السيد حسين مير معزي/ ترجمة: مروة علاء
هناك دراسة الآيات والروايات التي تتحدث عن السلوك الإنساني والعلاقات بين بني الإنسان في إطار دساتير وقوانين جزئية تهدف إلى استنباط الحكم الشرعي للفرد الذي بلغ حد التكليف. ومن القليل مشاهدة دراسة الأدلة المذكورة بهدف كشف الارتباط المنطقي بين الأحكام والأبواب الفقهية ومكانة كلّ حكم في النظام الدستوري الإسلامي. في حين يجب أن لا نشك بأنّ تشريع الأحكام والقوانين المذكورة يهدف إلى تحقيق ما يصبو إليه الإسلام في مجال الاقتصاد من خلال التزام الفرد والمجتمع بها، وبما انّ الشارع والمقنن هنا هو الباري عزّ وجلّ، فأنّه من المؤكد أن تكون تلك الأحكام والتشريعات الإسلامية هدفها بلوغ تلك الأهداف. أي إنّ كلَّ حكم في مجموعة الأحكام له مكانته الخاصة به وانّه هناك ارتباط منطقي بين تلك الأحكام. بعبارة أخرى، فأنّ مجموع الأحكام والقوانين المذكورة تشكل "نظاماً دستورياً سلوكياً".
ومن أجل فهم مجموعة الأحكام والقوانين الإسلامية ضمن إطار كلي منسجم مع بعض، سنواجه مشكلة مماثلة لمشكلة الاقتصاد الكلي في دراستنا للنظام الاقتصادي الوضعي. وكما انّ النظام الاقتصادي الوضعي يتضمن آلاف الأنواع من قوى العمل، رؤوس الأموال المادية، البضائع والخدمات وملايين المنتجين والمستهلكين والعناصر الحكومية والأجنبية، وانّ إدراك وتحليل النظام القائم بين هذه السلوكيات والعلاقات، تظهر وكأنها مسألة مستحيلة، وبهذا النمو فأنّ النظام الدستوري الإسلامي يتضمن آلاف الأحكام والقوانين التي تنظر إلى سلوكيات الإنسان وعلاقته مع نوعه وقد يتصور البعض أنّ فهم وإدراك النظام القائم بينها قضية مستحيلة.
إنّ علم الاقتصاد الكلي استطاع حلّ مشاكله من خلال استخدام أساليب المناهج المنظومية والتصنيف وبناء النماذج، فجعل هناك إمكانية لفهم البنية العامة للنظام الاقتصادي الوضعي، ومن ثمّ دراستها. وهدفنا نحن هو استخدام منهج علم الاقتصاد الكلي في دراسة النظام الدستوري الإسلامي في مجال الاقتصاد، وإدراك النظام الذي يسود هذه المجموعة، ومن ثمّ دراستها وتحليلها. والمقدمات السالفة الذكر أوردناها لإثبات إمكانية حصول مثل هذا الأمر. فاستخدام منهج الاقتصاد الكلي لا يمكن حصره بتحقق النظام الاقتصادي في الواقع الخارجي، ما دام لم يصل إلى مرحلة بناء نماذج القياس الاقتصادي واختبار تلك النماذج، وعلى هذا فالنظام الدستوري الإسلامي يمكن دراسته بنفس المنهج المذكر، وبذلك يمكننا استخراج نموذج دورة الدخل في النظام الاقتصادي الإسلامي وتعريف المتغيرات التي نحتاجها ومن ثمّ بناء نموذجنا الرياضي الخاص والذي بواسطته يمكننا تحليل أداء هذا النظام.
ضرورة دراسة النظام الاقتصادي الإسلامي بطريقة الاقتصاد الكلي:
إنّ دراسة النظام الاقتصادي الإسلامي بطريقة علم الاقتصاد الكلي، والكشف عن البنية العامة ورسم دورة الدخل والنموذج الرياضي لهذا النظام، هو عمل جديد وطريق لم يسلك من قبل، لذلك من الطبيعي أن تكون فيه نواقص ومشاكل متعددة، ولكن هذا الطريق وهذه المسيرة لابدّ منها، ولعلنا نلخص ضرورة القيام بمثل هذه الدراسة في النقاط التالية:
1- إدراك منتظم للشريعة الإسلامية على اعتبارها كلاً منسجماً يسعى إلى تحقيق أهدافاً محددة، ويقوم على أسس ومباني عقائدية خاصة، وهذا ما لا يمكن الوصول إليه إلا بهذه الطريقة. فمثل هذه الإدراك ضروري جدّاً بالنسبة لمجتهدينا. لأنّها ستحول دون إصدار فتاوى غير منسجمة في مختلف مرافق الحياة ومنها على الصعيد الاقتصادي. وتسهل فهم الآيات والروايات التي تتحدث عن إدارة المجتمع والشؤون الاجتماعية وتوضح فلسفة الأحكام المذكورة.
2- إنّ نتائج هذه الدراسة ضرورية جدّاً للمسؤولين والقائمين على نظام إسلامي والذين يحملون هم تطبيق الإسلام في جميع مرافق الحياة. ولا شكّ أنّ الصورة التي تقدمها الشريعة الإسلامية عن المجتمع تحتاج إلى مشروع منسجم ومنتظم يشمل جميع جوانب الحياة الإنسانية، خاصة في مجال الاقتصاد. كما انّ تنظيم النظام الاقتصادي في دولة إسلامية وفقاً للشريعة السمحاء يتوقف على تقديم بنية كلية للنظام الاقتصادي الإسلامي حسب المفهوم الذي مرّ ذكره أي انّه بحاجة إلى مشروع ومخطط يبيّن نوع السلوكيات والعلاقات الاقتصادية بين مختلف الشرائح الاجتماعية بشكل منتظم. وفي مثل هذه الحالة فقط يمكن لخبراءنا وإخصائيونا تعريف التنظيمات التي تتناسب مع بعضها، بهدف مأسسة السلوكيات والعلاقات التي تدعو إليها الشريعة في المجتمع واتّخاذ الخطوات اللازمة لتطبيق ذلك.
3- وستكون نتيجة مثل هذه الدراسة إمكانية عقد مقارنة واضحة بين النظام الاقتصادي الإسلامي والأنظمة المنافسة له، ومعرفة مميزات النظام الاقتصادي الإسلامي، بما يؤهلنا للدفاع عنه أمام أصحاب الاختصاص في عصرنا الحاضر بالأدلة المتقنة واللغة التي يفهمها هؤلاء. فعلى سبيل المثال، أرى شخصياً أنا عجزنا إلى الآن في تقديم أدلة عقلية متقنة تقنع جميع أصحاب الاختصاص فيما يتعلق بفلسفة تحريم الإسلام للفائدة (الربا) بالرغم من أنّ أسبابه حرمته الشرعية قاطعة وصريحة. ويظهر أنّه بدون إدراك منتظم للشريعة الإسلامية في المجال الاقتصادي وبدون فهم علاقة هذا المجال بالمجالات الشرعية الأخرى، كالثقافة والسياسة والعبادة وغيرها لا يمكن إدراك سعة وعمق الفساد الذي تسببه الفائدة في النظام الإسلامي. وبالنتيجة لا يمكن الدفاع بشكل عقلاني عن العقوبات الشديدة التي وضعت بسبب كسب درهم واحد من المال عن طريق الربا.
4- وبمثل هذه الدراسات، تتوافر الأدوات اللازمة للتحليلات الكلية الاقتصادية واستشراف أداء النظام الاقتصادي الإسلامي. وبالكشف عن البنية الكلية للنظام الاقتصادي الإسلامي وعرضه في إطار نموذج دورة الدخل، تظهر المتغيرات التي تؤثر في السلوكيات والعلاقات الاقتصادية وبذلك نتوصل إلى المعادلات التعريفية والعملية والمؤسساتية التي نحتاجها في تحليل أداء نظام اقتصادي ما. ومع طرح فروضات متنوعة حول المعادلات التقنية، نصل إلى النموذج الرياضي للنظام الاقتصادي الإسلامي، عندها يمكننا ومن خلال هذه الأدوات أن نحلل: في الاقتصاد الإسلامي عندما ترتفع الأسعار، ما هي التغيرات الحاصلة في كلِّ العلاقات والسلوكيات، وهل سيزول هذا التضخم الحاصل داخل الاقتصاد أم انّه سيزداد مع الأيّام؟ وهل سيزيد ذلك من سرعة تنامي الإنتاج أم لا، وهل ستكون له تبعات توزيعية سيئة أكثر من سوء التوزيع التضخمي في النظام الرأسمالي أم أقل من ذلك؟ ويمكننا أن نختبر نتائج في الدولة (إيران نموذجاً) بشكل تجريبي. فالبنية الكلية للنظام الاقتصادي في الدولة المذكورة، تشبه إلى حد كبير البنية الكلية للنظام الاقتصادي الإسلامي، لذلك يمكن استخدام النتائج الحاصلة من النموذج الإسلامي في تحليل وبيان أداء النظام الاقتصادي في هذه الدولة وهو نظام وضعي، وبالطبع إذا كانت نتيجة الاختبار سلبية، فليس العيب في الإسلام. الآن نتيجة ذلك هي انّ النتائج الحاصلة من النماذج الإسلاميّة. لا يمكنها بيان الوضع القائم للاقتصاد (الإيراني)، وسبب ذلك هو انّ الوضع الاقتصادي القائم في هذه الدولة (إيران) لا يتطابق مع النماذج الإسلامية، وعلى هذا فأخفاق النموذج الإسلامي على المستوى التجريبي، يعد بحد ذاته مؤشراً جيداً لأصحاب القرار والمخططين في نظام الدولة الإسلامية، لأنّهم ومن خلال البحث في أسباب هذا الاخفاق للنموذج الإسلامي، سيجدون مواقع الخلل وما لا يمت إلى الإسلام بصلة وسيعملون على أسلمة تلك الجوانب ووضع السياسات والبرامج الملائمة لذلك.
النتيجة:
يكون الهدف هو دراسة النظام الاقتصادي الإسلامي وهو نظام سلوكي دستوري من خلال استخدام منهج علم الاقتصاد الكلي، ومن ثمّ بيان بنية الكلية في إطار نموذج دورة الدخل، وبهذا الشكل نوفر الأرضية اللازمة في الدخول إلى التحليلات الكلية (العامة) وبناء النماذج الرياضية.
ومنهج البحث يكون بالنحو التالي، يجري تصنيف الأموال والناس في البداية باستخدام أسلوب التصنيف، ثمّ ومن خلال نظرة إجمالية على الأحكام المذكورة نحاول الإجابة على كلّ واحدة من الأسئلة الأربعة التالية:
1- ما هي نوعية العلاقة؟
2- ما هو موضوع العلاقة؟
3- إلى أي صنف من الناس ينتمي طرفي العلاقة؟
4- ما هو الهدف من تشريع هذه العلاقة؟
بعد ذلك، يمكن تصنيف العلاقة الحاصلة من الدراسة السابقة مع اصناف وشرائح المجتمع والأموال، وفي الختام ومن خلال نظرة منظومية، نجد إمكانية رؤية جميع الناس والعلاقات المصنفة واتصالها مع بعضها، ومن خلال التحليل العقلي نقوم بالكشف عن النظام الحاكم على هذه المجموعة وعرضه في إطار نموذج دورة الدخل.
المصدر: مجلة الوحدة/ العدد 318 لسنة 1430هـ
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق