• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

بركات الصبر على أفراد المجتمع المسلم

بركات الصبر على أفراد المجتمع المسلم

في الزلازل وقُورٌ، وفي المكاره صَبُورٌ، وفي الرَّخَاءِ شَكُورٌ. نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرّخاء

 

آثار الإيمان على الحياة آثار مشرقة تنعكس على تصورات الأفراد وسلوكهم في الحياة حتى إنك لترى القرآن يمشي على الأرض في أشخاص بعض الأفراد فإليك بعض هذه الآثار.

المؤمن القوي إذا انهار الناس فهو متماسك، وإذا تشاءموا فهو متفائل، وإذا يئسوا فهو راض عن الله، فهو يثق بالله عزّ وجلّ، يثق بنصره، ويعلم أنّه تعالى مسبب الأسباب ومدبّر الأمور، وأنّه يعامل عباده الصالحين باللطف الظاهر والخفي، وبالتالي لا يمكن أن يصاب باليأس والإحباط.

 

الابتلاء سنة جارية:

إنّ الابتلاء سنة جارية وقدر نافذ، يبتلي الله عباده بالسراء والضراء والخير والشر، فتنة واختباراً كما قال سبحانه: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) (الأنبياء/ 35)، ليتميز المؤمن من غيره، والصادق من الكاذب: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت/ 1-2)، فبالفتنة تتميَّز معادن الناس، فينقسمون إلى مؤمنين صابرين، وإلى مدَّعين أو منافقين.

ثمّ إنّ الابتلاء بالسراء والرخاء قد يكون أصعب من الابتلاء بالشدة والضراء، وأنّ اليقظة للنفس في الابتلاء بالخير، أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر.

كثير هم أولئك الذين يصبرون على الابتلاء بالمرض والضعف، ولكن قليل هم الذي يصبرون على الابتلاء بالصحة والقدرة. كثيرون يصبرون على الفقر والحرمان فلا تتهاوى نفوسهم ولا تذل، ولكن قليل هم الذين يصبرون على الغنى والثراء، وما يغريان به من متاع، وما يثيرانه من شهوات وأطماع.

 

حال المؤمنين في الشدّة والرّخاء:

والنفس المؤمنة هي التي تصبر للضراء ولا تستخفها السراء، وتتجه إلى الله في الحالين، وتوقن أن ما أصابها من الخير والشر فبإذن الله، وقد كان الله يربي هذه الجماعة وهي في مطالع خطواتها لقيادة البشرية فرباها بهذا الابتلاء بالشدة بعد الابتلاء بالرخاء، والابتلاء بالهزيمة المريرة بعد الابتلاء بالنصر العجيب، وإن يكن هذا وهذه قد وقعا وفق أسبابهما ووفق سنن الله الجارية في النصر والهزيمة لتتعلم هذه الجماعة أسباب النصر والهزيمة ولتزيد طاعة لله وتوكلاً عليه.

ففي خصوص معركة أحد نزل قوله تعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران/ 140-141).

وقد انتصر فيها المسلمون في أوّل الأمر حتى هزم المشركون وقتل منهم سبعون، ثمّ انقلبت الأمور لصالح المشركين حينما خرج الرماة عن أمر رسول الله (ص) واختلفوا فيما بينهم فأصاب المسلمين ما أصابهم في نهاية المعركة، وتحقيقاً لسنة من سنن الله التي لا تتخلف، والله تعالى قد كتب النصر في معارك الجهاد لمن يجاهدون في سبيله لا ينظرون إلى شيء من عرض هذه الدنيا الزهيد.

إنّ الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة هما اللذان يكشفان عن معادن النفوس وطبائع القلوب ودرجة الغبش فيها والصفاء ودرجة الهلع فيها والصبر ودرجة الثقة فيها بالله أو القنوط.

عن أبي عبدالله (ع) قال: "ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثمان خصال: وقور في الهزاهز، صبور عند البلاء، شكور عند الرخاء، قانع بما رزقه الله، لا يظلم الأعداء، ولا يتحامل للأصدقاء، بدنه منه في نصب، والناس منه في راحة، إنّ العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والصبر أمير جنوده، والرفق أخوه، واللين والده".

إنّهم موطّنون أنفسهم على ما قدَّره الله في حقّهم من الشدّة والرّخاء والسّراء والضّراء والضّيق والسّعة والمنحة والمحنة، فهم الراضون بقضاء الله تعالى، المسلّمون لأمره.

وفي رواية عن الإمام الصادق (ع): "رأس طاعة الله الصّبر والرّضا عن الله في ما أحبّ العبد أو كره، ولا يرضى عبد عن الله في ما أحبّ أو كره إلّا كان خيراً له في ما أحبّ أو كره".

هكذا هو نتاج التربية القرآنية للمؤمنين المتقين، فالواحد منهم:

 

في الزّلازل وقور:

فهو في النوازل والشّدائد والحوادث العظيمة الموجبة لاضطراب الناس متّصف بشدّة الوقار والرّزانة والسّكينة والثبات كالجبل لا تحرّكه العواصف، والوقار من جنود العقل ويقابله الخفّة وهي الطيش والعجلة من جنود الجهل.

نزول أنفسهم منهم في البلاء كنزولها في الرّخاء، أي لا تقنط من بلاء ينزل بها ولا تبطر برخاء يصيبها، بل مقامها في الحالين مقام الشكر.

 

وفي المكاره صبور:

فإنّه لا غنى عن الصبر في هذه الحياة، وإذا كانت مرارة الدواء يعقبها الشفاء، فقد رتب الله على الصبر المحتسب عظيم الجزاء فقال جلّ من قائل: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزّمر/ 10).

والصبر المشروع هنا ليس يأساً، ولا عجزاً، إنّه الثبات على الحق، والنصح بالتي هي أحسن للخلق، والشعور بالعزة الإيمانية رغم الظلم والهضم، والثقة بنصر الله وإن علت رايات الباطل برهة من الزمن.

تحتاج للصبر على الطاعة شكراً للمنعم، وأنساً بالخالق، واستجلاباً لراحة القلب وطمأنينة النفس، وتحتاج للصبر على الطاعة لطول الطريق، وقلة الرفيق، وكثرة الأشواك.

كما تحتاج للصبر عن المعاصي، وضعف النفس، وكيد الشيطان وغروره، وأماني النفس.

 

من بركات الصبر:

ومما يشير إلى آثار الصبر وبركته العظيمة:

قد علق خصال الخير بالصبر فقال تعالى: (وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ) (القصص/ 80).

وحكم بالخسران حكماً عاماً على كلّ من لم يؤمن ولم يكن من أهل الحق والصبر فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).

 

وفي الرّخاء شكور:

إنّ خير العيش أدركه السعداء بصبرهم، وترقوا إلى أعالي المنازل بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، يقول تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم/ 7).

 

اللجوء إلى الله:

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/ 60).

الإنسان ضعيف فلابدّ له من معين يأخذ بيده درب الأمان والراحة والدعة، والله تبارك وتعالى هو القادر على ذلك ولا قادر سواه وقد حثنا الله على دعائه وطلب الحاجات منه وضمن لنا الإجابة لدعوتنا وما أعظمه من ضمان إنّه من الله تعالى، الذي بيده أسباب كل شيء.

وإنما الملجأ إلى الله في الشدة والرخاء والسراء والضراء، ونفزع إليه في الملمات، ونتوسل إليه في الكربات بلسان الحال والمقال: اللّهمّ عظم البلاء، وبرح الخفاء، وانكشف الغطاء، وضاقت الأرض بما وسعت السماء، وإليك يا رب المشتكى!.. وعليك المعوّل في الشدّة والرخاء فيأتي مدده ويصل إلينا عونه، ويسرع إلينا فرجه، فينجي الغريق ويرد الغائب يعافي المبتلى وينصر المظلوم ويهدي الضال ويشفي المريض ويفرج عن المكروب، إذا وجدت الطريق إلى ربك وجدت كلّ شيء، وان فقدت الإيمان به فقد فقدت كلّ شيء كلّ الأبواب توصد إلا بابه، كلّ الطرق تغلق إلا طريقه هو قريب سميع.. مجيب يجيب المضطر إذا دعاه، قد هداك إلى الطريق: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

 

خلاصة :

آثار الإيمان على الحياة آثار مشرقة تنعكس على تصورات الأفراد وسلوكهم في الحياة حتى إنك لترى القرآن يمشي على الأرض في أشخاص بعض الإفراد فإليكم بعض هذه الآثار.

الابتلاء سنة جارية:

إنّ الابتلاء سن جارية وقدر نافذ، يبتلي الله عباده بالسراء والضراء والخير والشر، فتنة واختباراً.

إنّ الابتلاء بالسراء والرخاء قد يكون أصعب من الابتلاء بالشدة والضراء، وإنّ اليقظة للنفس في الابتلاء بالخير، أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر.

إنّ الشدة بعد الرخاء، والرخاء بعد الشدة هما اللذان يكشفان عن معادن النفوس وطبائع القلوب ودرجة الغبش فيها والصفاء ودرجة الهلع فيها والصبر ودرجة الثقة فيها بالله أو القنوط.

نتاج التربية القرآنية للمؤمنين المتقين، فالواحد منهم:

في الزّلازل وقور:

فهو في النوازل والشّدائد والحوادث العظيمة الموجبة لاضطراب النّاس متّصف بشدّة الوقار والرّزانة والسّكينة والثّبات كالجبل لا تحرّكه العواصف.

وفي المكاره صبور:

فإنّه لا غنى عن الصبر في هذه الحياة، وإذا كانت مرارة الدواء يعقبها الشفاء، فقد رتب الله على الصبر المحتسب عظيم الجزاء.

وفي الرّخاء شكور:

إنّ خير العيش أدركه السعداء بصبرهم، وترقوا إلى أعالي المنازل بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. الإنسان ضعيف فلابدّ له من معين يأخذ بيده درب الأمان والراحة والدعة، والله تبارك وتعالى هو القادر على ذلك ولا قادر سواه وقد حثنا الله على دعائه وطلب الحاجات منه وضمن لنا الإجابة لدعوتنا وما أعظمه من ضمان إنّه من الله تعالى، الذي بيده أسباب كلّ شيء.

 

المصدر: كتاب المتقون/ سلسلة الدروس الثقافية (19)

ارسال التعليق

Top