◄ مقدمة:
تعتبر رعاية الشباب عملية تربوية متصلة ومستمرة ومتكاملة تمتد وتعم الشباب في أوقات فراغهم وعملهم وهي عبارة عن مجموعة من الخدمات التي تمارس داخل مؤسسات وهيئات كي تتيح لهم فرص النمو الاجتماعي والنفسي والمهني على أساس من المعرفة والمبادئ الإنسانية والمهارات وتسدى لهم التوجيه وفق ميولهم وقدراتهم ورغباتهم.
وفي معجم العلوم الاجتماعية تبيّن أنّ رعاية الشباب هي الجهود التي تهدف إلى مساعدة الشباب على أن يحتازوا مراحل النمو بنجاح وحتى يكتسبوا قدرات ومهارات واتجاهات تساعدهم على أن يكونوا مواطنين صالحين.
وأنّ فلسفة رعاية الشباب تقوم على مجموعة من المبادئ والمناهج الإنسانية التي تساعدهم على اكتمال النضج وتتيح لهم فرص النمو الاجتماعي والنفسي.
وحاجة الشباب إلى تلك الرعاية أكثر إلحاحاً وأكثر ضرورة في ظل تحريات الألفية الثالثة، وذلك نظراً الحساسية مرحلة الشباب وتعرفهم لمختلف التيارات الفكرية التي تجتاح المجتمع ونتيجة لإصدام توقعاتهم وآمالهم اللامحدودة بالواقع المحدود، هذا بالإضافة إلى الإمكانات التي تقف حاجزاً في طريق تحقيق بعض تلك الآمال والتي تجعل حجم ونوعية الرعاية تختلف من مؤسسة إلى أخرى تبعاً لحجم المؤسسة ومستواها والبيئة الموجودة فيها سواء ريفية أو حضارية.
تعد مشكلة الفراغ من المشاكل العمومية في المجتمعات الإنسانية، ولكن تزداد حدة هذه المشكلة في المجتمعات المدنية فقد أدى تقسيم العمل وتحديد ساعاته إلى وجود ساعات زائدة لدى الفرد يحتاج إلى شغلها والاستفادة منها في بناء شخصيته.
وإنّ قضاء وقت الفراغ يتم غالباً بشكل حر وبعيد عن الرقابة والإشراف من قبل الأسرة أو المؤسسات التربوية لذا فإنّه ينبغي أن تتعاون المؤسسات التربوية مع الأسرة في إيجاد الأنشطة والبرامج والقيادات التي تكون بمثابة القدوة الصالحة للشباب.
إنّ عدم الاستغلال الجيِّد للوقت لدى الشباب قد يدفعهم إلى الانحراف أو التورط في بعض المشاكل التي لا تحُمد عقباها. فترة للشباب يفترض أن تكون فترة إعداد واكتساب خبرات وتكوين علمي وخلقي ومهني واجتماعي لذا يجب أن يوفر المجتمع للشباب الفرص للتصرف في فائض طاقته وحيويته في الأنشطة الإيجابية.
إنّ الاهتمام بالشباب عدة الأُمم وركيزة المجتمع من الأمور المهمة فالشباب قد يتأثرون أكثر من غيرهم بالنتائج السلبية لمشكلة الفراغ بأنّ أهمية شغل وقت الفراغ لدى الشباب تنبع من مسؤولية المؤسسات الاجتماعية الوقائية حيث ينظر إلى فئة الشباب على أنّها من أهم الفئات التي يجب أن تحظى بالاهتمام والرعاية من مؤسسات المجتمع.
وعند إنشاء مراكز للشباب كان الهدف استثمار وقت للفراغ بشكل إيجابي مدركة في نفس الوقت أنّها تقدم أهداف اجتماعية اقتصادية أمنية للمجتمع.
أوّلاً- ملامح رعاية الشباب:
إنّ رعاية الشباب تمثل مجهودات وقائية وإنشائية تعتمد على تنظيم وإعداد مؤسسات الشباب مثل الأندية والمراكز والساحات والمعسكرات بغية خلق مجالات وأجواء صالحة لنموهم ولا تقتصر هذه الرعاية على الأسوياء بل تشمل الشباب ذوي المشكلات والذين وصل بعضهم إلى حالة الانحراف والذين يتطلبون الرعاية العلاجية السليمة، ومن ثم تنشئتهم التنشئة السوية وتنقية المجتمعات مما يجلبه انحرافهم من متاعب.
