• ٦ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٤ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

فضيلة التوكل

د. رشاد علي عبدالعزيز

فضيلة التوكل
◄التوكل فضيلة إسلامية مفروضة، إذ بها يتحقّق معنى الإيمان، حتى قيل: "مَن لا توكل له لا إيمان له"، وكأنّهم استمدوا ذلك من قول الله تبارك وتعالى: (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (المائدة/ 23).

ومن جلال المكانة لفضيلة التوكل أن نرى الحقّ جلّ جلاله يأمر بها الرسول (ص) ويكرر هذا الأمر ويؤكّده في مواضع كثيرة في القرآن الكريم، كقوله تعالى: (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلا) (النساء/ 81)، وقوله تعالى: (وَلِلهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود/ 123).. ولو راجعنا سِيَر الأنبياء والمرسلين في القرآن الكريم لوجدنا فضيلة التوكل كالقسط المشترك بين هؤلاء الأكرمين.. فإبراهيم (ع) هو القائل: (رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة/ 4).

وهذا هو يعقوب (ع) يأمر أولاده بأخذ الحيطة وإتباع الحذر وإخفاء أمرهم عن غيرهم قدر استطاعتهم، ثمّ يتوكل على ربّه كما جاء في سورة يوسف: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلّا لِلهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (يوسف/ 67).

وهذا هو موسى (ع) يحكي عنه القرآن في سورة يونس، فيقول: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقَالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (يونس/ 84-85).

وهذا هو شعيب (ع) يقول القرآن الكريم على لسانه في سورة الأعراف: (قَدِ افْتَريْنَا عَلَى اللهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (الأعراف/ 89).

وهذا هو نوح (ع) يقول عنه القرآن المجيد في سورة يونس: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) (يونس/ 71).

وهذا هو هود (ع) يقول كما جاء في سورة هود: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (هود/ 56).

وهذا هو صالح (ع) يقول كما جاء في سورة هود: (إِنْ أُرِيدُ إِلّا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) (هود/ 88).

ويتحدّث القرآن المجيد عن طائفة من الرُّسُل في سورة إبراهيم، فيقول: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (إبراهيم/ 11-12).

 

- منافع التوكل:

التوكل الصحيح يجلب لصاحبه الخير في الدنيا والآخرة، ومقام التوكل مقام عظيم لأنّه من الأسباب العظيمة التي ينال بها المسلم:

أ) محبة الله عزّوجلّ، قال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران/ 159).

ب) الكفاية من الله سبحانه وتعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال/ 49).

وفي الآية الكريمة يقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق/ 3)، وفي آية أخرى: (أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) (الزُّمر/ 36).

وأخبر النبيّ (ص) أنّ مَن قال إذا خرج من بيته: "بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوّة إلّا بالله"، يقال له: "هديت وكفيت ورقيت وتنحى عنه الشيطان".

وأوصى الله تعالى إلى داود (ع): "يا داود، ما من عبد يعتصم بي دون خلقي فتكيده السماوات والأرض إلّا جعلت له مخرجاً".

ج) زيادة الرِّضا بالقضاء والقدر وزوال أثر الخوف من المخلوق: فالتوكل يقضي إلى الاستسلام القلبي الكامل لله سبحانه وتعالى.

د) الفوز بالجنّة: من أعظم منافع التوكل أنّه ليس له جزاء إلّا الجنّة، وقد قال (ص) فيما رواه ابن مسعود: "أرأيت الأُمم في الموسم فرأيت أُمّتي قد ملأوا السهل والجبل فأعجبني كثرتهم وهيأتهم، فقيل لي: أرضيت؟ قلت: نعم، وقيل: ومع هؤلاء سبعون ألف يدخلون الجنّة بغير حساب، قيل: مَن هم يا رسول الله؟ قال: الذين يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون وعلى ربّهم يتوكلون".

هـ) جلب الرِّزق: قال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) (الذّاريات/ 22)، وعن عبدالله بن عمرو بن العاص: سمعت النبيّ (ص) يقول: "قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسمائة سنة"، فيجب على العاقل لزوم التوكل على مَن تكفّل بالأرزاق.►

 

المصدر: كتاب أساليب العلاج النفسي في ضوء القرآن الكريم والسنّة النبويّة

 

ارسال التعليق

Top