• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

اتساع مساحة التربية والتعليم.. تقلص اللوم

أسرة البلاغ

اتساع مساحة التربية والتعليم.. تقلص اللوم
◄منذ وقت بعيد.. مبكّر، مبكّراً جدّاً.. دق الإمام جعفر الصادق (ع) جرس الإنذار في بيوتنا كلّها: "بادروا أحداثكم (صبيانكم) بالحديث قبل أن تستبقكم إليهم المرجئة". وإذا أُريد لنا أن نضع هذا الحديث في مصطلحات معاصرة، فأمامنا العناوين الأربعة التالية: 1-    المبادرة. 2-    المسؤولية إزاء الأبناء. 3-    التربية والتعليم. 4-    التنافس التربوي أو (الصراع التربوي) مع التيارات الضالّة والمنحرفة. وإذا أُريد لنا أيضاً أن نُعرِّف كل عنوان، نقول: 1-    المبادرة: هي أيّة فعاليّة تنطوي على التحرّك الذاتي (الدافع الذاتي) وعلى (الإحساس بالمسؤولية) وعلى (السرعة) الممكنة و(التبكير) وإلا فإنّ هناك مَنْ (يتربّص) لـ(يقتنص) أو (يفترس)! 2-    الأحداث: هم الفتيان والفتيات الذين تفتحت مداركهم لإستيعاب ما حولهم، أو ما يصطلح عليهم بالشريعة بـ(الصبيان المميزين) وربّما أُريد بهم الصبيان في سن السابعة، فما بعدها. وقد يراد بهم مَنْ هم في سنّ المراهقة. 3-    الحديث: هو التربية على ما هو نافع وصحيح واجتناب ما هو فاسد وسيِّئ. 4-    قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة: وهو ما يكن الإصطلاح عليه بنظرية (نفي الفراغ) فما لم يملأ – أي فراغ تربوي – بالصحيح الصالح، يملأ بالسقيم الطالح، أما رأيت لو أنّك تركت حديقة المنزل دون عناية ومتابعة لاحتلّت الأعشابُ والحشائش الضارّة والطفيليات أرضَ الحديقة في غزوٍ يوحي بالإبتلاع والإستحواذ؟!   وقفات قصيرة عند كلّ عنوان: 1-    المبادرة: يقول أمير المؤمنين علي (ع) في وصية لإبنه الحسن (ع): "أيْ بُنَيَّ إنِّي لَمَّا رَأيْتُنِي قَدْ بَلَغْتُ سِنّاً ورأيْتُنِي أزْدَادُ وَهْناً بَادَرْتُ بِوَصيَّتِي إلَيْكَ وأوْرَدْتُ خِصَالاً مِنْهَا قَبْلَ أن يَعْجَلَ بِي أجَلِي دُونَ أن أُفْضِيَ إلَيْكَ بِمَا فِي نَفْسِي أوْ أكون أنْقَصَ في رأيي كَمَا نُقِصْتُ في جِسْمِي أوْ يَسْبِقَنِي إلَيْكَ بَعْضُ غَلَباتِ الهَوَى وفِتَنِ الدُّنْيا فَتَكونَ كَالصَّعْبِ النَّفُور وإنَّمَا قَلْبُ الحَدَثِ كالأرض الخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا من شَيْءٍ قَبِلَتْهُ فَبادَرْتُكَ بالأدَبِ قَبْلَ أن يَقْسُوَ قَلْبُكَ ويَشْتَغِلَ لُبُّكَ لتَسْتَقْبِلَ بِجِدِّ رَأيِكَ من الأمْرِ ما قَدْ كَفَاكَ أهْلُ التَّجَارِبِ بُغْيَتَهُ وَتَجْرِبَتَهُ فَتَكُونَ قَدْ كُفِيتَ مَئُونَةَ الطَّلَبِ وَعُوفِيتَ مِنْ عِلَاجِ التَّجْرِبَةِ فَأتَاكَ مِنْ ذلِكَ مَا قَدْ كُنَّا نأتِيهِ وإسْتَبَانَ لَكَ مَا رُبَّمَا أَظْلَمَ عَلَيْنَا مِنْهُ". ما يهمّنا في المبادرة هنا نقطتان: أ‌-     العمل من قبل المربّي قبل أن يدركه الموت (أداؤه لواجبه ومسؤوليته في أوانها). ب‌- الإسراع بتربية الصبي قبل أن يقسو قلبه وتتكلّس مشاعره، ويشتغل عقله بغير ما ينبغي. ت‌- اُنظر إلى تشبيه (قلب الصبي) بـ(الأرض الخالية) الجاهزة لأن تغرس فيها ما تشاء، وإلّا ينبري لها غيرك ممّن قد لا يسرك زرعه، أو ممّن يُرسل على زرعك ناراً فيحرقه. 2-    التربية عند الصغر: قديماً قال أهل الحكمة: "العمل في الصغر كالنقش في الحجر" وهل تمحى نقوش الفراعنة والبابليين والآشوريين والكنائس القديمة والمساجد العتيقة؟ تشيخ الأيّام وهي باقية.. وقديماً قالت العرب: "مَن أدَّبَ ولده صغيراً سُرّ به كبيراً". قال رسول الله (ص): "ما نحن (أعطى هدية) والدٌ من نُحلٍ (هدايا) أفضل من أدب حسن". وينسب لعلي (ع) قوله: حرّض بنيك على الأداب في الصغر *** كيما تقرّ بهم عيناك في الكبر 3-    الحديث: كل ما تُحدّتُ به أبناءك وبناتك من (خير القول) و(صالح العمل) هو حديث.. ولا يخفى انطواء (الحديث) على (الحداثة) أيضاً.. هناك تلازم بين الإثنين، فالأحاديث الرتيبة والجامدة والتي لا تعتمد الإيضاح والتمثيل والشاهد والرقم والقدوة المتحرّكة مملّة ومنفّرة أحياناً. 4-    (المُرجئة) اليوم: كلّ تيار منحرف.. أو فئة ضالّة، أو مدرسة أخلاقية هابطة، أو توجّه إفسادي فاضح، أو قناة فضائية مسمومة، أو موقع إباحي.. هو (مرجئة) أي فرقة، أو فريق مارق لا يلتزم النهج الإسلامي الصحيح.. فلما لم يملؤه (الرَّحمن) بالطيب الصالح، يملؤه (الشيطان) بالخبيث الفاسد.. فلنبادر قبل فوات الأوان.. قصّة واقعية: أحد الآباء يعمل وقتاً كاملاً ويعمل خارج أوقات الدوام، بل في العطل أيضاً.. حين يعود إلى بيته يكون منهكاً تماماً.. يخرج أحياناً وإبنه نائم.. ويعود إبنه نائم.. ذات يوم بقي الطفل ساهراً ينتظر عودة أبيه.. فلمّا أراد الأب الذهاب للنوم.. استدعاه إبنه إلى غرفته.. وقال: أبتِ، هل لك أن تأتي إلى غرفتي؟ لي معك حديث.. دخل الأب مستغرباً من طلب إبنه.. هنا سأله الإبن، أبتاه، كم تأخذ أجراً على الساعة؟! قال الأب: عشرة دولارات. مدّ الإبن يده إلى تحت وسادته وأخرج عشرة دولارات ممّا كان قد ادّخره من مصروفه.. قدّمها لأبيه والأب مندهش.. قال له: ما هذا؟ قال الإبن: خذ هذه العشرة دولارات وأعطني ساعة من وقتك!! مقترحات: 1-    إغتنم وقت ما بين الصلاتين للحديث مع إبنك.. إنّه أنسب الأوقات. 2-    إغتنم فرصة الذهاب إلى المدرسة والعودة منها في السيارة أو في الرحلات العائلية حتى القصير منها.. لتقديم ولو مفهوم تربوي واحد. 3-    إستدعه إلى غرفتك.. أو إذهب إليه إلى غرفته عند الضرورة. 4-    لا أجد أن أوقات مشاهدة التلفاز أو تناول الطعام أو الدراسة مناسبة لحديث تربوي.. لا تقل كلمتك والبال مشغول بغيرها، ربّما بعد الفراغ من الطعام وأنتم جلوس على المائدة.. أو للتعليق السريع على مشهد أو موقف تلفازي سلبي أو حتى إيجابي. 5-    الدعوة إلى جلسة طارئة إذا استدعى الأمر التنبية على أو مناقشة مسألة عامّة تهم الجميع. 6-    إصطحاب الأولاد إلى مجالس الوعظ والذكر، فربّ وعظ يأتي من غريب يكون له يكون وقع أكبر من وعظ القريب، وقد يعزِّزه ويرسخه. التجربة تقول: إذا اتسعت مساحة التعليم والتربية والمتابعة تقلصت مساحة اللوم وعضّ الأصابع والندم وجلد الذات وتأنيب الضمير.►

ارسال التعليق

Top