• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأوقات الانتقالية والحيلة الذكية

الأوقات الانتقالية والحيلة الذكية

إنّ الانتقال – من عمل نحبه إلى آخر ثقيل نسبياً على النفس – صعب علينا جميعاً، فالشخص البالغ لا يحب أن يترك الرواية التي يقرؤها لكي يعد العشاء، كما أنّه لا يحب أن ينهي المكالمة الهاتفية الممتعة لأداء عمل آخر، تصور نفسك وأنت منهمك في الكتابة على الكمبيوتر وتنادي زوجتك: "الغداء جاهز"، فهل ستغادر مقعدك على الفور وتسرع نحو مائدة الطعام؟ أم أنّك سترد قائلاً: "دقيقة واحدة"، ثم تأخذ وقتاً في كتابة الفقرة التي تكتبها، وتحفظ عملك، ثم – بعد ذلك – تسير بهدوء نحو المائدة... أما بالنسبة للطفل، فإنّ الانتقال يشكّل له مشكلة كبرى، فعندما يقضي الطفل وقتاً ممتعاً في شيء يحبه، فمن الصعب أن يتركه ويتحول لشيء آخر غير ممتع نطلب منه عمله، فعندما يكون الطفل مندمجاً في لعبة ممتعة مع صديقه، ويتدّخل والده قائلاً: "حان وقت العودة للمنزل"، فمن الصعب عليه أن يستجيب فوراً تاركاً ما يحب، لذلك تراه في مثل هذه الحالات يصيح معترضاً: "لماذا يجب أن أغادر الملعب الآن؟ "أريد البقاء وقتاً أطول عند جدتي"، "لا أحب العودة للمنزل الآن فأنا أجلس مع أصحابي"، وهذا الصياح ليس سوء أدب منه، ولكنه نتيجة سوء فهم منا نحن الآباء...

 

طريقة خمسة – ثلاثة – واحد – انطلق:

إنّ "الحل التربوي والعملي" الذي يساعد الأطفال على ترك أنشطة معينة والاستجابة لما تطلبه منهم؛ هو أن تتيح لهم الوقت اللازم ليستعدوا نفسياً للتغيير قبل أن يستعدوا جسدياً، وهنا ننصح الآباء والأُمّهات بتطبيق نظام تحذيري تنازلي متدرج لعلاج هذا النوع من العصيان الطفولي الطبيعي، فبدلاً من أن تنتظر حتى تحين اللحظة التي تحتاج فيها أن يترك طفلك نشاطه المفضل ويفعل ما تطلبه منه؛ أخطره مسبقاً قبلها بخمس أو بعشر دقائق أو على الأكثر بخمس عشرة دقيقة، أما بالنسبة لطفل لم يتجاوز الرابعة قل: ثلاث مرات أخرى فقط... تأمل الأمثلة التالية:

إنّك تريد أن تنتهي "هالة" من اللعب لأنّه قد حان وقت الاستحمام، فتذهب نحو الباب وتقول: هالة، بعد خمس عشرة دقيقة سوف يحين وقت الاستحمام، استعدي"، وبعد مرور حوالي سبع دقائق تقول: استعدي بقي ثماني دقائق على الاستحمام، وعندما تمر المهلة (خمس عشرة دقيقة) تقول: هالة، لقد حان وقت الاستحمام، هيا بنا، فإذا ما قالت هالة: نعم هيا بنا واستجابت لك، فعليك أن تثني عليها وتمدحها وتشكرها، وإذا لم تستجب خذها بحزم وبرفق نحو الحمام وبلا كلام...

إنّك تريد من أطفالك أن يقوموا بواجباتهم المدرسية، ولكنهم يلعبون، هنا تقول لهم: عندما تنتهي تلك المباراة يحين وقت عملكم للواجبات المدرسية، وبعدها تراقب وتنتظر ثم تقول: والآن وقد انتهت المبارات، فقد حان وقت القيام بالواجبات، فإن استجابوا إمدحهم، وإن رفضوا كن حازماً واحمل الكرة وبرفق أرغمهم على كتابة الواجبات، أو تحرمهم من ميزة مشاهدة التلفاز أو غيرها من الوسائل الحازمة التي تراها ممكنة...

عندما تريد من ابنك أن يخرج معك خارج المنزل قل له:

·      سوف نغادر البيت خلال عشر دقائق للذهاب إلى المتجر يا حسن، لذا يجب أن تنهي ما تقوم به...

·      سوف نغادر خلال خمس دقائق يا حسن لو سمحت اذهب لدورة المياه.

·      سوف نغادر في غضون دقيقة يا حسن، تعال فوراً والبس حذاءك.

يمكنك أن تزيد أو تقلل من المهلة التي تمنحها لطفلك كما تشاء، ولكن عندما تبدأ في استخدام هذه الطريقة يجب أن تدرب ابنك عليها، فمع النداء الأوّل الذي تطلب فيه من ابنك أن يفرغ مما يقوم به؛ يجب أن تذهب إليه لتتأكد أنّه قد سمعك، ومع نداء الخمس دقائق المتبقية يجب أن تصحبه إلى دورة المياه، ثم تسير معه إلى مكان الأحذية لكي يرتدي حذاءه، وذلك وأنت توجه إليه آخر نداء تحذيري...

سيبقى هذا النظام التحذيري فعّالاً لتحقيق تعاون طفلك عند انتقاله من نشاط يحبه إلى طلب تريده، لكن في البداية قد تكون بحاجة لأن تمسك بالطفل – برفق – وتجذبه خارج أرض الملعب أو خارج حوض السباحة لكي يدرك أنّك تعني ما تقول، إنّ طفل العاشرة الذي اعتاد هذه الطريقة منذ نعومة أظفاره سوف يبدي استجابة سريعة، ولن يسمح لك أن تقترب من الحوض لكي تجذبه من داخله أمام أصدقاؤه عندما تصدر له آخر إنذار وهو "لقد آن وقت الرحيل"، وإن كنت ستبدأ هذا النظام مع أطفالك لأوّل مرة، فيجب أن تصبر وتثابر...

 

قوة الثبات على المبدأ:

تقول إحدى الأُمّهات: في طفولة ابنتي كنت أذهب معها إلى الحديقة حيث المراجيح والألعاب، وكنت هناك التقي بالكثير من الأُمّهات مع أطفالهنّ، وفي مثل هذه الحدائق تلاحظ التفاوت بين الأجيال، ففي الوقت الذي يستطيع فيه الطفل أن يبقى متنقلاً بين الألعاب إلى أجل غير مسمى إلى حد الإنهاك، وبمرور الوقت ترغب الأُمّهات في العودة إلى البيت بينما يتشبث الأبناء بالألعاب ويرفضون العودة بشدة، وهناك عندما شرعت ابنتي الصغيرة في الحركة واللعب هنا وهناك؛ أدركت ضرورة وضع نظام استطيع من خلاله السيطرة عليها، وهنا اخترت أحد الأساليب القديمة وهو أسلوب "ثلاث مرات أخرى فقط"، وفيه أترك ابنتي تلعب بحرّية إلى أن يحين وقت العودة للبيت فأقول لها: هل نعود للبيت الآن أم تأخذين ثلاث مرات على الأرجوحة؟ أو ثلاث مرات على الزلاجة؟ وطبعاً تختار الثلاث مرات، فأقول لها: ثلاث مرات فقط.. وكنت أصر بشدة أن تتوقف عند المرة الثالثة... وبينما كنت في الحديقة مرات عديدة بصحبة صديقاتي الأُمّهات راقبت الكثير من الأُمّهات وهن يتبعن مع أبنائهنّ قواعد متشابهة، كانت إحداهن تقول لابنها: ثلاث مرات فقط، فيوافق الطفل، ولكن في الوقت الذي كانت تواصل الأُم فيه حديثها مع صديقاتها، كان الأبناء بدورهم يواصلون اللعب على الأرجوحة خمس أو عشر وربما خمس عشرة مرة قبل أن تقوم الأُم بالفعل لتجذب طفلها من فوق الأرجوحة وتشرع في رحلة العودة للمنزل...

ولم أدرك أهمية ضرورة الالتزام بما أقوله إلّا عندما وصلت ابنتي الكبرى لمرحلة المراهقة، حيث لاحظت كيف يصبح الأبناء في هذه المرحلة دائمي الجدل فيما يخص أوقات العودة للمنزل، وكيف أنّهم لا يلتزمون بضرورة الاتصال بالأهل عند التأخير، على الرغم من أنهم وعدوا بذلك، وما إلى ذلك من القضايا التي كانت تبدو جميعها للأطفال قضايا قابلة للتفاوض... لقد كان لمبدأ "ثلاث مرات أخرى فقط" الذي استخدمته مع ابنتي في طفولتها تأثير كبير على العلاقة التي جمعتني ببناتي في المستقبل، فأنا عندما كنت أعقد اتفاقاً مع إحدى بناتي (سواء كان ثلاث مرات أخرى فقط أو العودة للمنزل في الثامنة مساء) يجب أن تلتزم ابنتي بذلك، وهكذا كان الدرس الأوّل الذي تعلمته من ابنتي الأولى هو قوة الثبات على المبدأ، كما أنّني أدركت أيضاً أنّ الثبات على المبدأ هو درس مهم بالنسبة لكلا الجانبين، فإذا وعدت ابنتي بشيء ما فيجب أن أوفي به، وهذا ما اتوقعه منها بدوري عندما أتفق معها على أي شيء...

الخبير تربوي عبدالله محمد عبد المعطي

المصدر: كتاب أطفالنا كيف يسمعون كلامنا؟ (50 طريقة عملية لتشجيع طفلك العنيد على طاعتك)

ارسال التعليق

Top