هذه الإشعاعات الروحية وهذه المرتكزات الفكرية التي تنعقد على قلب المرء المسلم تدفعه بحرارة إلى مراجعة حساباته وتدقيقها لإزالة عار الانحراف عن دروب الله عن نفسه وعن واقعه، وهكذا جاء مفهوما الاستغفار والتوبة تجسيداً حياً لمحو الانحراف كلما استبدت بالإنسان بعض عوامله، فعن طريق الاستغفار والتوبة يتجسد مفهوم تصحيح كلّ سلوك يشذ بالمرء عن موكب المؤمنين الهادر، يتجسد واقعاً على فكر الإنسان وسلوكاته كافة دون أن يكون مفهوماً نظرياً خاوياً لا رصيد له من واقع كما يشاء البعض أن يعتقد.
ولإبعاد هذه الحقيقة الناصعة أشار الإمام القائد عليّ بن أبي طالب (ع) حين سمع صوت امرىء يستغفر فقد وضع الإمام (ع) كلّ النقاط على كلّ الحروف حول أبعاد الاستغفار وحقيقته بقوله: "أتدري ما الاستغفار؟" الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان:
الأوّل: الندم على ما مضى.
والثاني: العزم على ترك العود إليه بدا.
والثالث: أن نؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.
والرابع: أن تعمد إلى كلّ فريضة ضيعتها فتؤدي حقّها.
والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.
والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول استغفر الله.
هذه هي الصيغة الواقعية للاستغفار والتوبة والذي يمثل بحقّ العبد الحقيقي للمحاسبة الذاتية التي تؤلف قواماً أساسياً لعلاج الانحراف، ولكن بدافع ينبع من ذات الإنسان ومن أعماق نفسه التي تتعلق بالله الكبير المتعال وترنو إلى رضوانه.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق