• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

معاني البر

أ.محمّد حسن شبانه

معاني البر

قال الله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة/ 177).

طعن السفهاء من الناس حين أمر المسلمون بالاتجاه نحو الكعبة في صلاتهم وقالوا: (مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) (البقرة/ 142). مع أنّ اليهود كانوا يستقبلون المغرب والنصارى كانوا يستقبلون المشرق، فنزلت هذه الآية رداً عليهم مؤكدة أنّ حقيقة البر ليست في استقبال مشرق ولا مغرب، وإنّما البر الذي ينبغي أن يهتم به العاقل، ويجدّ في تحصيله يتحقق بأمور أشارت إليها الآية الكريمة.

والبر لفظ جامع لخصال الخير التي تستهدف مرضاة الله عزّوجلّ وقد أشارت الآية إلى هذه الخصال جميعاً تصريحاً أو تلويحاً وهي مع تعدّد صورها تنحصر في ثلاث: صدق العقيدة، وحُسن المعاشرة، وتهذيب النفس أشير إلى الأولى بالإيمان بما ذكر وإلى الثانية بإيتاء المال مصارفه وإلى الثالثة بإقامة الصلاة وما عطف عليها.

فالبر إيمان بالله وحده، إيماناً لا يرقى إليه شك، ولا يخالطه ريب، وهو إيمان باليوم الآخر، يوم تجزى كلّ نفس بما كسبت وإيمان بالملائكة عباداً مكرمين وإيمان بالكُتُب السماوية المنزلة على أصحاب الرسالات الإلهية بألسنة أقوامهم وإيمان بالنبيين جميعاً بلا تفرقة بين أحد منهم.

والبر كذلك إنفاق للمال على حبّه في مصارفه المشروعة وصاحبه يخشى الفقر ويأمل الغنى والمراد بإيتاء المال، صدقة التطوع ومن مصارفه. المحاويج من ذوي قرابة المنفق واليتامى الذين فقدوا العائل، والمساكين الذين قست عليهم ظروف الحياة والمسافر ابن السبيل الذي تقطعت به أسباب العيش والسائلون الذين ألجأتهم الحاجة إلى ذل السؤال، وفي الرقاب المطلبون ببعض المال لمواليهم حتى يتحرروا من أسر الرق. والبر كذلك إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة المفروضتين.

ثم تستطرد الآية في ذكر جوانب البر فتقول: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) (البقرة/ 177). فمن البر الوفاء بالعهود التي لا تحل حراماً ولا تحرم حلالاً، ومنه الصبر على عنت الحياة والاصطبار حين البأس كفاحاً للعدو في مواطن الحرب.

هذه هي حقيقة البر وخصاله، وصف المولى عزّوجلّ أهل البر بالصدق نظراً لقوّة إيمانهم وأصالة اعتقادهم، ثم وصفهم بالتقوى نظراً لحسن معاشرتهم مع الخلق، - ومعاملتهم مع الحقّ -  وعلى الصدق والتقوى يحثنا الرسول الأكرم (ص) بقوله "مَن عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان".

 

المصدر: كتاب القرآن (نظرة عصرية جديدة)

ارسال التعليق

Top