• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مقومات وضرورات الحياة الزوجية

مقومات وضرورات الحياة الزوجية
◄ المقومات:

قال رسول الله (ص): "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

الأسرة في نظر الإسلام خليّة مقدّسة تبنى على أسس وقواعد وأنظمة وقوانين وسنن وآداب خاصة لا يمكن الإخلال بها، بل إنّ تعدّي هذه الضوابط يترك آثاراً سيّئة وخطيرة في الدنيا والآخرة.

1- المودّة والرحمة: قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الرّوم/ 21).

والمودّة بما تجسّد من رصيد عاطفيّ لدى كلّ من الزوجين كما أنّ الرحمة بما تعني من خلفيّة إنسانية في التعامل بينهما يعتبران الركنين الأساسيّين لإنتاج السكينة بينهما، وبالتالي فإنّ إضعاف هذين الركنين إضعاف للسكينة وتقويتهما تقوية لها.

2- التعاون: ومعنى التعاون هنا إضافة جهد كلّ منهما إلى جهد الآخر للحصول على نتيجة أفضل، عن رسول الله (ص): "أيّما امرأةٍ أعانت زوجها على الحجّ والجهاد أو طلب العلم أعطاها الله من الثواب ما يعطي امرأة أيُوب".

عن الإمام الكاظم (ع): "جهاد المرأة حسن التبعّل".

فاعتبر الإسلام أنّ حسن التبعّل بمعنى تعاطي الزوجة بمنتهى الإيجابية مع الزوج بمنزلة الجهاد الذي تثاب عليه المرأة.

وأمّا في ثواب التعاون فنقرأ عن الإمام الباقر (ع): "لا يخدم العيال إلّا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة".

3- السعي نحو الاتحاد: بمعنى ضرورة أن يكون هناك مساحة كبيرة للتفكير المشترك ينطلق منها تحقيق الآمال وبناء الطموحات ودرأ العوائق والمشكلات التي تعترض مسيرة الزوجين. ومن المهمّ أن تكون هموم الأسرة هموماً مشتركة يتعاون كلا الطرفين على حلّها قال تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة/ 187).

4- رعاية الحقوق: وحقوق كلٍّ منهما من الأمور التي حدّدها الشارع وليست مسألة اعتباطية خاضعة لنفوذ الرجل تارةً واستحسان المرأة تارةً أخرى، ومن الضروري أن لا تكون العلاقة الزوجية مدخلاً إلى التقصير بحقّ كلّ منهما على الآخر أو الاستهتار بهذه الحقوق، بل المفروض أنّه كلما كانت العلاقة أقوى بين الزجين كلّما كانا أشد احتراماً ورعاية لحقوق بعضهما البعض.

5- الاستعداد للتضحية: وذلك بأن لا يحاسب الرجل على دقائق الأمور وأبسطها ولا تتدخّل الزوجة في كافّة المسائل بل يحمل كلٌّ منهما خطأ الآخر ويغفر له وهو واجب على الرجل تجاه زوجته بأن يسامحها ويرحمها ويغفر لها.

عن اسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً، قال: "يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها".

فتحمّل خطأ الزوجة من الأمور التي أوجبها الإسلام على الزوج تجاه زوجته.

 

الضرورات:

قال رسول الله (ص): "ما استفاد امرؤ فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة تسرّه إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله".

لا شكّ أنّ قضايا الأسرة ليست كلّها في إطار الحقوق والواجبات بل هناك مساحة كبيرة تركها الشرع الحنيف للتعاطي الإيجابي والأخلاقي للزوجين، وهذه المساحة تعتبر صمّام الأمان في سلامة هذه الأسرة.

1- حسن المعاشرة: وقد عدّ الإسلام حسن المعاملة أو قبحها بين الزوجين من المسائل التي يثيب ويعاقب الله تعالى عليها في الآخرة، فقد أوصى رسول الله (ص) الزوجين بقوله: "مَن كانت له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه وإن صامت الدهر واعتقت الرقاب وأنفقت الأموال في سبيل الله وكانت أوّل مَن ترد النار". ثمّ قال رسول الله (ص): "وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إن كان مؤذياً ظالماً".

ويشير أمير المؤمنين (ع) إلى السياسة التي ينبغي اعتمادها مع الزوجة بقوله (ع): "داروهنّ على كلّ حال وأحسنوا لهنّ المقال لعلهنّ يحسنّ الفعال".

وعن الإمام عليّ (ع): "لا يكوننّ أهلك وذوو ودّك أشقى الناس بك".

2- الإطلاع على فقه الأسرة: أي ضرورة أن يكون الطرفان ملمين بثقافة الحياة الزوجية من حقوق وواجبات ومطّلعين على التفاصيل الفقهية لبناء الأسرة والمسؤوليات المترتبة على ذلك وكيفية إدارتها، وهذا الأمر يقع في إطار مسائل الابتلاء التي ينبغي تعلّمها ومعرفتها.

3- الأمان الأسريّ: أي سعي الطرفين لإضفاء حالة من الأمن والاستقرار المنزليّ وعدم التوتر لما يساهم ذلك من تعزيز الثقة والاستعداد للتحمّل والابتعاد عن تعمية الأمور وإخفاء بعضها وعدم إشراك أحدهما للآخر في قضاياه والتسبّب بالغيرة وما شاكل.

4- توزيع العمل: وهذا ليس من باب الحقوق وإنّما من باب التعاطي الأخلاقي التي تتطلبها ضرورة الشراكة القائمة، ففي الرواية عن الإمام الصادق (ع): "تقاضى عليّ وفاطمة (عليهما السلام) إلى رسول الله (ص) في الخدمة (أي خدمة المنزل) فقضى على فاطمة بخدمتها ما دون الباب وقضى على عليّ (ع) بما خلفه".

وهذا رسول الله (ص) قمّة الخلق الإنساني يقول: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".

 

تعزيز الروابط:

1- التصريح بالحبّ والمودّة: قال رسول الله (ص): "قول الرجل لزوجته إني أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً".

والمراد تحديداً التعبير بالقول واللفظ لأهميته الخاصة ودلالاته التي تفوق سواه من التعابير بالسلوك أو الهدية أو سوى ذلك.

2- الاحترام المتبادل: ويعني ذلك الابتعاد عن سوء الخلق واستخدام الكلمات النابية والألفاظ البذيئة فضلاً عن السب والشتائم وسوى ذلك ممّا يضعف المودة ويزعزع الرابطة الزوجية.

فالاحترام سبيل المودّة والاستقرار، والإخلال به سبيل الانهيار ودمار الأسرة.

3- التزيّن: الإمام الكاظم (ع): "إنّ التهيئة ممّا يزيد من عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهن التهيئة".

وهناك روايات تفيد أيضاً بأنّ المرأة تحبّ من الرجل أن يتزيّن لها كما أنّ الرجل يحبّ من زوجته ذلك.

وقد نقل عن النبيّ الأكرم (ص) حديثٌ يفيد بأنّ من واجب المرأة أن تتعطّر لزوجها، فقد شكت امرأة لرسول الله (ص) إعراض زوجها عنها فأمرها أن تتطيّب له.

ويقول الإمام الباقر (ع): "لا ينبغي للمرأة أن تعطّل نفسها ولو أن تعلّق في عنقها قلادة".

كما ورد عنه (ع) توصية للرجل أن يتهيّأ لزوجته تماماً كما تتهيّأ هي له.

يبقى الإشارة إلى أنّ هناك أموراً تساهم في حفظ الروابط الزوجية وتعزيزها كالذرية وما تفرضه من مساحة مشتركة بين الزوجين، والعفاف لقناعة الطرفين ضمناً أنّه غاية تدرك بالزواج.► 

ارسال التعليق

Top