• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

صداقات الرجل.. هل تتغير بعد الزواج؟

تحقيق: مريم الصريدي

صداقات الرجل.. هل تتغير بعد الزواج؟
      ثمة زوجات يتفهمن استمرارها وأخريات يرفضنها

◄مهما تكن علاقة الشاب بأصدقائه متينة وقوية، إلا أن زواج ذلك الشاب، يعني غالباً أن عداً تنازلياً لعلاقة الصداقة قد بدأ. فالزوجة من ناحيتها لا تحب أن يشاركها في زوجها أحد. والأصدقاء من ناحيتهم يعتبون على صديقهم، العريس الجديد، لإنشغاله عنهم. أما الزوج، فيقف حائراً بين الطرفين.

أصدقاء الزوج من أيام العزوبية ليسوا غالباً موضع ترحيب في مؤسسة الزواج، فهم ينالون نصيباً من وقت الزوج، ترى زوجته أنها أحق به منهم، ويزداد الطين بلة، إذا كان أولئك الأصدقاء لم يدخلوا القفص الذهبي بعد. فحينها، تحوم حولهم كثير من الشكوك والمخاوف. وعبثاً، يحاول الزوج إرضاء زوجته وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من علاقات صداقة قديمة باتت على المحك.

كيف يرى الأزواج والزوجات ومعسكر الأصدقاء التغيرات الحاصلة؟ وإلى أي مدى يتفهمها كل طرف من الأطراف؟ موضع طُرح على طاولة الحوار..

 

-       بين زوجتي وأصدقائي:

يقف ضرار الحموز (متزوج) حائراً بين إرضاء زوجته وإرضاء أصحابه، وهو إذ يتحدث عن هذا الموقف، يقول: "لديّ عدد كبير من الأصدقاء الذين تجمعني بهم علاقة صداقة قوية منذ سنوات طويلة قبل زواجي. ولا شك في أن مثل تلك الصداقة الوطيدة، تفرض إلتزامات معينة تجاه هؤلاء الأصدقاء، مثل تخصيص جانب من الوقت أقضيه معهم ومساندتهم في أوقات الشدة".

وإذ يوضح ضرار أن هذا الأمر "لا ينال رضا زوجتي، غير أنني أتلمس لها العذر في ذلك"، لافتاً إلى أنها "كغيرها من الزوجات ترغب في أن يقضي معها زوجها أطول وقت ممكن".

ويكشف ضرار أنّه تمكن من إيجاد حل وسط، يتحدث عنه قائلاً: "قمت بعد الزواج بإجراء نوع من التقييم والمفاضلة للعلاقات التي تربطني بأصحابي، واخترت من بينها الصداقات القوية والمتينة فأبقيت عليها، خصوصاً أن هؤلاء الأصدقاء يقدّرون ظروفي بعد الزواج ويتفهمون طبيعة الالتزامات التي أصبحتُ أتحملها. أما العلاقات السطحية التي كانت تربطني بأشخاص غير مقربين، فقمت باستبعادها".

 

-       المتزوج أفضل:

حالة الحيرة التي يعيشها ضرار الحموز، هي ذاتها التي يعيشها عمار قاسم (متزوج)، إنما يُضاف إليها أن أصدقاءه لا يتوقفون عن لومه وعتابه على إنشغاله عنهم بعد زواجه، ويتحدث عمار عن ذلك قائلاً: "لقد وجدت أن أصدقائي المتزوجين أكثر مراعاة وتقديراً لظروفي مقارنةً بغير المتزوجين الذين لم يختبروا مسؤوليات الزواج والتزاماته بعد. لذا، فإنهم لم يتوقفوا عن عتابي ولومي حتى الآن، على الرغم من مضي سنوات على زواجي". وبينما يقدم تفسيراً لذلك يقول: "أعتقد أنّ الرجل المتزوج أكثر تفهماً للتغيرات التي تطرأ على صديقه بعد زواجه، فهو يلتمس لصاحبه مئة عذر وعذر ولا يفسر انشغاله عنه بأن تحولاً طرأ على صداقتهما. على العكس مما هي عليه الحال بالنسبة إلى الأصدقاء العزاب الذين يجدون صعوبة في تفهم ظروف صديقهم المتزوج ومشاغله، ولا يتوقفون عن عتابه ولومه، واتهامه بأنّه يتعمد التهرب منهم وعدم التواصل معهم".

 

-       يجب أن لا تتأثر:

"العلاقة الوحيدة بين الأصدقاء لا تتأثر مطلقاً بزواج أحدهم". هذا ما يؤكده محمد أمين (متزوج)، لافتاً إلى "أن علاقات الصداقة مهمة في حياة الإنسان ولا يمكن الإستغناء عنها أو إستبدالها بأي نوع آخر من العلاقات". ويضيف: "صحيح أنّ الأمور بين الأصدقاء تسير إلى نحو مختلف بعد زواج أحدهم، حيث يقل الوقت الذي يمنحه لهم، إلا أنّ هذا التغير يمكن لجميع الأطراف تفهمه والتعامل معه". ويتحدث أحمد عن تجربته الشخصية موضحاً "أنّ السهر مع أصحابي، وتمضية بعض الوقت برفقتهم، أمر يزعج زوجتي إلى حد ما، وهي لا تزال غير معتادة عليه". ويقول: "على الرغم من أنها تتفهم ذلك أحياناً، إلا أن عبارات اللوم والعتاب تظل حاضرة في ذهنها. أما أنا، فيصعب عليّ الدفاع عن نفسي، وأتقبل عتابها بسعة صدور وروح طيبة".

 

-       زوجتي هي الداعم لصداقاتي:

أما مصطفى عامر (متزوج)، فيصنف نفسه في خانة الأزواج "سعداء الحظ"، يقول: "بخلاف زوجات كثيرات، إن زوجتي هي التي تحثني على التواصل مع أصدقائي وتطلب مني من حين إلى آخر أن ألتقيهم وأقضي معهم بعض الوقت". ويُعطل مصطفى سلوك زوجته الذي يغبط نفسه عليه كثيراً بالإشارة إلى أن "إهتمام زوجتي بأن تبقى علاقتي بأصدقائي وطيدة حتى بعد الزواج، نابع من قناعتها بأهمية الصداقة في حياة الإنسان كقيمة يجب الحفاظ عليها وعدم التفريط فيها بسهولة، كما أنها تؤمن بأنّ الوقت الذي أقضيه مع أصدقائي، يُضفي على حياتي نوعاً من التجديد والترويح، بعيداً عن روتين العمل وضغوط الحياة".

ويضيف مصطفى: "أنا لا أنكر أنّ الحياة الأسرية تأخذني أحياناً بعيداً عن أصحابي، ولكن أصدقائي يتفهمون هذا الأمر جيداً ويقدّرون طبيعة التغيرات التي طرأت على حياتي بعد الزواج، وأحمد الله أن صداقتنا لم تتأثر وبقيت قوية ووطيدة كما كانت عليه قبل زواجي. وهذا الأمر يُشعرني بالسعادة".

 

-       حقّ الصداقة:

من جانبه، يؤكد نبيل غصن (أعزب) "أن هناك تغيراً يطرأ على الرجل بعد الزواج، في ما يتعلق بعلاقاته مع أصدقائه، خاصة المقربين منهم". ويتابع لافتاً إلى أنّ "هذا التغير لا يلاحظه عادةً الشخص نفسه، ولكنّ أصدقاءه هم الذين يلاحظون ذلك جيِّداً، وربما لا يُثار الأمر في ما بينهم بشكل واضح وصريح، إلا على خلفية موقف ما يتأكد فيه إنشغال صديقهم عنهم". ويتابع نبيل مبيناً "أنّ المصارحة قد تؤدي إلى عودة المياه إلى مجاريها. ولكن في أحيان أخرى، يجد الصديق المتزوج صعوبة في الوفاء بحق زوجته وحق أصدقائه. وعندها، ربما يفضل الأصدقاء الانزواء للتعامل مع التغير الذي طرأ على صديقهم بصبر وحكمة، وهذا هو أبسط حقوق الصداقة".

 

-       لا تَفْنى:

في المقابل، هناك من الأصدقاء العزاب الذين لديم رأي مختلف إلى حد ما، ومن هؤلاء قاسم اللقيس (أعزب) الذي يرى "أنّ الصداقة الحقيقية يصعب أن تفنى". ولهذا، يقول قاسم: "لا شك في أن تقدير ظروف الأصدقاء المتزوجين أمر في غاية الأهمية، ويجب علينا كأصحاب مراعاة مسؤولياتهم الجديدة". ولكن قاسم يعود ليستدرك موقفه مسرعاً، مشيراً إلى أن "ذلك التقدير وتلك المراعاة، يتطلبان من هؤلاء الأصدقاء أن يظهروا قدراً من الاهتمام وألا يتعمدوا تجاهل أصدقائهم العزاب، فهذا القدر القليل من المودة يُغنينا عن تصفية حساباتنا معهم". وعلى الرغم من تفهمه الأمر، إلا أن قاسم يعود ليؤكد أنّه لا ينكر أنّه يشعر أحياناً بالغيظ حينما يعتذر أحد أصدقائه المتزوجين عن لقائه أو عن موعد بينهما، ويقول: "مثلما أقدّر أنا ظروفه يتعين عليه بدوره أن يُظهر قدراً من الوفاء لصداقته القديمة".

 

-       نعم للتغيير:

صحيح أنّ الأمر يتعلق بالزوج وأصدقائه، إلا أنّ الزوجة ذات حضور قوي في هذا الموضوع، فرأيها مؤثر، وكلمتها مسموعة.. غالباً. انطلاقاً من هنا، لا تنكر رشا عبدالرزاق (متزوجة) حقيقة أنها مطمئنة لكون علاقة زوجها بأصحابه "أصبحت أقل مما كانت عليه"، حيث إنها تشير إلى أن "من الضروري أن تتغير علاقة الرجل بأصحابه بعد الزواج. فهذا الأمر لابدّ منه، لأن ترتيب أولوياته يتبدل بما يتماشى مع المسؤوليات الجديدة التي أصبح يتحملها، وبالتالي لن يتمكن من أن يمنح أصدقاءه المساحة نفسها من الوقت التي كان يمنحها لهم سابقاً". من ناحية أخرى، لا ترتاح رشا لأن تضم دائرة أصدقاء زوجها غير المتزوجين، مبررة ذلك بقولها: "أعتقد أنّ الرجال غير المتزوجين أكثر حرية وتهوراً في تصرفاتهم، وقد يورطون أنفسهم في بعض الأمور التي لا تناسب الرجال المتزوجين، ولا أستبعد أن يتأثر زوجي برفقاء من هذا النوع. لذا، أشجعه دائماً على مصادقة رجال متزوجين، لكونهم يراعون ظروفه من ناحية، عدا عن أنهم يتفهمون الحياة الزوجية، وملتزمون بمواعيد محددة".

 

-       كلاهما ضروري:

الأسلوب الذي تتبعه رشا والذي تُفضل من خلاله أن يصادق زوجها رجالاً متزوجين، قريب نوعاً من الأسلوب الذي تتبعه آمال الرمحي (متزوجة)، التي ترى "أنّه ليس من المنطقي أن تتجمد علاقات الصداقة بين الرجل وأصدقائه بسبب زواجه، فمسؤوليات الزوجة والأسرة الجديدة لا تستحوذ على وقت الزوج بالكامل، وبالتالي فهي لا تحول بينه وبين أصدقائه". وتضيف الرمحي: "إنّ علاقة الرجل بزوجته وعلاقته بأصدقائه، من الأمور المهمة في حياة أي إنسان، ولا يمكن أن يستغني عنها بسهولة، فكلاهما ضروري". وتتابع: "شخصياً، أفضل أن يكون لدى زوجي أصدقاء كثيرون، ولكن من المتزوجين فقط. لذا قمت بخطوة إيجابية تمثلت في التعرف إلى زوجات أصدقائه، وبناء علاقة قوية معهنّ، وهذا الأمر ساعد على تقوية علاقة زوجي بأصدقائه من ناحية، ومن ناحية ثانية صرفه عن صداقاته مع الشبان العزاب، وهذا أمر أرتاح له كثيراً".

 

-       محظوظة:

دفاعاً عن الزوجات، ترى أمل محمد (ربة بيت، متزوجة) من الضروري أن "تتبدل علاقات الصداقة بين الرجال بعد الزواج". ولكنها تشير إلى أن "هذا لا يعني أنّ الزوجة هي السبب الرئيسي في حدوث تلك التغيرات"، قائلة: "إنّ المفهوم المتداول بين الشبان أنّ الزوجة هي سبب دمار علاقات الصداقة بين الأصحاب، هو مفهوم خاطئ، إذن إنّ الرجل المتزوج مرتبط بمسؤوليات عديدة يفرضها عليه بيته وعمله وأسرته، والرجل وحده هو صاحب القرار في تقسيم وقته وتحديد أولوياته، والزوجة لا يد لها في ذلك".

"أنا محظوظة.. لكون زوجي بيتوتي"، عبارة ترددها أمل وهي تشعر برضا بالغ، وتقول: "يسعدني أن إهتمام زوجي موجَّه نحوي أنا وأبنائنا في الدرجة الأولى، وأن بقاءه في البيت يشعرني بالاطمئنان والراحة التامة، كذلك للأبناء، لكن هذا لا يمنع من أن يكون لديه أصدقاء يقضي معهم بعض الوقت، إنما بالقدر المعقول".

 

-       اختلاف الرجال:

تؤكد الاستشارية الأسرية الدكتورة غادة الشيخ "أنّ التغير الذي يطرأ على علاقة الرجل بأصدقائه بعد زواجه تراجعاً بسبب إنشغاله بحياته الجديدة، وبالالتزامات والمسؤوليات التي تربت على ذلك، والتي باتت تستحوذ على قدر كبير من وقته واهتمامه" ولكنها تلفت إلى "أنّ هذا لا يمنع وجود حالات استثنائية تنجح في الحفاظ على علاقات الأصدقاء بالوتيرة ذاتها، بفضل نجاحهم في تحقيق نوع من الموازنة وحسن استغلال الوقت، بحيث ينجحون في إرضاء كل من الزوجة والأصدقاء، ولا شك في أنّ هذا حل مثالي". من ناحية أخرى تستبعد. الشيخ "أن يطرأ تغير جوهري على مفهوم الصداقة أو عمقها بسبب زواج الرجل" وتعقب موضحةً "إن ما يتغير حقيقةً، هو مقدار الوقت الذي يمنحه الزوج أصدقاءه، وليس اهتمامه بهم وتقديره لهم". وتقول: "إذا كان الزوج معتاداً على قضاء وقت طويل مع أصدقائه قبل زواجه، لا شك في أنهم سيلاحظون التغير الذي سيطرأ بعد زواج صديقهم، وهم غالباً سيتأثرون بذلك". وتضيف د. الشيخ موضحة "إنّ المشكلة الحقيقية تظهر إذا لم يتفهم الأصدقاء التغير الحاصل في حياة صاحبهم وعجزوا عن التماس العذر له، ففي هذه الحالة قد تنتهي صداقتهم به تدريجياً". وإذ تتوجه د. غادة الشيخ بحديثها إلى كل من الزوجات والأزواج، تبدأ بالزوجات موضحة: "من الخطأ تصور أنّ الرجل يمكنه الإستغناء عن أصدقائه، فالرجال لا يتنازلون بسهولة عن علاقاتهم بأصدقائهم، ومهما تكن ظروفهم الزوجية أو الأسرية، فإن منزلة الأصدقاء لديهم لا تتراجع إلى الوراء". أما الأزواج فتنصحهم بالقول: "من المفيد جدّاً تحقيق توازن تام بين المسؤوليات الزوجية والأسرية وحقوق ومسؤوليات الصداقة، من دون أن يجور أحدهما على الآخر، فهذا التوازن هو السيل الوحيد للحفاظ على العلاقتين، وعدم المجازفة بإرضاء طرف على حساب الآخر".

 

-       نعم لتغيُّر العلاقة:

أما في ما يتعلق بالجانب النفسي للموضوع، فيوضح إستشاري الأمراض النفسية الدكتور طارق خماس "أنّ الرجل يحتاج عقب زواجه إلى فترة كافية ليتأقلم مع التغيرات الحياتية الجديدة، التي تحدث عند إنتقاله من حياة العزوبية إلى الإستقرار وتكوين أسرة"، لافتاً إلى أن "تلك التغيرات لابدّ أن تطال أطرافاً عديدة من جملتها أصدقاء الزوج". ويؤكد د. خماس "أنّ النجاح في هذا الأمر يتطلب قدراً من الوعي والتفهم من الأطراف الثلاثة، فالزوج مطالب بتوزيع وقته وإهتمامه بشكل جيِّد بحيث يمنح كل طرف حقه. والزوجة مطالبة بأن تعي أهمية علاقة الصداقة في حياة زوجها، فلا تفتعل المشاكل والخلافات معه بسببهم، والأصدقاء بدورهم مطالبون بأن يتفهموا التغير الذي طرأ على حياة صديقهم، لا أن يكلفوه فوق طاقته ولا أن يطلبوا منه قضاء وقت طويل معهم أو السهر لوقت متأخر".

ومن خلال تشخصيه المترددين على عيادته يستعرض د. طارق خماس بعض المشكلات النفسية التي يعانيها الأزواج بسبب علاقتهم بأصدقائهم، يقول: "يتردد على العيادة عدد كبير من الرجال الذين يعانون بسبب عدم قدرتهم على الموازنة بين حياتهم الزوجية وعلاقتهم بأصدقائهم، وهذا الأمر عائد إلى عدم قدرتهم على إدخال التغيير اللازم على علاقتهم بأصدقائهم بعد الزواج، حيث تبقى الحال على ما كانت عليه في أيام العزوبية". ويضيف: "بالطبع، فإن حالاً كهذه، لن ترضي الزوجة، فتبدأ الخلافات والضغوط النفسية". أما بالنسبة إلى الزوجات، فيقول د. خماس: "أعتقد أن هناك زوجات كثيرات يعانين تقصير أزواجهنّ في مسؤولياتهم الزوجية والأسرية، بسبب انشغالهم مع أصدقائهم وقضاء أوقات طويلة معهم. وبالتالي، فإنّ مسؤوليات هؤلاء الأزواج تنتقل وتقع على كاهل الزوجة التي تعاني في صمت".►

ارسال التعليق

Top