وتتحدد الملامح الرئيسية في رعاية الشباب في الآتي:
1- إنّ عملية رعاية الشباب عملية تربوية متكاملة لا يمكن أن تتركز على نوع من أنواع النشاط كالرياضة وحدها إنما يجب أن تمتد لتشمل كافة الأنشطة الإنسانية الأخرى.
2- إنّ رعاية الشباب لا يمكن أن تنحصر حركتها في نطاق أوقات الفراغ بل لابدّ وأن تشمل الشباب داخل حالات عمله المختلفة.
3- إنّ رعاية الشباب في شمولها لابدّ أن تكون مسؤولية عامّة ومشتركة تتعاون فيها جميع المؤسسات المسؤولة عن إعداد الشباب للمستقبل.
4- إنّ رعاية الشباب يجب أن تكون شاملة لمجتمع فئات الشباب وقطاعاته المختلفة.
5- إنّ رعاية الشباب لابدّ أن ترتبط هدفاً ومفهوماً بالأهداف القومية للمجتمع وأنّ خطط رعاية الشباب يجب أن تكون مرتبطة تماماً بخطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية للدولة.
6- إنّ رعاية الشباب ليست تنمية للبطولة بقدر ما هي تدريب للملايين من الشباب على ممارسة فنون وسلوكيات المواطنة الصالحة وإتاحة الفرصة له لممارسة كافة أنواع الأنشطة المختلفة.
7- إنّ رعاية الشباب في مضمونها العام لابدّ وأن تشمل خدمات تقدم للشباب تستهدف إعداده وتنميته وإكسابه نمواً عريضاً وتوازناً في معارفه ومهاراته واتجاهاته، وكذلك توفير المجالات التي يستطيع الشباب الذي وصل إلى مرحلة النضوج أو كاد أن يعبر من خلالها عن وفائه وولائه لوطنه فيفسح له المجال ليشترك مع الكبار في خدمة هذا المجتمع.
ثانياً- حقائق رعاية الشباب:
تعتمد رعاية الشباب على مجموعة من الحقائق الأساسية التي تكون في مجموعها ما يطلق عليه فلسفة رعاية الشباب وهذه الحقائق هي:
الحقيقة الأولى:
هي أنّ شخصية الشباب بما تتميز به من خصائص لا تورث ولا تمنح وإنما تنمي عن طريق التجارب الاجتماعية التي فهي أذن بجميع صفاتها من صنع المجتمع وعلى قدر ما يوفره أي مجتمع لشبابه من أوضاع صالحة للنمو وعلى قدر ما يستخدم مع الشباب من أساليب يتوقف نوع مواطن الذي كما يتوقف أيضاً على مدى كفاءة المواطن في خدمة مجتمعه ووفاءه له، وعلى هذا فإنّ مسؤولية المجتمع بمؤسساته المختلفة تجاه الشباب ضرورة لتنمية بل تعتبر من وجهة نظرنا هي القاعدة التي تبني عليها خطط رعاية الشباب وبرامجها.
الحقيقة الثانية:
ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحقيقة الأولى فبينما تعتبر الحقيقة الأولى المجتمع مسؤولاً عن تنمية مجتمع الشباب وتحقيق حياة أفضل على أرضه فإنّ هذه الحقيقة ترى أنّ مستقبل المجتمع وتقدمه هو من صنع الشباب، ذلك أنّ مشكلات المجتمع ومفاهيمه ومتاعبه مما قد يهدد أمنه كلّ ذلك يمكن التغلب عليه غدا أمكن تعبئة الجهود الفئوية لشبابه وتنظيم استخدامها بفاعلية في مواجهة هذه المشكلات.
الحقيقة الثالثة:
تدعونا إلى الإيمان بأهمية رعاية الشباب في مساعدة شبابنا على التغير نحو الأفضل ونحو اكتساب خصائص جديدة تجعلهم قادرين على تغير مجتمعهم والنهوض به وطالما أنّ شخصية الإنسان هي نتائج تفاعله مع بيئته التي يعيش فيها فإنّ ما تتميز به هذه الشخصية من صفات وخصائص قابل للتغير لأنّه مكتسب وليس متأصلاً في نظرة الإنسان، وكلّ ما يتطلبه الأمر هو توفير الظروف الصحّية والأوضاع التي تمكن الشباب من أن يغير ما قد يكون قد أصاب نفسه وبدنه وفكره من معوقات أحدثتها ظروف وأوضاع مختلفة.
الحقيقة الرابعة:
نؤكد مرة أخرى على أهمية الشباب كمرحلة تحمل في طياتها أمل أُمتنا ومع إيماننا بقدرة الإنسان على التغيير فإنّ معدل هذا التغيير ومداه يكون في أوجه كلما كان الإنسان صغير أو على هذا فإنّ قدرة الشباب على التغير تتسم بطابع الحيوية والشمول، ومن ثم فإنّ كلّ استثمار للأموال والجهود في معاونة الشباب على اكتساب المعارف وتنمية المهارات وتبني القيم والاتجاهات الصالحة هو استثمار له عائد لا محدود.
الحقيقة الخامسة:
نؤكد أهمية الجماعات التي ينتمي إليها الشباب والتي تشبع حاجاته الحيوية وترتبط باهتماماته الأساسية وتشير هذه الحقيقة إلى أنّ توجيه الشباب والتأثير عليهم يجب أن يكون عن طريق هذه الجماعات والشباب له اتجاهاته النفسية والمادّية والاجتماعية المهمة التي لا تشبعها له سوى هذه الجماعات كما أنّ له اهتمامات خاصّة مرتبطة بخصائص مرحلة الشباب لا تجد لها مجالاً إلّا داخل هذه الجماعات المكونة من الأفراد والزملاء والأصدقاء وحين تقوم هذه الجماعات بإشباع حاجات الشباب وتحقيق اهتماماته فإنّها تتطلب منه اتباع قيمها واحترام تقاليدها والسلوك طبقاً لتوقعاتها منه فإذا تركت هذه الجماعات دون توجيه فقد تنمو بالشباب نحو مسالك واتجاهات لا تتناسق مع أهداف المجتمع وغاياته، ومن هنا كان لزاماً أن تعني رعاية الشباب بجماعات الشباب فتساعدها وتوجهها وتوفر لها مقومات الصلاحية.
وبالإضافة إلى هذه الحقائق لرعاية الشباب فإنّ التخطيط لرعاية الشباب يركّز على عدة حقائق للرعاية الشباب تتمثل فيما يلي:
1- أنّ الشباب مسؤول عن تنمية المجتمع وتحقق حياة أفضل على أرضه عن طريق تعبئة الجهود وتنظيم استخدامها بفاعلية في مواجهة المشكلات التي تواجه المجتمع.
2- إنّ رعاية الشباب لها دور مهم في مساعدة الأفراد على التغيير نحو مجتمع أفضل ونحو اكتساب خصائص جديدة تجعلهم قادرين على تغيير مجتمعهم والنهوض به.
3- إنّ الشباب الذي يتسم بطابع الحيوية والشمول له القدرة على التغيير.
4- إن يراعي في التخطيط ضرورة توفير كلّ ما يمكن للشباب لتنمية قدراته البدنية والفكرية والنفسية والاجتماعية ليصبحوا مواطنين قادرين على الإسهام بفاعلية في بناء المجتمع وحمايته مما يتعرض له من أخطار وأفكار متطرفة.
ويتضح مما تقدم أنّ العامل مع الشباب أيا كان تخصصه عليه أن يضع الاعتبارات التالية بصفة دائمة وأساسية وأن يكون مُدركاً واعياً لإبعادها وهو يعمل مع الشباب حتى يوصله إلى برّ الأمان.
1- أنّ الشباب له ذاتية فردية يختلف فيها عن غيره فهو يولد بقدرات جسمية وعقلية ونفسية تتفاوت من فرد إلى آخر مما يتطلب إدراك الرعاية لهذه الحقيقة.
2- أنّ الشباب يتشكّل كيانه وشخصيته في ضوء الآثار الاجتماعية المحيطة به بمعنى أنّ للمجتمع والبيئة المحيطة أثر مهم في رعاية الشباب مما يتطلب جهوداً مباشرة للتدخل في ظروف هذه البيئات بما يسمح لها أن تؤثر على الشباب تأثيراً عميقاً.
3- أنّ رعاية تعتمد على اتجاهات المجتمع وخطته فالرعاية في المجتمع الاشتراكي تختلف عنها في المجتمع الرأسمالي أو الشيوعي لذلك لابدّ أن ترتبط الرعاية بأيديولوجية المجتمع وخطته.
4- أنّ سلوك واتجاهات الشباب قابلة للتغير والتعديل بل للاستبدال أيضاً مما يؤكد أهمية الرعاية للنمو بالنسبة للشباب.
5- إنّ رعاية الشباب تؤكد أنّ الشباب بجوار قدرته على النمو واكتساب مميزات اجتماعية ورياضية وثقافية وغيرها قادراً على تقديم الخدمة للآخرين إذ هي قدرة وطاقة خلاقة قادرة على التغير تؤثر وتتأثر.
بالإضافة إلى هذه الحقائق فإنّ محاور مفهوم رعاية الشباب تشير إلى الحقائق التالية:
1- إنّ رعاية الشباب ليست مجرد جهوداً تنشيطية تتمثل الأنشطة الرياضية أو الترويحية أو الثقافية أو الفنية أو الدينية أو غيرها بل أنّها أيضاً تتمثل في الجهود المبذولة لمقابلة احتياجات الشباب التعليمية والاقتصادية والمهنية كذلك مواجهة مشاكلهم والصعوبات التي تؤثر على أدائهم.
2- تستند رعاية الشباب على حقائق علمية والتي من أهمها:
أ) إنّ شخصية الإنسان هي مجموعة الخصائص الاجتماعية والبدنية والعقلية التي يقدر لكلّ فرد أن ينميها بتفاعله من البيئة الاجتماعية التي يتعيش فيها.
ب) إنّ الإنسان كائن اجتماعي يكتسب خصائصه الاجتماعية بتفاعله مع الجماعات التي يعيش فيها.
جـ) إنّ للإنسان قدرة ذاتية على التغيير فهو يتغير في ضوء هذه القدرة وطبقاً لمتطلبات حياته وهذه القدرة قابلة للنمو بحيث يمكنها التحكم في تصرفاته وعلاقاته.
د) إنّ ما يكتسبه الإنسان من خصائص قابل للتغيير فهذه الخصائص ليست موروثة وإنما ينميها الفرد خلال التجارب التي يمر بها في حياته وأثناء اتصاله بغيره وتفاعله مع المواقف التي يواجهها.
3- كما ترتكز رعاية الشباب على مجموعات من البناءات القيمية الإنسانية والأخلاقية المستوحاة من التراث ومن الخبرات الإنسانية، ومن أهم هذه البناءات القيمية أربعة هي كالتالي:
أ) الصحّة العقلية كقيمة تؤكد على قدرتها في التفكير الواعي.
ب) العدالة كقيمة تؤكد كرامة الإنسان دون النظر لاختلافاته الفردية مع غيره.
جـ) المسؤولية كقيمة تؤكد انتماءه ومشاركته للآخرين.
د) الديمقراطية كقيمة تركز على احترام الإنسان وحرّية إرادته وتقدير مصيره بنفسه.
4- إنّها مهنة لها أصولها العلمية والقيمية التي تنعكس على خططها وبرامجها وخدماتها وقيادتها ونظمها وتشريعاتها ومؤسساتها وهيئاتها التي تهدف إلى التأثير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على سلوكيات الشباب وعاداتهم ونموهم العقلي والجسمي والنفس وعلى علاقاتهم وقدراتهم المختلفة سواء كأفراد في جماعات أو في مجتمعات محلية أو قومية أو دولية.
5- إنّ رعاية الشباب تمثل نظاماً اجتماعياً يتعامل مع النظمة الأخرى كالتعليم والاقتصاد والصحّة وغيرها من الأنظمة وتتحرك جهودها في إطار سياسات الدولة وتخطيطاتها.►
المصدر: كتاب الشباب واستثمار وقت الفراغ
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق