• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المنهج العبادي للإمام علي (ع)

أسرة البلاغ

المنهج العبادي للإمام علي (ع)

إلى منهج الإمام علي العبادي الملتَزَم أشار الإمام الباقر (ع) بقوله: (.. وما ورد عيه أمران قط كلاهما لله رضى إلا أخذ بأشدهما على بدنه).
وقد ورد عن الإمام علي (ع) ذاته: (.. وإنما هي نفسي أروِّضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر).
وفي حديث ضرار بن ضمرة لمعاوية بن أبي سفيان حول شخصية الإمام (ع) تجسيد لهذه الحقيقة، فمما جاء في حديثه (.. كان والله صواماً بالنهار قواماً بالليل ..).
ـ توكل صادق ويقين راسخ:
وحيث أن التوكل على اله تعالى زاد المتقين، واليقين بالله شعار المؤمنين الصادقين يملأ قلوبهم بالثقة والاطمئنان والعزة والارتفاع على جميع عقبات الحياة.
فقد كان أمير المؤمنين (ع) قائداً لأهل اليقين بعد رسول الله (ص) ويعسوباً للمتوكلين.
وهذه سيرته العطرة تتحفنا بالعديد من الشواهد في هذا المضمار.
فعن الإمام الصادق (ع) قال: كان لعلي (ع) غلام اسمه قنبر، وكان يحبّ علياً حباً شديداً، فإذا خرج علي (ع) خرج على أثره بالسيف فرآه ذات ليلة، فقال له: يا قنبر ما لك؟
قال: جئت لأمشي خلفك، فإن الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين فخفت عليك.
قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض؟
قال: لا بل من أهل الأرض.
قال (ع): إن أهل الأرض لا يستطيعون بي شيئاً إلا بإذن الله عزوجل فارجع. فرجع.
وعن أبي عبدالله (ع) قال: (إن أمير المؤمنين (ع) جلس إلى حائط يقضي بين الناس.
فقال بعضهم: لا تقعد تحت هذا الحائط فإنه معور.
فقال أمير المؤمنين: حرس امرأ أجله.
فلما قام أمير المؤمنين (ع) سقط الحائط.
وكان أمير المؤمنين (ع) مما يفعل هذا وأشباهه، وهذا اليقين).
وعن سعيد بن قيس الحمداني قال: (نظرت يوماً في الحرب إلى رجل عليه ثوبان، فحركت فرسي فإذا هو أمير المؤمنين (ع).
فقلت: يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع؟
فقال: نعم يا سعيد بن قيس، إنه ليس من عبد إلا وله من الله عزوجل حافظ وواقية، معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شيء).
هذا هو علي (ع) في قوة يقينه بالله تعالى وشدة توكله عليه سبحانه.
ـ مصاديق من زهد الإمام (ع):
ولقد كان الزهد معلماً بارزاً من معالم شخصية الإمام علي (ع)، وسمة مميزة زيَّنه الله تعالى به فعن عمار بن ياسر (رض) قال: قال رسول الله (ص) لعلي: (إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب منها، هي زينة الأبرار عند الله: الزهد في الدنيا، فجعلك لا ترزأ ـ تعيب ـ من الدنيا ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووهبك حب المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً).
وقد كان من شواهد تلك الصفة التي حباه الله تعالى بها:
أن زهد الإمام (ع) عن كل لذات الحياة وزينتها وتوجه بكل وجوده نحو الآخرة، وعاش عيشة المساكين وأهل المتربة من رعيته.
لقد زهد الإمام (ع) بالدنيا وزخرفها زهداً تاماً وصادقاً: زهد في المال والسلطان، وكل ما يطمع به الطامعون.
فلقد عاش في بيت متواضع لا يختلف عما يسكنه الفقراء من الأمة، وكان يأكل الشعير، تطحنه امرأته أو يطحنه بنفسه، قبل خلافته، وبعدها حيث كانت تجبى الأموال إلى خزانة الدولة التي كان يضطلع بقيادتها من شرق الأرض وغربها. وكان يلبس أبسط أنواع الثياب، فكان ثمن قميصه ثلاثة دراهم.
ولقد بقي ملتزماً بخطه في الزهد طوال حياته، فقد رفض أن يسكن القصر الذي كان مُعداً له في الكوفة حرصاً منه على التأسي بالمساكين.
وهذه بعض المصاديق كما ترويها سيرته العطرة:
فعن الإمام الصادق (ع) يقول: (كان أمير المؤمنين أشبه الناس طعمة برسول الله (ص) يأكل الخبز والخل والزيت ويطعم الناس الخبز واللحم).
وعن الباقر (ع) قال: (ولقد ولي خمس سنين وما وضع آجرة على آجرة ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعاً ولا أورث بيضاً ولا حمراً).
وعن عمر بن عبدالعزيز قال: (ما علمنا أن أحداً كان في هذه الأمة بعد رسول الله (ص) أزهد من علي بن أبي طالب، ما وضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة).
وعن الأحنف بن قيس قال: (دخلت على معاوية، فقدم إلي من الحلو والحامض، ما كثر تعجبي منه، ثم قال: قدموا ذاك اللون، فقدموا لوناً ما أدري ما هو ... !
فقلت: ما هذا؟
فقال: مصارين البط محشوة بالمخ ودهن الفستق قد ذر عليه السكر!!.
قال الأحنف: فبكيت.
فقال معاوية: ما يبكيك؟
فقلت: لله در ابن أبي طالب، لقد جاد من نفسه بما لم تسمع به أنت ولا غيرك!.
قال معاوية: وكيف؟
قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره.
فقال لي: قم فتعشّ مع الحسن والحسين، ثم قام إلى الصلاة، فلما فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيراً مطحوناً، ثم ختمه.
فقلت: يا أمير المؤمنين لم أعهدك بخيلاً، فكيف ختمت على هذا الشعير.
فقال: لم أختمه بخلاً، ولكن خفت أن يبسَّه الحسن والحسين بسمن أو إهالة!.
فقلت: أحرام هو؟
قال: لا، ولكن على أئمة الحق أن يتأسوا بأضعف رعيتهم في الأكل واللباس، ولا يتميزون عليهم بشيء لا يقدرون عليه ليراهم الفقير، فيرضى عن الله تعالى بما هو فيه، ويراهم الغني فيزداد شكراً وتواضعاً).
وعن سويد بن غفلة قال: دخلت على علي (ع) بالكوفة، وبين يديه رغيف من شعير، وقدح من لبن، والرغيف يابس. فشق عليَّ ذلك.
فقلت لجارية له يقال لها فضة: ألا ترحمين هذا الشيخ، وتنخلين له هذا الشعير.
فقالت: ... إنه عهد إلينا ألا ننخل له طعاماً قط .. !
فالتفت الإمام إليّ وقال: ما تقول لها يا ابن غفلة، فأخبرته ...
وقلت: يا أمير المؤمنين ارفق بنفسك.
فقال لي: ويحك يا سويد؟ ما شبع رسول الله (ص) وأهله من خبز بُرٍّ ثلاثاً تباعاً حتى لقي الله، ولا نخل له طعام قط ... )).
وعن سفيان الثوري عن عمرو بن قيس قال: رؤي على علي (ع) إزار مرقوع، فعوتب في ذلك.
فقال: يخشع له القلب ويقتدي به المؤمن.
وعن الغزالي يقول: (كان علي بن أبي طالب يمتنع من بيت المال حتى يبيع سيفه، ولا يكون له إلا قميص واحد في وقت الغسل ولا يجد غيره).
هذا هو علي في شدة زهده ورغبته عن الدنيا وزخارفها، وفي عظيم اقتدائه برسول الله (ص) وفي مواساته لأهل المتربة من أمته (ص)، فهل حدثك التاريخ عن زعيم كعلي (ع)؟ تجبى إليه الأموال من الشرق والغرب، وعاصمته الكوفة ـ تقع في أخصب أرض الله وأكثرها غنى يومذاك، بيد أنه يعايش أبسط عيش مواسياً لأقل الناس حظاً في العيش في هذه الحياة ... يأكل خبز الشعير دون أن يخرج نخالته .. ويكتفي بقميص واحد لا يجد غيره عند الغسل ... ويُحرم على نفسه الأكل من بيت المال .. ويرقع مدرعته حتى يستحي من راقعها مجسداً بذلك أرفع شعار للزاهدين: (.. فوالله ما كنزت من دنياكم تِبراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوب طمراً، ولا حزت من أرضها شبراً، ولا أخذت منه كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهى وأوهن من عفصة مقرة).
ـ صدقة الإمام (ع):
ولا نريد أن نذهب بعيداً في ذكر الشواهد على تعاهد الإمام علي (ع) لأمر الصدقة، قبل أن نستقي من القرآن الكريم نماذج من صدقة الإمام (ع) عطرتها آيات الله تعالى بالثناء الجميل، ورسمت أبعاد الثواب الإلهي العظيم الذي لا يعلم مداه غير الله الذي أعده تبارك وتعالى لأمير المؤمنين (ع).
ففي حادثة إطعام علي (ع) وأهل بيته (ع) للمسكين واليتيم والأسير على مدى ثلاثة أيام وإيثارهم لهم على أنفسهم، واكتفائهم بالماء وهم في أيام صوم متتالية .. تنزلت آيات الله تعالى مسجلة أعظم مآثر علي (ع) في ضمير الوجود حيث ستبقى ترددها الآفاق والألسنة وصفحات المجد ما شاء الله تعالى.
(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا *إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا *فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا *وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (الإنسان/ 8 ـ 12).
وليس المهم في الأمر حجم ما قدمه الإمام (ع) لأولئك المحتاجين، فإن الكثير من الناس يبذلون أضعاف ذلك.
ولكن شتان بين مَن ينفق لوجه الله خالصاً دون شائبة، وبين مَن ينفق من أجل غرض دنيوي أو جاه أو ذكر يشاع بين الناس. كما أنه شتان بين مَن ينفق كل ما لديه وهو أحوج ما يكون إليه وبين مَن ينفق بعض ما لديه ...
وهكذا يختلف التقويم عند الله تعالى بين ذا وذاك!
وفي حادثة تصدق علي (ع) بخاتمه على مسكين استبدت به الحاجة، فطاف على الناس فلم يجد مَن يسد خلته، فأشار إليه علي (ع) وهو يصلي في مسجد رسول الله (ص) ووهبه خاتماً في يده.
فنزل القرآن الكريم على رسول الله (ص) مبيناً فضل ما أقدم عليه الإمام (ع) واستعمل القرآن المناسبة لإرشاد الأمة إلى أن علياً (ع) مرجعها الفكري والعملي بعد رسول الله (ص): (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ *وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة/ 55 ـ 56).
وهذه الآية الكريمة من أكثر النصوص دلالة على أن العمل الصالح في منظور الله تبارك وتعالى إنما هو بدوافعه لا بحجم منافعه.
فليس المهم أن تعطي كثيراً، ولكن الأساس في الأمر نية العطاء فالتقييم الرباني إنما يدور مدار النية حيث تدور، فكلما اقتربت من الله تعالى وابتغيت رضوانه كان ثوابك أعظم وأجل ..
ومن المناسب أن نطرح إضافة إلى ذلك مصاديق من سيرة الإمام (ع) في هذا المضمار مما روته كتب التاريخ:
فعن أبي عبدالله الصادق (ع) قال: (كان أمير المؤمنين يضرب بالمر ـ المسحاة ـ ويستخرج الأرضين، وأنه أعتق ألف مملوك من كدِّ يده).
وعن أيوب بن عطية الحذاء قال: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: (قسم نبي الله الفيء، فأصاب علياً أرضاً، فاحتفر فيها عيناً، فخرج ماء ينبع كهيئة عنق البعير، فسماها ينبع، فجاء البشير يبشر. فقال (ع): بشر الوارث هي صدقة بتة بتلاء في حجيج بيت الله، وعابري سبيل الله لا تباع، ولا توهب ولا تورث فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).
وعن أحمد بن حنبل في الفضائل: (أنه كانت غلة علي أربعة ألف دينار فجعلها صدقة).
والحديث عن حرص الإمام (ع) على تعاهد أمر الصدقة في سبيل الله تعالى يذكرنا بالنفس السخية التي يمتاز بها أمير المؤمنين (ع).
فكثرة أدائه للصدقة وشدة بذله لها وإن كان يعكس صورة صادقة عن جود الإمام (ع) وسخائه، إلا أن سيرته العطرة تكشف إلى جانب ذلك وجهاً آخر من شخصية الإمام العظيم.
فقد كان (ع) أسخى من الغيث على الأمة التي عايشها لا نقصد بهذا جوده بنفسه من أجل حفظ الرسالة ومسيرة الإسلام التاريخية، ذاك الذي يتجلى عبر البطولات التي أبداها (ع) في حروب الإسلام كلها، فحديث كهذا .. يتطلب بمفرده سِفراً كاملاً، وإنما نقصد ما يتعلق بالسخاء بالمال.
فلقد اعترف بجود الإمام (ع) وسخائه اشد الناس عداوة له: معاوية بن أبي سفيان الذي ما برح ينسج الأكاذيب والافتراءات لتشويه سمعة الإمام (ع) غير أنه لم يستطع أن ينكر فضيلة الجود عند علي (ع) فقد قال له يوماً مخفى بن أبي مخفى الضبي: جئتك من عند أبخل الناس، فقال ابن أبي سفيان: ويحك كيف تقول إنه أبخل الناس، لو ملك بيتاً من تبر ـ ذهب ـ وبيتاً من تبن لأنفد تبره قبل تبنه.
ويقول الشعبي يصف الإمام (ع): كان أسخى الناس، كان على الخلق الذي يحبه الله: السخاء والجود، ما قال لا لسائل قط.
ـ الجهاد في سبيل الله:
وحياة علي أمير المؤمنين (ع) كلها جهاد في سبيل الله تعالى في مرحلة الدعوة، وبعد قيام الدولة الإسلامية، وإذا كان قد وقى الرسول (ص) بنفسه وفداه بوجده وتعرض لأخطر تآمر جاهلي على حياة رسول الله) عند مبيته على فراشه في ليلة الهجرة المباركة، من أجل أن يصرف عنه شر عتاة الجاهلية. فإن علياً قد تحولت حياته بعد الهجرة إلى المدينة المنورة إلى حلقات متسلسلة من ذلك النوع الجهادي العظيم، فقد كان حامل لواء الزحف الإسلامي في كل غزوات أخيه رسول الله (ص) وطليعة المجاهدين في ساحات الجهاد، وكلما حزبت الأمور وحمي الوطيس انتدبه رسول الله (ص) لكشف زحف العدو عن حياض المسلمين ...
وكانت كل مواقفه الجهادية من النوع المصيري الذي يحمي الرسالة ويكشف عنها خطر التصفية المحقق والإجهاز الخطير على وجودها، تجلى ذلك في بدر الكبرى حين صفى الكثير من رؤوس الوثنيين وملأ بها ساحة المعركة.
وفي (أُحد) حين أطبق جيش الضلال على معسكر الإيمان وكانت الغلبة للعدو، نهض الإمام (ع) بدور عرقلة تقدمهم حيث بادر إلى تصفية حملة الألوية من بني عبدالدار واحداً تلو الآخر.
وفي غزوة الأحزاب حين بلغت القلوب الحناجر وبلغ الضيق والهلع بالمسلمين كل مبلغ نهض الإمام (ع) بالأمر وأرهب العدو وأعاد للمسلمين الثقة بالنفس حين قتل أبرز قوادهم عمرو بن عبد ود العامري.
حيث كان قتل العامري حداً فاصلاً بين المعسكرين إذ تلاه انهزام جيش الأحزاب مع ما امتاز به من ضخامة في العدد والعدة ..
وعلي (ع) هو الذي اقتحم حصون خيبر ودخل عليهم عنوة، ففتح الله على يديه حصون اليهود الرهيبة.
وكم أسطر لك من بطولات علي (ع) وصفحات جهاده المشرقة التي تشع بالمجد والعزة والإخلاص؟.
فدونك تاريخ الإسلام في عصره الأول: في عهد رسول الله (ص) فأمعن النظر في صفحاته كي تحدثك بفضل علي (ع) على الإسلام رسالة، وأمة، وتاريخاً.
على أن الجانب المعنوي في جهاد علي (ع) ليس مجسداً في حجم البطولات وعدد المعارك التي خاض غمارها فحسب وإنما في صدق النية وحجم الإخلاص الذي امتلأ به قلب علي (ع) وهو يخوض تلك الحروب ببسالة فائقة وشجاعة نادرة وصمود لا يرد.
ومن أجل ذلك كان القرآن الكريم يثني على تلك الروح التي كان يحملها أمير المؤمنين عبر كفاحه من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض.
فها هو القرآن الكريم يثني على علي (ع) يوم فدى بنفسه رسول الله (ص): (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ) (البقرة/ 207).
ويكشف بعمق عن صدق نية الإمام (ع).
وهاهو كتاب الله العزيز يقطع بأن جهاد علي (ع) وبطولاته وتضحياته كانت أجل الله وإعلاء كلمته في دنيا الناس، ولا يمكن أن تقرن بأي لون من ألوان العمل الآخر. فبسبب الثمن الباهظ الذي يتطلبه الجهاد، وبسبب الدافع الإيماني المخلص الذي لا تشوبه شائبة راحت آيات الله تعالى تحدد الموقع الرفيع الذي يحتله علي (ع) في دنيا المتقين: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (التوبة/ 19).
فعلى أثر حوار تفاخري بين طلحة بن شيبة والعباس بن عبدالمطلب، قال في طلحة: أنا أولى الناس بالبيت لأن المفتاح بيدي.
فقال العباس: أنا أولى، أنا صاحب السقاية والقائم عليها!
وفيما كانا يتفاخران مرّ الإمام (ع) فافتخر عليهما بقوله: (لقد صليت قبل الناس وأنا صاحب الجهاد).
فنزل قول الله تعالى في ذلك كاشفاً عن المستوى العظيم الذي يتبوأه علي (ع) من ناحية عمله الإسلامي: ضخامة وإخلاصاً، بعداً وجوهراً.

ارسال التعليق

Top