تعلمنا ثورة الإمام الحسين (ع)، القوة والصبر في الكفاح وعدم الاستسلام للظالمين، لأنّ كربلاء هي ثورة في خط المعارضة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". وهذه مسؤوليتنا جميعاً أن نعيش المعارضة لكلّ حالة انحراف ونمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوّل ميادين هذه المعارضة هي النفس لأنّ الإمام أمير المؤمنين عليّ (ع) يقول: "ميدانكم الأوّل أنفسكم فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها كنتم عن غيرها أعجز. فجربوا معها الكفاح أوّلاً".
إنّنا بحاجة إلى تطوير أساليب التعبير عن المأساة عاطفياً وثقافياً وفكرياً حتى تفهم الأُمّة أنّ الإسلام قاعدة للعاطفة فالثورة الحسينية هي رسالة الإسلام همها إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل.. ألم يقل عليّ الأكبر مخاطباً أبيه الحسين: "أولسنا على الحقّ؟ قال (ع) بلى والذي إليه مرجع العباد، قال الأكبر لأبيه: يا أبت إذاً لا نبالي نموت محقين".
نحن نريد أن نعيش العاطفة ولابدّ أن تبقى العاطفة الواعية في عاشوراء، لأنّنا إذا أفرغنا القضية الحسينية من العاطفة فإنّها تموت، ولكن لابدّ أن نعقل العاطفة. بحيث نتحمل المسؤولية الإنسانية والإسلامية في إيصال رسالة الحسين. إنّنا بحاجة أن نعيش العاطفة من خلال قادتنا وأئمتنا ونعقل مثل ما عقلوا.
إنّنا نريد أن نعيش عاشوراء القضية والتحدي أن نعيش حركة الإمام الحسين في الوجدان ونعيشها في السلوك ونعيشها في الأفكار ونعيشها رسالة ومسؤولية حتى تمرّ بنا الأيّام وقد تطورنا وبنينا وعمرنا لأنّ المنطلق الأوّل في عملية التغيير والتحدي هو الإنسان من خلال ذاته. إنّنا نريد أن يعيش الإنسان في كلّ مكان حرّاً كريماً يكون الحسين في ذاته ومسؤولياته ووعيه وأن يكون زينباً في تحمل هموم المحنة وكثرة الابتلاءات برضا وصبر وشكر. حتى نكون بذلك قد هيأنا أسباب الرحمة الإلهية والفوز بنصر الله تعالى.
نحن بحاجة أن نعيش الحسين كحالة إنسانية وإسلامية أرادت تحرير الإنسان كلّ الإنسان من قيود الجهل والتخلف والذل. وهذا الموقف يحتاج منا أن نعيش الحسين من خلال العقل لا من خلال العاطفة المجردة. لأنّ العاطفة وحدها لا تكفي، بل نريد للعقل والعاطفة أن تمتزجا لنعيش حالة من الارتباط الإنساني والإسلامي من خلال العقل والعاطفة حتى يمكن أن يتأثر كلّ الناس بهذه الحركة المباركة كما تعلم منها الكثير ممن لا يعرفون الإسلام ولا ينتمون إليه.. كما قال غاندي "تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر". لذا كانت هذه الثورة.. ثورة غنيّة بالدروس والعِبَر.. فيها التضحية بالمال والنفس والأهل والمكانة الاجتماعية.. وفيها تحدّي الإرهاب والقسوة. فقد قطع الحسين (ع) مئات الأميال وسار الليالي والأيّام وتحرّك عبر ظرف سياسي عصيب.. ووطَّنَ نفسه على التضحية والفداء فقُتِلَ هو وأبناؤه وأهل بيته وأصحابه ومُثّل بأجسادهم وحُملت رؤوسهم: يطاف بها بين كربلاء والكوفة والشام، وسُبيت نساؤهم وحُمِلْنَ عبرَ الصحارى والقِفار، وقد كان يعلم ويتوقع حدوث كلّ ذلك وهو مُصِرٌّ على التضحية والفداء. لأنه (ع) حين رأى الأوضاع والظروف السياسية والاجتماعية، وتوجّه السلطة وسياستها العامّة لا تلتزم بهذه المبادئ.. وانّ الأُمّة تعيش حالة من الحيرة والضياع السياسي؛ شخّص واجبه ووظيفته الشرعية كإمامٍ وقدوة للأُمّة في أن يؤدِّي دوره السياسي والعقائدي.
إنّ ثورة يقودها واحد من أقدس شخصيّات الأُمّة وأئمتها لتكون لها قيمتها وأهميتها العقائدية والأخلاقية والوجدانية الخاصّة. فالثورة الحسينية يجب أن تُدرَس وتُستوعَب وتُستخلَص منها الدروس والتجارب خاصة للشعوب المستضعفة والواقعة تحت سيطرة الطغاة والأنظمة الاستعبادية.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق