• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تصلب الشرايين.. بات يهدد الشباب أيضا

إعداد: محمد عبود السعدي

تصلب الشرايين.. بات يهدد الشباب أيضا

 

أطلقت جهات صحية إشارة إنذار: تصلب الشرايين، ذلك "القاتل الصامت"، أصبح في السنوات الأخيرة يطال أيضاً شباناً وشابات في مقتبل العمر، وفي أتم صحة وعافية. نتطرق هنا إلى دراسة كندية حديثة، تشدد على تلك الظاهرة. من المعروف أن تصلب الشرايين، جراء انسدادها بمواد دهنية تتراكم على جدرانها الداخلية يؤدي إلى تقلص قطرها، داء خبيث شائع بين الفئات العمرية المرتفعة، لا سيما بعد سن الـ60. لكن، في السنوات الأخيرة، لوحظ تزايد عدد الشبان والشابات، في سن 18 إلى 40، ممن يعانون حالات تصلب الشرايين، ولو طفيفة وفي بداياتها، لكنها مدعاة قلق في تلك السن، إذ تنذر بتفاقم سريع، قبل الفئة العمرية المشمولة أكثر من غيرها. وما يذهل الباحثين والأطباء، هو أن تلك الحالات آخذة في التزايد المطرد بين الشبيهة. في كندا، مثلاً، أجرت "مؤسسة أمراض القلب"، بالتعاون مع "جامعة لافال" في كيبيك، دراسة في هذا الشأن، جاءت بنتائج مقلقة، مظهرة نسبة عالية من شباب معنيين بتصلب الشرايين، المسمى أيضاً "تعصّد الأوعية الدموية" (بالإنجليزية atheroma وبالفرنسية atherosclerose).   - شباب في صحة جيِّدة: الدراسة أجريت على 500 متطوع، نصفهم رجال ونصفهم نساء، تراوحت أعمارهم بين 18 و35 عاماً. ومن المدهش أن مَن بدت عليهم علامات تصلب الشرايين، أي المراحل الأولى من الداء، ليسوا بدينين، ولا حتى يعانون وزناً زائداً، إنما في صحة "ظاهرية" جيِّدة، لناحية تناسب الوزن والطول، وما يُدعى "مؤشر الكتلة البدنية". إذ تم اختيارهم وفق المعايير التالية: - كلهم شباب لا يعانون أي مرض قلب أو شرايين مشخص. - جميعهم لا ينطبق عليهم أي عامل مؤهّب لأمراض القلب والشرايين والجلطة الدموية. والعوامل المؤهبة هي: "السوابق العائلية" (فمن المعروف أن بعض الأسر معرضة أكثر من غيرها)، والسكري (أو حتى مجرد ارتفاع نسبة السكر، من دون إصابة حقيقية بالسكري)، والتدخين، وارتفاع نسبة الكوليسترول السيِّئ في الدم، وارتفاع ضغط الدم. هكذا، استُبعد من الدراسة أيٌّ من تنطبق عليه إحدى تلك النقاط، وأكثر. ويبرر الدكتور أريك لاروز، أستاذ جراحة القلب في "معهد أمراض القلب والرئتين" في كيبيك، ذلك الخيار بالقول: "توخينا أن تشمل الدراسة شباناً وشابات في صحة ظاهرة جيِّدة، ممن يعدون تجسيداً حياً للصحة والعافية، وذلك بغرض أخذ فكرة دقيقة عن مدى انتشار تصلب الشرايين بين تلك الفئة الطبيعية، وليس أولئك المعروف عنهم أنهم معرضون". يضيف: "فالمصابون المعروفة إصابتهم، أو أولئك الذي ينطبق عليهم واحد أو أكثر من العوامل المؤهبة (المذكورة أعلاه) يدركون أنهم عرضة لتصلب الشرايين، وغيره من أمراض القلب والأوعية الدموية، ما يحضهم على الوقاية واستشارة الطبيب، وبدء علاج مناسب، بخلاف الآخرين، الذين تُوهمهم صحتهم الجيِّدة بأنّهم معصومون من تلك الأمراض، بالتالي لا يميلون إلى مراجعة الطبيب، أو اتخاذ التدابير الوقائية والعلاجية اللازمة".   - تصوير بالرنين المغناطيسي: في أي حال، عمد الباحثون إلى إجراء قياسات جسدية دقيقة، تخص أطوال المشاركين، وأوزانهم، و"مؤشرات الكتلة البدنية" عندهم، خاصة محيطي الخصر والبطن، اللذين يلعبان دوراً بالغاً في تحديد احتمالات الإصابة بتصلب الشرايين. فتمركُز الشحوم في مناطق معينة يُعين الطبيب فعلاً على تحديد تلك الاحتمالات، حتى من دون ضرورة اللجوء إلى فحص بالرنين المغناطيسي. ومن المعروف أنّ "السمنة الوسطية" عامل مساعد مهم في تصلب الشرايين. وبحسب الأطباء، فإن شخصاً نحيفاً على العموم، إنما بسمنة وسطية ظاهرة (حول الخصر والبطن)، أكثر عرضة بكثير من شخص بدين، تكون كيلوغراماته الزائدة موزعة "جغرافياً" بشكل متساوٍ على جسمه. في مرحلة لاحقة، أخضع الباحثون كل مشارك لفحص "التصوير بالرنين المغناطيسي"، لتحديد العناصر الآتية بشكل دقيق: 1- كمية الشحم الجلدي (أي الواقع تحت البشرة مباشرة، وهو عموماً سهل التحديد ذاتياً، باللمس أو قرص البطن، لكونه ظاهراً). 