- أوّلاً: قيمة الوقت:
قال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا...) (العصر/ 1-3).
التطبيق الحياتي: الوقت عنوان الوجود، وفسحة الإنسان في الحصول على الدرجات التي توهِّله للدّخول إلى الجنّة، هو الوعاء الذي يجب أن يُملأ بالخير، وليس فيه أوقات الفراغ، فحتّى أوقات فراغه: استجمام واستراحة واستعداد للشّوط التالي.
الوقت الضّائع يعني ضياع فُرص ثمينة كان يمكن أن تنجِّي الإنسان من العذاب وتُقرِّبه من الجنّة: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة/ 7-8).
وقتي الممنوح لي هو رصيدُ عمري، لأنظر كيف أشغله أو استثمره؟ هو مسؤوليّتي لأعرف كيف أنشط فيه ليكون فاعلاً مثمراً. هو حياتي النابضة بالحركة العمليّة والفكريّة والروحيّة. هو الزمن المحدود الذي يُتيح لي الحصول على الخلود. هو أكبر رأس مال في الدنيا.
هل عرفتَ الآن لماذا الأقسام العظيمة والغليظة في القرآن بالزمن ومفرداته كلّها: الفجر، الصّبح، الضُّحى، النهار، اللّيل، العصر... الدّهر... إلخ؟
يقول الإمام عليّ (ع): "مَن تشاغل بالزمان شغله"، أي مَن صرفهُ في غير الضروريّات، شغله وصرفهُ عن الضروريات.. فما أخسره من بائع! وما أجهله بقيمة ما لديه!
يُعيبُ الناس كُلّهم الزمانا **** وما لزمانِنا عيبٌ سِوانا
نُعيبُ زماننا والعَيْبُ فينا **** ولو نطق الزمانُ بنا هجانا
- ثانياً: مراقبة الأوقات:
قال تعالى مخاطباً (عُزير) الذي أماته مئة عام: (قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) (البقرة/ 259).
التطبيق الحياتي: حينما جاء مَلَكُ الموت (عزرائيل) ليقبض روح نبيّ الله نوح (ع)، قال له: يا أطوَلَ الأنبياء عُمْراً، كيف وجدتَ الحياة؟
قال نوح (ع): كَمَنْ دخل من بابٍ وخرج منها!
فإذا كانت الحياة – على سعتها – بهذه الدرجة من القِصَر، فكيف لا تكون تحت العناية المشدّدة والمراقبة الدقيقة؟
يقول الإمام الصادق (ع): "ما من يوم يأتي على ابن آدم إلّا قال ذلك اليوم: يا ابن آدم، أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فافعل بي خيراً، واعمل فيَّ خيراً، أشهَد لكَ يوم القيامة، فإنّك لن تراني بعدها أبداً"!
إنّ أيّامي وأيّامك وأيّامُ الناس ثلاثة: فالأمس مضى وهو اليوم (موعظة)، ويوم بقيَ، وهو الذي نحنُ فيه، وهو (غنيمة)، وغداً لا ندري مَن أهله؟
إنّ مراقبة الأوقات لا تعني استثمارها استثماراً جيِّداً فقط، بل الخروج من رتابتها أيضاً، فـ(المغبون مَن تساوى يوماه) بلا أيّ تطوّر أو تقدّم أو زيادة في الخير والعطاء. ومَن لا يعرف الزِّيادة في نفسه فهو في نقصان.
ومراقبة الوقت تعني كذلك تقسيمه بما يؤمِّن الاحتياجات كلّها، لذلك قيل: إنّ ليلك ونهارك لا يستوعبان لجميع حاجات: فاقسمها بين عملك وراحتك.
سُئل رسول الله (ص) عمّا كان في صحف إبراهيم (ع)، فقال: "كان فيها: على العاقل – ما لم يكن مغلوباً على عقله – أن يكون له ساعات: ساعة يُناجي فيها ربّه عزّ وجلّ، وساعة يُحاسِبُ نفسه، وساعة يتفكّر فيما صنع الله عزّ وجلّ إليه، وساعة يخلو فيها بحظِّ نفسه من الحلال، فإنّه هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب وتوزيع لها"!
والساعة تعبير عن الوقت، أي وقت للعمل ووقت للعبادة، ووقت للعلم، ووقت للراحة وتجديد النشاط.
- ثالثاً: اختلاف اللّيل والنّهار:
قال تعالى: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) (النّبأ/ 10-11).
التطبيق الحياتي: قسّم الله أوقاتنا بلُطفه وحكمته، فوقت للعمل والنشاط والجِدّ والاجتهاد والكسب والتحصيل، ووقت للراحة والاستجمام والتعطيل.
جعل اللّيل لنسكن فيه، وخصّص النهار لنبتغي فيه من فضله، فالنهار (نشور) لانتشار الناس فيه طلباً للرِّزق، واللّيل (سَكَن) لانقطاع الحركة والركون أو الخلود إلى الراحة والنوم.
هذا هو التقسيم الحكيم والحكمة من اختلاف اللّيل والنهار، ولكنّنا نجد للأسف مَن قلب الآية، فجعل الليل نهاراً ليلاً، وقد يُعذَر مَن يعمل في الليل إن لم يجد فرصته للعمل بالنهار، ولكن من أين نجد العذر للّذينَ يمضون الليل بالسهر والثرثرة، واللّعب والعربدة والتكالب على الملذّات المحرّمة؟
لقد خُصِّص السّهرُ لأعمال نافعة ومهمّة، كالحراسة، والعبادة، وطَلَبِ العلم، أو للاحتفاء بالزّواج السعيد، أمّا أن يبقى الإنسان ساهراً يُدخِّن ويخوض مع الخائضين، فهذا وقتٌ عليكَ وليس لك، ولذلك قيل: "اللّيل والنهار يعملان فيكم (أي بالهَدْم) فاعملوا فيهما (أي بالبناء)".
- رابعاً: اغتنام الأوقات الثّمينة:
قال تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر/ 3).
التطبيق الحياتي: من نِعَمِ الله تعالى علينا أن نجعل لنا من أيّام حياتنا أو سنتنا أوقاتاً يُضاعف فيها الحسنات، ولمجونها السيِّئات، ويجزل فيها العطايا والنفحات.
ومن ذلك شهر رمضان المبارك، الذي يقول فيه رسول الله (ص): "شَهرٌ هُوَ عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيام، ولياليه أفضلُ الليالي، وساعاته أفضل الساعات". إلى أن يقول: "شَهْرٌ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر"!
إنّها الأوقات الاستثنائيّة، أو التعويضية، فكأنّ وقت الصلاة فرصة لتدارك ما قبلها، ووقت (الجمعة) فرصة لتدارك الأسبوع، و(شهر رمضان) فرصة لتدارك السّنة، و(الحجّ) فرصة لتدارك الهدر في العمر كلّه.
في الحديث: "إنّ لربِّكم في أيّام دهركم نفحات، فتعرّضوا له لعلّه أن يُصيبكم نفحة منها، فلا تشقون بعدها أبداً"!
- خامساً: العيد:
قال تعالى: (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ) (طه/ 59).
التطبيق الحياتي: العيد مأخوذ من العودة، أي أنّه فرصة العودة إلى الله، فإذا كان العيد يوم الفطر فهو يوم العودة إلى الله بعد الامتثال والطاعة في شهر الصيام، وإذا كان العيد يومَ النّحْر، فهو يوم العودة إليه سبحانه بعد التلبية والاستجابة لندائه في شهر الحج.. والمقصود بيوم العودة: العودة إليه أنقياء أصفياء مغفورة لنا ذنوبنا.
هل انتهى العيدُ عند هذا الحدِّ؟
كلّا.
فـ"كلُّ يوم لا نعصي الله فيه فهو عيد"!!
ماذا يعني هذا؟
يعني أنّك يمكن أن تجعل حتى أيّام حزنك وحِدادك أعياداً، فإذا نزلت بك مصيبة واسترجعتَ قائلاً: (إنا للهِ وإنا إليه راجعون)، فلقد قلبتَ الحزنَ فرحاً؛ لأنّ الله بشّرك بالرّحمة إن فعلتَ ذلك.
وقد لا يكون يومُ عيدي عيداً إن أفسدته باللّهو الحرام والعبث والإسراف وتصيّد اللّذائذ المحرّمة والمُنكَرات.
عيدي، يوم يغفر الله لي، ويوم أتوب إليه، ويوم أندم على ما فعلتُ ما معاصي.
عيدي، يوم أقوم بمسؤوليّاتي كعبداً مسلماً وضع الله في عنقه أو على عاتقه جملة من المسؤوليات الذاتيّة الاجتماعية.
عيدي، يوم أُصْلِح حياتي، وحياة الناس من حولي، ولو بكلمةٍ طيِّبة.
عيدي، يوم ينتهي يومي فأعود إلى بيتي وأنا مرتاح الضمير، أن أنجزتُ واجباتي، واحترمتُ علاقاتي وتعهّداتي، وأخلصتُ لله عبادتي، ونفعتُ عباده بما استطعت.
عيدي.. صناعتي أيضاً!
- سادساً: قيام السّاعة:
قال تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (القمر/ 1).
التطبيق الحياتي: رُبَّ قائلٍ، وما دخلُ قيام الساعة بالحياة، فهي نهاية الحياة وختامها، وفصلها الأخير؟
تلك نظرة تنسى أنّ الساعة متى قامت فهي نهاية لحياةٍ فانية وبداية لحياةٍ خالدة، وأنّ استحضارها في كلِّ وقت هو الذي يمنح الأوقات (جدِّيّتها) و(صلاحها) و(ثراءها) و(قيمتها) و(وعيها).
يقول رسول الله (ص): "إذا قامت الساعة وبيد أحدكُم فسيلة فليغرسها"!
أي أنّ (العمل) و(الأمل) يبقيان مقرونين حتى في آخر اللّحظات وأشدِّها صعوبة.
ويسأله أعرابي: يا رسول الله! متى قيام الساعة؟
فيُجيب (ص): (وماذا أعددتَ لها) ؟!.
هذا هو السؤال!!
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق