• ١٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

سلوكيات المراهقين

عبدالله أحمد اليوسف

سلوكيات المراهقين

◄لكل مرحلة من مراحل عمر الإنسان سلوكيات وتصرفات وخصائص معينة، فلمرحلة الطفولة سلوكياتها، وكذلك لمرحلة الشباب، ومن ثمّ مرحلة الشيخوخة، كما أنّ لمرحلة المراهقة سلوكياتها المتميزة عن غيرها من المراحل؛ ويمكن الإشارة إلى أبرز سلوكيات المراهق في النقاط التالية:

 

1-    العواطف الحساسة:

من أبرز سلوكيات المراهق هو اتصافه بالعواطف الحساسة، إذ يتسم سلوكه في الجانب العاطفي بالتقلب والتلون والتغير بين لحظة وأخرى، بَيْدَ أنّ الحساسية المفرطة، والتقلب العاطفي السريع يسيطر على شخصية المراهق بصورة أوضح وأقوى من المراحل الأخرى التي يمر بها الإنسان.

"تعد التقلبات العاطفية واحدة من أبرز العلائم الدالة على هذه المرحلة من الحياة. ولذا فلا عجب من ملاحظة إبداء المراهقين حساسية مفرطة تجاه انتقادات الآخرين نتيجة عدم وثوقهم بهم واطمئنانهم إليهم. للأسف إن عدم ثبات العواطف الانفعالية، غالباً ما يعرض هؤلاء إلى انتقاد الآخرين. فمثلاً نجد المراهق أحياناً يميل، رغم تمتعه بصداقات عديدة، إلى الابتعاد عن الجمع وإلى قضاء أوقاته في عزلة عن الآخرين.

ومما يؤسف له حقاً هو أنّ المراهقين يواجهون، في بعض الحالات، عندما يكونون قلقين عاطفياً، معاملة غير صحيحة من قبل الكبار بحيث يساهم ذلك في زيادة قلقهم واضطرابهم العاطفي، ويشعرهم باليأس والإحباط من إمكانية العثور على من يعتمدون عليه في سبيل تسكين اضطراباتهم العاطفية.

إنّ عدم الاستقرار العاطفي يحد بطبيعته من قدرة المراهق على اتخاذ القرارات الصحية والحاسمة في شؤونه بحيث يمكن القول أنّه يتسم بالحيرة والتردد في تعامله مع الأشياء، وقد وصف بعض علماء النفس هذه الفترة من الحياة بفترة "الميول المتناقضة" فأحياناً يلاحظ عليه مشاعر "عاطفية رقيقة" وفي أخرى "عدائية عنيفة". ويتفعل لديه في هذه السن حب الاطلاع ورغبة شديدة في فك رموز الغوامض والاطلاع على أسرارها. إلا أنّه وبطبيعة الحال يتسم في بعض الحالات باللاأبالية وبعدم الاكتراث بالمسائل أيضاً.

ويعتبر "استانلي هال" هذه الميول والرغبات المتناقضة من المعالم البارزة لمرحلة في إطار شرحه لمفهوم "العصف والضغط".

ويتسم المراهقون، خلال مرحلة البلوغ – بصورة واضحة – بسرعة الانفعال والتأثر. وتتصف ردود أفعالهم تجاه الأشياء عادة بالهياج العاطفي الحاد. ويبلغ الفوران العاطفي لديهم درجة من الشدة بحيث أن كلمة بسيطة أو إشارة عابرة كافية لأن تثور أعصابهم وتهيج انفعالاتهم، وتتجلى معالمها عليهم بوضوح على شكل احمرار الوجه والعينين. فكما تشتد الانفعالات العاطفية في هذه الفترة، تتسع أيضاً عدد ونوع المؤثرات، وتأخذ الانفعالات المذكورة منحى أكثر غموضاً وإبهاماً. ويجب الانتباه إلى أنّ التغييرات الانفعالية، التي تحصل خلال هذه الفترة من الحياة، إنما هي نتيجة للمعامل الجديدة للجهاز الهرموني والعصبي عند الشخص. ويبدو أنّ السبب يعود إلى أنّ المعامل الجديدة للجهاز الهرموني، التي تتفعل في هذه المرحلة، تتسم بنوع من الحساسية تجاه المؤثرات الجديدة".

ولذلك، يحتاج المراهقون في هذه الفترة الحساسة من حياتهم إلى التوجيه والإرشاد، من أجل ضبط عواطفهم، وتعديل تصرفاتهم، وتهذيب أنفسهم. كما أنّ من المهم للغاية أن يرعى الآباء أولادهم بكل عناية واهتمام في هذه الفترة الزمنية التي تتسم بالأهمية والخطورة.

 

2-    حب المغامرة:

إنّ الخصيصة الأخرى التي تميز المراهقين عن سائر الفئات العمرية هي رغبتهم الشديدة بالاطلاع والخوض في الأحداث والوقائع الغامضة في الحياة. وقد يكون كلّ منا قد لاحظ بنحو وآخر مدى الشوق والرغبة التي يبديها المراهقون من أجل الاطلاع على القضايا والحوادث الغريبة. وبشكل عام إنّ المسائل المجهولة، بالنسبة لهم، تثير فضولهم وتحرك لديهم غريزة حبّ الاطلاع. وهذه الحالة تتفعل بشكل خاص في سن 13-15 عاماً، ويزداد ميلهم إلى قراءة قصص المغامرات.

يميل المراهق بشدة إلى السفر للمناطق المجهولة، وإلى التجول في الغابات الكثيفة وفي الوديان الغامضة، وتسلق القمم العالية، وعبور الأنهار والبحار المتلاطمة الأمواج، وبالتالي اكتشاف المغامرات والكهوف والبحث عن الكنوز المندرسة.

وحبّ المغامرة يمكن إشباعها بطريقة إيجابية عند المراهقين؛ وذلك من خلال استثمار هذا السلوك في الإبداع والابتكار، وتوفير الألعاب والبرامج المفيدة التي تملأ فراغ المراهقين، كما يمكن القيام برحلات وسفرات وتحقق بعض مطالب المراهقين في إشباع (حبّ المغامرة) لديهم.

وإذا لم تستثمر (حبّ المغامرة) بصورة إيجابية وسليمة، فإنّ البديل سيكون توظيفها بصورة سلبية وخاطئة، من خلال القيام بأعمال خاطئة، أو تصرفات سيئة، أو حركات تخالف قيم وأعراف المجتمع.

 

3-    العناد والتمرد:

إنّ أغلب أولياء الأمور يشكون من حالة المشاكسة والتمرد لدى أبنائهم في سن المراهقة. ولندرة حالات الطاعة والألفة بين أفراد هذه الفئة، نلاحظ أن بعض أولياء الأمور يتفاخرون بنجابة وإلفة أبنائهم إذا شاهدوا شيئاً من الطاعة لأوامرهم ونواهيهم من قبلهم. ومن لا يفخر بهذه الحالة الأخيرة ولا يدعي أن أبناءه يثقون به وينفتحون عليه في كلّ شؤونهم؟!

وبعبارة أخرى: فإن أغلب المراهقين يبتعدون عن والديهم من الناحية العاطفية، ويعصون أوامرهم، وقد يبادرون حتى إلى الوقوف بوجوههم في بعض الموارد. وتعود بواعث هذه المواقف إلى أنّ المراهقين يعتبرون أولياء أمورهم أناس متعصبون وجافون ومعارضون لأساليب الحياة العصرية.

ولأن معظم المراهقين يعتبرون أنفسهم أكثر فهماً وعلماً وانفتاحاً على قضايا العصر، ينشأ العناد عندهم، بل والتمرد على أوامر الوالدين، وحتى المجتمع!

فالمراهقون ينظرون إلى من حولهم بأنهم يفكرون بطريقة قديمة ومتخلفة، ومن ثمّ يحاولون الانسلاخ والابتعاد عن مواقف ورغبات وثوابت الوالدين، بل والابتعاد عن عادات وتقاليد المجتمع، بهدف إثبات الذات، وإشباع حبّ الظهور، والعمل على البروز بمظهر الفاهم والراشد والمتحضر!

ولعلاج هذا السلوك، لابدّ من فهم متغيرات العصر، ومحاولة معرفة أن تفكير الابن المراهق يختلف عن تفكير الأب عندما كان في فترة المراهقة، والسماح ببعض الحرية المنضبطة بضوابط الشرع والعقل للأولاد المراهقين، حتى نحافظ عليهم من الانسياق المتطرف وراء رغباتهم ونزواتهم، وضبط تصرفاتهم بإيقاع هادئ كي يمكن الحفاظ على العلاقة الودية بين المراهقين وأسرهم.

 

4-    المزاجية المتقلبة:

إنّ التفاعلات النفسية خلال فترة المراهقة تنعكس في آثارها على سلوك الشخصية في الخارج، فتبدو عليها تغيرات في المزاج وفي التصرف مع الآخرين، وقد تبلغ هذه التغيرات من الشدة أحياناً درجة يضيق بها أولياء الأمور ذرعاً.

إلا أنّه لابدّ من الاعتراف بأنّ الإناث يختلفنّ في هذا المجال عن الذكور، حيث إنهنّ أكثر تأدباً ووقاراً في سلوكهنّ من الذكور.

ولأنّ المراهق أو المراهقة يعاني في هذه الأثناء من حالة الاكتئاب والتبدل في المزاج، لذا فإنّ المحيطين به من الأصدقاء والزملاء يتصورون أنّه شخص حاد الطباع ويحمل روحاً عدائية تجاه الآخرين؛ وفي الوقت ذاته يذهب والديه إلى الاعتقاد بأنّه شخص خجول وميال إلى الانزواء والوحدة.

ففي هذه الفترة تتبدل طبائع المراهق والمراهقة، وتتغير معها معايير الحب والكراهية لديه. فمن كان يحبه ويرغب في معاشرته إلى ما قبل هذه الحالة، قد يزهد به الآن ولا يطيق وجوده بالقرب منه، ومن كان ينفر منه ويضيق به ذرعاً قبل ذلك، قد ينجذب إليه ويهتم بمصاحبته الآن. كلّ ذلك دون أن يعني أن لديه مبررات معقولة ومنطقية لمواقفه الجديدة وإن كان هو يتصور أن لديه مثل هذه المبررات.

ويتعرض المزاج، في هذه المرحلة من السنين، لاختلالات عديدة، تصبح أرضية لابتلاء الشخص بأمراض متنوعة. وبحسب "دوريس أولوم" تشمل الاختلالات الاعتدال في وظيفة الأعضاء، وأوجاع الرأس، وسوء الهضم، والإسهال، والرجفة، والخمول والشعور بالتعب.

إنّ مزاج أعضاء فئة المراهقين في تغير وتبدل مستمرين، بحيث نلاحظ أنهم يعانون من انعدام الشهية في الأكل تارة، بينما يقبلون على الطعام بينهم تارة أخرى. وقد يعانون من آلام في المعدة على أثر تناولهم شيئاً قليلاً من الطعام في وقت ما، بينما يأكلون في وقت آخر إلى حد الامتلاء دون أن يشعروا بأي مشكلة.

وهنا ينبغي على الوالدين كما المجتمع تفهم هذا السلوك المزاجي المتقلب الذي يصاحب فترة المراهقة، فالمراهق سريع التأثير، حساس جدّاً، مرهف المشاعر، متغير الأطوار، متلون في العواطف، متقلب في السلوك.. وباختصار متقلب في المزاج بسرعة كبيرة!

وفهم المحيطين بالمراهق بهذه الخصيصة يساهم في معرفة فن التعامل معه بصورة إيجابية، والعمل على توجيهه بكل هدوء ولطافة بحيث يمكن التأثير عليه.

 

5-    التصرفات المزعجة:

تعد التصرفات المزعجة التي يقوم بها المراهقون من سلوكيات هذه المرحلة الحساسة في حياة الإنسان إذ يمتاز المراهقون في هذه المرحلة بفوران عاطفي حاد، وقد يبكون ويضحكون بصوتٍ عالٍ، أو يمارسون العنف لأتفه الأسباب، وأحياناً يشعرون أنهم محرومون من اللذات الخاصة بهذه السن، ومحرومون من الحرية والاستقلال، وحتى من الزواج!! مما ينتج لدى هذه الفئة نوع من الرغبة والنشاط الاستثنائي بحسب رأي "موريس دبس"، والمقصود هو نوع من العاطفة المتطرفة التي يمكن أن تستولي على كيان ومشاعر الشخص بالكامل وتوجه طاقاته باتجاه معيّن.

إنّ الرغبة في التظاهر، والتي تمليها الغريزة في هذه السن تدفع بالمراهقين أحياناً إلى التفوه بعبارات غير مؤدبة أو استهزائية، وهو الأمر الذي يستغربه أولياء الأمور والمربين، ويتهمون على أساسه بالخفة والوقاحة وقلة الأدب.

إنّ مرحلة المراهقة، مرحلة شاقة ومتعبة بالنسبة لأولياء الأمور والمربين، لأنها فترة تمتاز ببروز تناقضات كثيرة على تصرفات وسلوك الأحداث، ويمكن تشبيهها بالثورة أو العاصفة العاتية التي تقلب الأشياء رأساً على عقب، وهي بحاجة إلى التروي وإلى مزيد من التحمل والصبر عند التعامل معها.

وإذا لم يُحْط المراهقون بالعناية والتربية اللازمة فقد تزداد خطورة التصرفات المزعجة وتصل لمرحلة ارتكاب الجرائم من قبيل الاغتصاب، والشذوذ الجنسي، والقيام بالسرقة، وأعمال الخطف، والاعتداء على الناس... وغير ذلك.

إنّ مرحلة المراهقة مرحلة حساسة للغاية، وتتطلب من الوالدين والمربين اهتماماً  كبيراً للعناية والمراقبة والتوجيه للمراهقين، وهي بلا شك عملية صعبة جدّاً في هذه المرحلة، إلا أنّ الوقاية خير من العلاج، لذلك على الآباء والمربين بذل كلّ الجهود الممكنة لتربية المراهقين تربية سليمة، وتهذيب سلوكهم، وتزكية أنفسهم، كي نحافظ على هذا الجيل من الانحراف والانحطاط.►

 

المصدر: كتاب كيف تتعامل مع أولادك المراهقين؟

ارسال التعليق

Top