2- كمية الشحم المعوي والصدري (حول المعدة والأمعاء والرئتين والحجاب الحاجز). 3- كمية الشحم المتمركز حول الأحشاء والأعضاء الأخرى. 4- كمية شحم الأوعية الدموية، التي يعدّ حسابها بدقة هو الأصعب. 5- قطر الشريان السُّباتي، الذي يوصل الدم من القلب إلى الرأس والدماغ (بينما يقوم الوريد الوداجي بإعادة الدم إلى القلب). وهذا هو المهم. فعُرض الشريان السباتي يعطي فكرة جيِّدة عن حالة الشرايين عموماً، وما إن كان الأمر يتطلب إجراء فحوص أخرى أم لا.   - أسباب "كلاسيكية": وهنا وجدوا المفاجأة: عرض الشريان السباتي ليس "مثالياً" عند نسب معينة من الشبان والشابات المتطوعين في الدراسة. ونقول "نسب معينة" إذ تتراوح شدة "التعصد الشرياني"، أي وجود كريات شحمية تسد الجدران الداخلية للشريان، بين الطفيفة جدّاً ومتوسطة الخطورة، وحتى الخطرة في ما يخص عدداً قليلاً من المشاركين. وحتى عند المعنيين بالتصلب بشكل طفيف جدّاً، وجدوا أن كميات "الشحم الداخلي"، أي غير الظاهر من الخارج، بما أنّه متمركز بشكل خاص حول المعدة والأمعاء، وفي التجويف الصدري وحوله، هي أعلى مما هي عليه بشكل ملحوظ، بالقياس إلى المشاركين السليمين تماماً. ويعلق الدكتور لاروز بالقول: "بات معلوماً أنّ السمنة الظاهرة تشكل أرضاً خصبة لتصلب الشرايين، لكن ما كنا نجهله هو أنّ السمنة غير الظاهرة، هي أيضاً، مدعاة قلق لكونها تفضي إلى بدء انسداد الشرايين في سن مبكرة للغاية، في وقت لا يتوقع فيه الشخص المعني أنّه سيكون عرضة لخطر التصلب منذ أربعينات عمره، وليس بدءاً من ستينات العمر". يضيف: "إنّ حساب تلك العوامل، أي الوزن والطول ومؤشر الكتلة الجسدية، إنّما معاً مع كمية الشحم الداخلي، وبشكل خاص شحم الأوعية الدموية، يؤمّن وسيلة أكيدة للوقاية من أي تصلب شرياني حقيقي لاحقاً، مع العلم أن كمية الشحوم في الأوعية تتناسب طردياً مع احتمالات الإصابة المبكرة بالتصلب الشرياني". أما عن أسباب ظاهرة تزايد حالات تصلب الشرايين في سن مبكرة أكثر وأكثر، ولدى شباب يبدون في أتم عافية، فيؤكد باحثو "مؤسسة أمراض القلب" و"جامعة لافال" في كيبيك، الذين أجروا الدراسة، أنها "كلاسيكية"، أي تتلخص في تفشي العادات الغذائية السيِّئة بين المراهقين والشباب، وبشكل خاص قلة الحركة وتزايد الخمول بسبب ممارسات اجتماعية جديدة، يأتي في مقدمتها تصفح شبكة الإنترنت ساعات متواصلة، من دون حركة. ويشير الدكتور لاروز في هذا الشأن إلى أنّ الدراسة أظهرت نسبة تصلب تقارب الصفر لدى تلامذة سابقين، أمضوا دراستهم في ثانوية خاصة في كيبيك، ترغم تلامذتها جميعاً على متابعة حصة إلزامية في الرياضة البدنية، قوامها ساعة بأكملها يومياً، من دون أي استثناء أو تقاعس، سوى عند الضرورة القصوى. وفي رأيه، "يثبت ذلك أن محاربة تصلب الشرايين تبدأ في سن مبكرة جدّاً، بل منذ المراهقة".   - وفيات مرتفعة: كما يشير الباحثون إلى أن تلك الدراسة عززت استنتاجات دراسة مشابهة، كانت أجريت في الولايات المتحدة، قبل بضع سنوات، على جثث شباب قتلوا في "الحرب"، أو في حوادث سير أو حوادث أخرى متفرقة، فوُجد أن 80 في المئة من بينهم كانوا، في حياتهم، مصابين بتصلب ما في الشرايين، طفيف إلى خطير. لكن الدراسة الكندية، بحسب الدكتور لاروز، "تتميز بكونها أجريت مع شباب على قيد الحياة، وأمامهم المستقبل كله، وليس على جثث تم تشريحها". أمّا البروفيسور جورج هونوس، رئيس "مؤسسة أمراض القلب والشرايين الكندية"، فيُذكّر بأن نسبة أمراض القلب والجلطة الدموية مرتفعة في بلاده، "بحيث يموت جراءها شخص كل 7 دقائق". يضيف: "لكن الخبر الجيِّد هو أنّ الوقاية من أمراض القلب والجلطة الدموية هينة جدّاً. إذ يكفي الالتزام بقواعد صحية بسيطة، والحرص على تغذية سليمة غير غنية بالشحميات والنشويات. وبشكل خاص، يجب نبذ الخمول والقيام بحركة بسيطة، وليس بالضرورة بتمارين قاسية. فالمشي الخفيف يكفي، أو السباحة أو ركوب دراجة هوائية، أو أيّ ما من شأنه كسر الخمول، ولو بصورة طفيفة".

ارسال التعليق

Top