوجِّه أعداء الإسلام سهامهم إليه وإلى نبيّه الكريم، وكتبَ يقول: "لاريب أنّ هذا النبيّ من كبار المصلحين، الذين خدموا الإنسانية خدمات جليلة، ويكفيه فخراً أنّه هدى أُمّته بأكملها إلى نور الحقّ، وجعلها تجنح إلى السلام، وتكفّ عن سفك الدماء. كما يكفيه فخراً أنّه فتح الطريق إلى الرقي والتقدّم، وهذا عمل جليل لا يقوم به إلّا شخص أوتي قوّة وحكمة وعلماً فوق إمكانيات البشر، ولهذا فهو جدير بالتقدير والاحترام والإجلال".

- رجاء جارودي:

وهذا رجاء جارودي، الذي مَنَّ الله عليه بالإسلام بعد رحلة طويلة قضاها بين الأديان والعقائد والأيديولوجيات المختلفة. وعندما درس الإسلام وعرف حقيقته، كفر بما عداه، وصاح مُعلناً أنّه لم يعد يستطيع الصمت، ثمّ قرر أنّ الإسلام هو الدِّين الحقّ، وأنّ فيه الحل الوحيد لإنقاذ البشرية، التي تحتضر في مواجهة المصير المظلم، الذي أوصلتها إليه أديانها البالية وأيديولوجياتها الخداعة الفاشلة.

ويتحدّث جارودي باستفاضة عن الإسلام ومستقبل الإنسانية، ويقول: "إنّ الحضارة الجديدة تنبع من الإسلام عقيدة ومنهج حياة".

وينتقل إلى الحديث عن سماحة الإسلام، فيقول: "لقد اعترف القرآن بأهل الكتاب - أصحاب التوراة والإنجيل - وترك لهم حرّية الاختيار بين ما هم عليه وبين الدخول في الإسلام. والرسول محمّد «ص» يقول: "لا فضل لعربي على أعجمي إلّا بالتقوى"، فالناس يتمايزون في الإسلام بالتقوى، ويتفاضلون بالعمل الصالح، لا بالغنى والجاه والحسب والنسب - والكل أمام الله سواء - فلا طبقية ولا أُمّم مختارة أو عناصر متميزة، فالإسلام دين الإخاء والتكامل الاجتماعي والمساواة في أجمل صورها. ولم يكن الإسلام في حاجة إلى القوّة أو السلاح لكي ينتشر، لأنّ طبيعته وأحكامه وسماحته والقدوة الحسنة التي كانها رسوله، قد فتحت الطريق إلى قلوب الناس".

ويشير جارودي إلى الحديث النبويّ الشريف: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" وهو جهاد النفس ضد أهوائها ونزواتها، كالظلم والطمع والأنانية والأثرة والضعف وحبّ المال والتكالب عليه، ثمّ يقول: "إنّ هذا الموقف النبويّ العظيم درس هام لأولئك الثوريين الذين يريدون تغيير كلّ شيء إلّا أنفسهم".

ثمّ يستعرض جارودي عدداً من الأحاديث النبويّة الشريفة ويبيّن ما فيها من جمال وإنسانية مترفعة، ويركز جارودي على الحديث الشريف: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه"، والحديث الشريف: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذّبه ولا يحقّره"، والحديث الشريف: "كلّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"، والحديث الشريف: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً"، ثمّ يقول جارودي: "هذه الأحاديث دستور عام ينبغي على المسلمين أن يلتزموا به في حياتهم، باعتبارهم أُمّة ذات أهداف كريمة على أُسس قويمة، فهو دستور يصون حقوقهم فيما بينهم، ويرمي إلى قيام صداقة حقيقية ومحبّة صادقة قوية توثق علاقة المؤمن بالمؤمن، وتجعلهم بحقّ كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً".

- ريون باسورت سميث:

يقول هذا العالم، وهو أستاذ بجامعة أكسفورد، في محاضرة ألقاها بعنوان (محمّد والمحمّدية) عام 1874م: "لا نجد فيما كتبه المؤرخون الأوّلون عن محمّد ورسالته أساطير ولا أوهاماً ولا مستحيلات.. كلّ شيء واضح وضوح النهار.. وكأنّه الشمس في الضحى يتبيّن تحت أشعتها كلّ شيء.. والعجيب أنّه لا توجد شخصية علمية كُتب عنها طول العصور ما كُتب عن محمّد رسول الإسلام".

- مرجليوت:

وذكر مرجليوت في كتابه (محمّد) المطبوع سنة 1905م في سلسلة عظماء الأُمّم: "إنّ الذين كتبوا في سيرة محمّد لا ينتهي ذكر أسمائهم، وإنّهم يرون من الشرف للكاتب أن ينال المجد بتبوُّئه مجلساً بين الذين كتبوا عن سيرة هذا الرسول".

وتذكر مجلة المقتبس - التي كان يصدرها محمّد كردعلي منذ أكثر من ثمانين عاماً - أنّها أحصت ما أُلف في السيرة النبويّة بلغات أوروبا فبلغ ألفاً وثلاثمائة كتاب: فكيف بما ألّف خلال الثمانين عاماً الأخيرة بمختلف اللغات وباللغة العربية؟

سيِّدي يا رسول الله..

يا أشرف المرسلين وخاتم النبيين..

يا مَن عليك صلّى الله والملائكة أجمعون..

كيف السبيل إلى إحصاء وجوه العظمة في شخصيتك؟

إنّ لكلّ عظيم في هذه الدنيا وجهاً من أوجه العظمة يتميّز به.. وأنت قد تميّزت بكلّ وجوه العظمة.. فكنت الكمال المطلق في الحدود الإنسانية.. وكنت المصطفى والمتفوق على الجميع.. ومهما حاول ويحاول العلماء والمفكِّرون، فلن يستطيعوا إحصاء جوانب العظمة في شخصيتك.►

 

 المصدر: كتاب علِّموا أولادكم محبّة رسول الله «ص»

ارسال التعليق

Top