• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحاجات الأساسية للفرد والمجتمع

د. إبراهيم يوسف العبدالله

الحاجات الأساسية للفرد والمجتمع

النظر إلى الفرد والمجتمع على أنّهما كيانان متغيران ناميان يؤثر كلّ منهما في الآخر ويتأثر به، وينعكس ذلك على طبيعة الحياة، مما يستوجب أن تهتم المناهج التربوية بالحاجات الأساسية للفرد والمجتمع، وتحليل الواقع الاجتماعي وطبيعة التغيرات التي تحدث فيه، وحصر المشكلات الآنية والمتوقعة وإدخالها في مضمون المنهج، حتى يكون للتعليم معنى ودلالة على مستوى الفرد والمجتمع، ويصبح المنهج التربوي عاملاً أصيلاً وجوهرياً في صيانة المجتمع والمحافظة عليه وإنماء كيانه.

 

البيئة:

إنّ الأساس الاجتماعي للمنهج التربوي يجب أن يدخل في المنهج ما يكفل الوعي بالبيئة وفهمها واستثمارها وصيانتها وتطويعها لصالح المجتمع، بحيث تمكن خبرات المنهج من معرفة إمكانات البيئة وخصائصها وكيفية استغلالها والمحافظة عليها وإعادة صياغتها وصيانتها وإعدادها لخدمة الواقع الاجتماعي والحضارة الإنسانية.

 

النظرة المستقبلية:

إنّ التطور المستمر السريع في كافة مناحي الحياة، وما يرافقه من تطوير في عناصر منظومة المنهج التربوي، يتطلب أخذ النظرة المستقبلية في عملية تطوير المنهج بعين الاعتبار؛ لأنّ عالم اليوم غير عالم المستقبل؛ ومن هذا المنطلق يجب إعداد المتعلمين وتدريبهم على اتباع الأسلوب العلمي في التخطيط والتنظيم والتنفيذ مع الاستقلالية في التفكير، وقبول التجديد والاجتهاد، وتعزيز مهارات التفكير الابتكاري، بحيث يتمكن المتعلم من التعامل مع متطلبات العصر وتعقيداته، ويتقبل ما يحدث من تغير ثقافي وتقني في المجتمع، ويتكيف مع هذا التغير، ويسهم في تشكيل الأنماط الجديدة المتوقعة للحياة.

 

التراث الثقافي:

للمنهج التربوي دور واضح في المحافظة على توازن المجتمع واستمرار كيانه الاجتماعي، ويتحقق ذلك بتجاوز المنهج وظيفة نقل التراث الثقافي إلى تحليله ونقده وتقويمه والابتكار الذاتي للمساهمة في تطويره وضمان تأصيله وجعله معاصراً، وإمداده بما يستجد من خبرات؛ فالمنهج التربوي يقوم بمهمة تشكيل خصائص سلوكية في المتعلم، من أهمها: المبادأة، والإبداع، والابتكار. وهذه الخصائص تجعل من المتعلمين عوامل للتجديد الثقافي والتقدم الاجتماعي بكلّ ما تنطوي عليه من مفاهيم وطرائق ومعالجة للمشكلات في عالم سريع التغير، بفضل التقدم العلمي والتقني والتفجر المعرفي وانتشار تكنولوجيا المعلومات ووسائل الاتصال. وبالتالي تكوين مجتمع يؤمن بمعطيات الحياة المعاصرة العلمية والتكنولوجية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ويحاول دائماً إدخال ذلك إلى بنيته الاجتماعية.

 

النظام القيمي:

النظام القيمي في الإسلام هو ما يتضمنه الإسلام من مفاهيم ومعانٍ ومعايير وعلاقات وأخلاقيات وسلوك وتوجهات في الحياة؛ فالنظام الإسلامي يشتمل على قيم عليا تنظم شؤون الحياة في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية والتربية والأخلاقية، وتمثل هذا القيم نموذجاً من الموجهات الفكرية والمعايير والمفاهيم والمبادئ التي من شأنها أن ترقِّي حياة الإنسان، لذا يتطلب – عند بناء المنهج التربوي – إجراء تحليل دقيق لأبعاد النظام الإسلامي ومكوناته، بهدف استخراج النماذج القيمية التي يشتمل عليها هذا النظام وتصنيفها وتضمينها المناهج التربوية؛ لكي تربّى الأجيال على هذه النماذج القيمية البناءة، وتتكون لديهم مجموعة من القيم الأخلاقية النبيلة التي تلزم لحياة الإنسان في إطاره الفردي والمجتمعي والعالمي، مثل: احترام كرامة الفرد والمجتمع، والتضامن الاجتماعي، والعدل والمساواة والتفاهم، والاحترام المتبادل بين المجتمعات، وتعزيز ثقافة السلام، وهي قيم ينادى بها في هذا العصر.

 

البيئة الاجتماعية:

للبيئة الاجتماعية دور كبير في تربية المتعلمين وإنمائهم، مما يتطلب تضمين المنهج التربوي أنماطاً من التفاعلات بين العناصر البيئية التي تؤثر في حياة الفرد والجماعة، على نحو يضمن إمكانية النماء الشامل لشخصية المتعلم وتطوير البيئة الاجتماعية من خلال الجهود الذاتية الفردية والزمرية.

 

أخلاقيات المواطنة:

تؤكد المناهج التربوية الاهتمام بأخلاقيات المواطنة الصالحة التي تتصف بالارتباط بالأرض، والانتماء إلى الوطن والاعتزاز به والذود عن مكوناته والدفاع عنه، وتعزيز السلوك الأخلاقي للفرد والجماعة داخل الكيان الاجتماعي: كالتعاون والتراحم والتسامح والتضامن، بالإضافة إلى توجيه العمل التربوي – في مستوياته المختلفة – نحو مبادئ العدالة والمشاركة الإيجابية، وتنمية روح الفريق في العمل، وتشجيع العمل الجماعي والتطوعي واحترام النظام والقانون.

 

العلم والتكنولوجيا:

العلم والتكنولوجيا من أبرز معالم بناء المجتمع الحديث وتقدمه وقدرته على مجابهة تحديات تنميته ومشكلاته واستثمار موارده البشرية والطبيعية؛ لذلك فإنّه من الضروري الحرص في بناء المنهج على إكساب المتعلمين المعارف النظرية والتطبيقية وممارستهم العمل بأشكاله المختلفة بدقة وكفاءة، باعتبار العمل – على تعدد أنواعه العملية والفكرية والاجتماعية – ركيزة للتربية وجانباً رئيسياً في محتواها وأساليبها، وعنصراً أساسياً في نشاط الإنسان، واحترام الفرد لذاته، وتقديره في ضوء عمله وإنتاجه، وتنمية روح المسؤولية لديه تجاه تقدم مجتمعه.

 

التغير والتكيف:

التغير والتكيف ركنان أساسيان في بناء الجانب الاجتماعي وتطويره وتقبل الأنماط الجديدة للحياة؛ لذا يجب أن تكون خبرات المنهج التربوي متنوعة متسمة بالمرونة، بحيث تستوعب المتغيرات الجديدة في مجال المفاهيم والمهارات والخبرات والقيم التي تتلاءم مع ظروف المجتمع وإمكاناته وحاجاته المتغيرة لتحقيق نوعية أفضل من الحياة.

 

التعاون:

الخبرة المتكاملة والجهد الجماعي والعمل بروح الفريق وممارسة الحياة التعاونية في المدرسة وخارجها من الاتجاهات التي يقوم عليها الأساس الاجتماعي؛ لأنّها تنمي الروح التعاونية والعمل الجماعي التطوعي والسلوك الديمقراطي والالتزام بمصلحة المجموعة والشعور بالمسؤولية، كما تمهد السبيل لمساهمة الفرد في صنع القرارات.

 

التواصل:

إنّ تعزيز قدرة المتعلم على التواصل بأشكاله المتنوعة، والتعبير الدقيق، من أهم المنطلقات التي يؤكد عليها عند بناء المنهج التربوي؛ ويتطلب ذلك امتلاك القدرة على الإصغاء، واستيعاب المعلومات وتحليلها، وتفهم أفكار الآخرين ومشاعرهم وتحليل هذه المشاعر ومناقشتهم بتعقل، وإجراء المفاوضات وتسوية الخلافات وحل المشكلات بالتعاون مع الآخرين، مما يتطلب إتاحة الفرص الكافية للمتعلمين ليفكروا تفكيراً مستقلاً ويعبروا تعبيراً علمياً دقيقاً.

 

المصدر: كتاب الإصلاحات التربوية

ارسال التعليق

Top